تعكس ردود الفعل الإسرائيلية إزاء الاتفاق الإيراني الغربي حول الملف النووي، خاصة تلك التي جاءت على لسان وزير الصناعة والتجارة وزعيم حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف الذي شبهه باتفاق ميونيخ الذي سمح للألمان باحتلال تشيكوسلوفاكيا آنذاك، تعكس التداعياتِ الواسعة لمثل هذا الاتفاق على العديد من البلدان سواء في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها. رغم أن الاتفاق غير نهائي ويمكن أن يعرف تقلبات إلى غاية جويلية المقبل، فإن أولى المؤشرات تفيد بانعكاسات محلية وإقليمية، وأول البلدان التي كسبت نقاطا في الاتفاق: إيران الدولة المحورية التي يمكن مع خروجها من دائرة العزلة والعقوبات أن تدعم موقعها الإقليمي كقوة جهوية فاعلة، لاسيما أنها أضحت محاورا غير قابل للتجاهل في ملفات مثل العراقوسوريا واليمن والبحرين وأيضا أفغانستان، أما داخل البيت الإيراني فإن التيار ”المعتدل” أكبر رابح سياسيا، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في مارس 2016، وإمكانية مواصلة إيران سياساتها التي تسعى من خلالها للتحول إلى قوة جهوية فعلية، حسب مخطط وضعه مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يترأسه هاشمي رفسنجاني، وهي المدة نفسها التي يتطلبها تجسيد الاتفاق الإيراني الغربي ككل، ويبدو أن الدول الغربية تريد استقطاب إيران التي شكلت محورا استراتيجيا مع موسكو وبكين، وعليه فإن روسيا يمكن أن تكون خاسرة في حال تطبيع فعلي إيراني غربي. بالمقابل، فإن الإدارة الأمريكيةوالولاياتالمتحدة يمكن أن تكسب أوراقا أساسية، فمع اقتراب الانتخابات الأمريكية يحتاج الديمقراطيون وأوباما إلى أوراق تفاوضية داخلية ورمزية، بصفته الشخص الذي أنهى أحد أهم الملفات العالقة والمعقدة، تحقيق أمن إسرائيل محددا، ومنع إيران من الوصول إلى السلاح النووي، وتحقيق تقارب مع من كانت تصفه طهران ب ”الشيطان الأكبر”، وهو ما تبرزه تصريحات الرئيس أوباما الموجهة أساسا للكونغرس، حينما أشار إلى تفاهم تاريخي إذا تجسد اتفاق نهائي سيحول دون حصولها على السلاح النووي، واصفا الاتفاق بالأعمق الذي تم التفاوض بشأنه في تاريخ البرامج النووية، وأن إيران ستكون البلد الأكثر عرضة للتفتيش في العالم، وهذه الرسالة موجهة إلى إسرائيل التي تبقى الدولة النووية الوحيدة وغير العضوة في اتفاقية منع الانتشار النووي، والتي اعتمدت منذ إنشائها سياسة الغموض النووي، ثم برز مع اتفاق 1969 بين غولدا مائير ونيكسون الذي ضمن حيازة إسرائيل للسلاح النووي، وهو محل تجديد مع انتخاب كل رئيس أمريكي جديد مند جيرالد فورد إلى أوباما، وعليه فإن إسرائيل من بين الدول التي ستكون كاسبة في هذا المجال، إلى أن يتم تحديد توجهات السياسة الإيرانية إزاء حلفائها، والتي لن تطرأ عليها تغيرات جوهرية لاسيما مع حزب الله وحتى حماس، ناهيك عن سوريا التي يمكن أن تستفيد أيضا، خصوصا مع توافق إيراني غربي على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ”داعش”. بالمقابل فإن تركيا يمكن أن تخسر نقاطا لتنامي دور طهران إقليميا وصعودها اقتصاديا، وهي الدولة التي تعاني تبعات الأزمات المتتالية في المنطقة العربية ومن مواقفها السياسية، كما ستكون البلدان العربية الخليجية خاسرة أيضا، ولا يستبعد أنها تعيش لحظات رعب، فإيران تعتمد سياسات امتداد تدعم سوريا ولها تأثير كبير في العراق واليمن والبحرين اللتين تُعتبران عمقا استراتيجيا حيويا للسعودية، هذه الأخيرة وإن كانت حليفا لأمريكا إلا أنها بدأت تفقد نقاطا على خلفية تطور السياسات الطاقوية الأمريكية (نفط وغاز صخري) يجعل الولاياتالمتحدة تقلص تبعيتها لنفط الخليج، حيث تدنى إلى أقل من 30%، فيما يتم أيضا بعد الانسحاب من العراق اعتماد ترتيبات عسكرية قد لا تكون أيضا في صالح هذه الدول.