يعود القيادي البارز في حركة النهضة، فاتح ربيعي في منتدى "الحوار" إلى أسباب الخيبة التي تلقتها الأحزاب المنتمية إلى التيار الإسلامي في محليات 23 نوفمبر أمام النتائج "الهزيلة" التي سجلتها، ليجدد تأكيد الإصرار على وجوب أن لا يعلق الإسلاميون إخفاقهم على مشجب التزوير، ومراجعة أنفسهم وخطاباتهم المتناقضة بين الشعارات التي يحملها التيار والواقع، فيما أماط اللثام عن الكثير من الملفات التي كانت ولا تزال من بين أهم أسباب تشتت أحزاب هذا التيار وفشله الذريع في إنجاح عديد المبادرات التي كانت ولا تزال تموت في مهدها. * ما هو سبب تصريحاتكم الأخيرة التي طالبتم فيها الأحزاب الإسلامية بعدم تعليق الفشل على شماعة التزوير؟ أكيد أنا مصر على أن لا يعلق الإسلاميون إخفاقهم على مشجب التزوير، وهذا لا يدل على أن هذا الأخير غير موجود، والدليل العديد من الاحتجاجات في العديد من المناطق، وهذا معروف من قبل، فمنذ 97 لم نصل إلى انتخابات شفافة ونزيهة، وما جعلني أصرح هكذا هو معرفة القيادات في التيار الإسلامي المسبقة.. فرغم التحيز الفاضح للإدارة التي تسير الانتخابات ولكن كل هذه المدة التي انتقل فيها العمل الإسلامي من السرية إلى العلنية وهم يشجبون التجاوزات، ولكنهم يشاركون في الاستحقاقات، فنحن هنا أمام خيارين إحداهما.. اما التفرغ كاملا للعمل الدعوي، أو الانخراط في الواقع السياسي بكل ما يحمله من معنى وترك شأن الوعظ للشيوخ والدعاة. فإذا نظرنا إلى منحنى مشاركة التيار الإسلامي في الاستحقاقات أو في العملية السياسية، فهو في نزول، ولذا يجب الوقوف عند هذا الأمر كثيرا والتمعن في أسبابه، والتي من بينها تناقض الخطاب بين الشعارات التي يحملها التيار والواقع، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ومن بين الأسباب أيضا المحيط الداخلي والخارجي المناوئ.
* كيف يمكن للإسلاميين اليوم تطبيق المقاربة التي تتحدث عنها؟ للأسف بعد حوالي 11 شهرا من بداية مشروع الاتحاد من أجل النهضة، العدالة والبناء، أستطيع اليوم أن أجزم بأننا لم نطبق الأرضية التي اتفقنا عليها، أو بالأحرى المقاربة السياسية التي اجمعنا على تنفيذها رغم أن التجاوب معها كان في أوجه. يومها تحدثنا ونصت وثيقة التحالف التي أمضينا عليها على ضرورة لمّ شمل كل أبناء التيار الإسلامي في الجزائر، وكذا محاولة بعث رسائل إيجابية لعموم الشعب الجزائري مقابل الرسائل السلبية التي كرسها الانقسام والتشرذم. ثم بعد ذلك الانفتاح على الساحة السياسية بنوعيه التيار الوطني والتحالف معه سيكون استراتيجيا لمواجهة المخاطر التي ستواجه الجزائر، باعتبار أن التيار الإسلامي والوطني يمكن أن يندمج، خاصة أنه يشترك في العديد من القواسم. ولكن اليوم الكثير من الإطارات في حمس والاتحاد منشغلة بذاتها وأحزابها، ولذا فإن كثيرا من الإطارات أقلقها كثيرا هذا الانقسام فانكفأت على نفسها وأيضا نسيت بذلك المشروع الوحدوي.
* هل يمكننا اليوم أن نجزم بأن مشروع الاتحاد قد فشل بعد حوالي 11 شهرا من إطلاقه؟ أولا دعني أوضح لك العديد من النقاط فيما يخص مشروع الاتحاد من أجل النهضة، العدالة والبناء الذي اعتبرناه مشروع أمة، وقد كان سابقة في التجربة الحياة السياسية في الجزائر، حيث انطلق من خلفيات تجربة تكتل الجزائر الخضراء الذي ارتبط في الانتخابات وانتهي بعد التشريعات مباشرة. ولذا أردنا من خلال بعث التحالف من أجل النهضة، العدالة والبناء أن يكون تحالفا استراتيجيا غير مرتبط فقط بالانتخابات التي تعتبر جزئية في مشروع متكامل، ولكن عندما ضايقنا الوقت قررنا الدخول في الانتخابات الشريعية، ثم بعدها التوجه الى مؤتمر جامع أقصى حد له هو سبتمبر، ولكن لحد اليوم لم يعقد أي مؤتمر، وتحول هذا المشروع من تحالف استراتيجي إلى تحالف تكتيكي أو انتخابي. ومن كونه يجمع ثلاثة أحزاب قررت أن تنصهر من أجل أن تشكل تكتلا واحدا إلى ثلاثة أرقام اجتمعت فيها العناوين ولم تجتمع الإرادة والقوة في هذه التشكيلات السياسية. والسبب الرئيس الذي أوصلنا إلى هذه الحالة هو وجود مقاومة داخلية لهذا المشروع، وتداخلت الأسباب الداخلية مع أخرى مرتبطة ببعض الخطوات التي كان يفترض أن يقوم بها الاتحاد، ومع كل هذه التراكمات قدر لمشروع الاتحاد أن لا يسير في المسار الذي أريد له.
* بالحديث عن الاتحاد، لماذا غاب الشيخ عبد الله جاب الله عن الحملة الانتخابية، وما صحة الحديث عن عدم تجاوبه مع التكتل؟ لا يمكنني أن أجزم بهذا القول، لأن الشيخ عبد الله جاب الله كان متمسكا بضرورة الذهاب إلى المؤتمر قبل التوجه إلى الانتخابات المحلية مثلما هو متفق عليه، ولست هنا ناطقا رسميا باسمه، لكن الزخم الذي أريد للاتحاد والذي اكتسبه من أول إعلان لأسباب ربما لم يحن الوقت لتفصيلها. ولكن بالتأكيد سنصل إلى خلاصة مفادها أن الوجه الذي اتخذه الاتحاد في أول خطوة لم يستمر وتحول من تحالف استراتيجي إلى تحالف انتخابي لعدة عوامل أثرت فيه وجعلت الكثير من قيادات التيار الإسلامي ينسحبون، حتى داخل الحزب الواحد هناك العديد من المناضلين ممن ترشحوا ولم يجدوا سندا حتى من داخل حزبهم، وهذا من الأمور التي يجب أن نقيمها. ولذا قلت فيما سبق إن من ترشح يجب أن نعطيه وساما، لأن المحيط الداخلي والخارجي غير مشجع للعملية السياسية في حد ذاتها، والتراكمات الموجودة والتناقضات الموجودة هي غير موجودة.
* الشيخ جاب لله قال إن ممثلي أغلب التيار الإسلامي الحقيقيين هم مقاطعون للانتخابات، ما رأيكم في هذا التصريح ألا يعد طعنا في القيادات الإسلامية الحالية؟ شخصيا لم أطلع على تصريح الشيخ عبد الله جاب الله، ولكني متأكد بأنه يعلم أن حزبه من بين الأحزاب المشاركة في انتخابات المجالس المحلية والبلدية، وهؤلاء جزء من التيار الإسلامي، نعم هناك جزء كبير انسحب عن الساحة السياسية واستقال ليس فقط من أبناء هذه الأحزاب.
* الرسالة التي وجهتموها إلى التيار الإسلامي ربما كانت مغايرة تماما لوجهة نظر حركة مجتمع السلم التي اعتبرت أن التزوير هو السبب الرئيسي لتراجع التيار الإسلامي، هل ترى أن هذا الطرح مقبول؟ مع احترامي الشديد للإخوان في حركة مجتمع السلم، التي كنت أود أن تفوز في المحليات وتكتسح المجالس المحلية والبلدية، ولكن لغة الأرقام تؤكد أن الجميع في التيار الإسلامي بمن فيهم حمس أخفقوا في الاستحقاقات، فالنسبة التي أحرزتها مقارنة بعدد البلديات والولايات الموجودة على المستوى الوطني دليل على ذلك، فحمس من جملة 1541 بلدية لم تحفز الا ب 49 منها، فلو حولنا هذا الرقم الى نسبة مئوية لوجدناها متدنية جدا. لذا فالتيار الإسلامي ليس هذا هو حجمه المطلوب، وليس هو موقعه ومكانه، وبالتالي يجب ان لا نصر في موقع الهزيمة والإخفاق على الانتصار، فالقيادة التي تعترف بإخفاقها تستحق التقدير مثلما تستحق القيادة التي تعتز او تحقق الانتصار، لأن الذي يعترف بإخفاقه يمكن له أن يتدارك، ولكن من حول الإخفاق إلى انتصار فقد غيب حتى فرصة الاستدراك بيديه، ولذلك أتمنى أن نقرأ أرقامنا بطريقة صحيحة، وأن لا ننظر إلى المنحنى الانتخابي في التيار الاسلامي من بداية مشاركته الى اليوم، وأنه منحنى في نزول، واليوم العزوف لم يمس عموم الشعب الجزائري وفقط، وإنما وصل إلى النخبة، وإذا سألت قيادة الأحزاب عن مدى تجاوب أبناء تشكيلاتهم من كوادر وقيادات وإطارات مع رغبة القيادة في الترشح يقولون إنهم لم تكن لديهم رغبة في ذلك. * هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة معمقة في أسبابها وعدم الإمعان في تصريحات لا تمت للواقع بصلة، والتي مفادها أننا حققنا تقدما أو أحرزنا نقاطا أخرى أكثر من تلك التي حققناها في الانتخابات التي سبقتها.
من يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ حقيقة هذا المشروع تحول من كونه تحالفا استراتيجيا إلى تحالف انتخابي، والسبب في ذلك عدم وجود قناعة عند الأطراف أو بعضها المشكلة له في أن يكون تحالفا استراتيجيا، هناك من يرى بأنه يكتفي في هذه المرحلة أن يكون مشروع الاتحاد مشروعا تكتيكيا ومتعلقا بالانتخابات، أو بالأحرى لا يريدون الذوبان في حزب واحد، فهناك من يراهن لإنجاح هذا المشروع على الوقت، على اعتبار انه كبير يحتاج إلى تقارب فكري، ولكن هذا تهرب من الاستحقاق وعدم الاكتراث بتطلع المناضلين والعدم الجدية في التعامل.
* كيف كانت ردة فعل القيادات الإسلامية عقب رسالتكم؟ هناك من انتقدني، ولكن الكثيرين ممن اتصلوا بي كانوا مثمنين لما جاء في مضمون الرسالة، ولكني شعرت بصدق أنني كنت معبرا عن فئة واسعة من التيار الإسلامي.
* بعد ثلاث مبادرات فاشلة.. ما مستقبل الأحزاب الإسلامية؟ أنا شخصيا.. وفي وجهة نظري أن الأحزاب الإسلامية استنفدت أغراضها، لأنها وصلت إلى ما وصلت إليه ولها إيجابيات كثيرة لا تخفى، فمنسوب التدين الذي كانت تتبناه تجاوزه الوعي المجتمعي الذي نمى بشكل كبير داخل المجتمع الجزائري.. المطلوب من هذه الأحزاب أن تواكب هذا التجدد والتغير. فالشعارات التقليدية لم تعد نافعة، المواطن البسيط يحتاج من يقدم له الخدمة، أتمنى حقيقة من هذه الأحزاب أن تجتمع وتغير من خطابها وسياستها ومن تركيبتها القيادية، وأن تشتغل في التغيير أو التغير الفكري أو الهيكلي الذي يتناسب مع تطور المجتمع.
* ألا تتخوف من أن يفهم كلامكم على منحنى آخر.. وهو رغبتكم في مد يدكم للسلطة مجددا، او يفهم على رغبة منكم في المشاركة في الحكومة؟ في الكثير من الأحيان التيار الإسلامي كان لعبة في يد السلطة، وما دامت الأحزاب ذات التوجه الإسلامي راضية بأن تكون وفق ما يسمى باللعبة السياسية في الجزائر وانخرطت وهي جزء من هذا النظام السياسي، وتشارك أيضا في الاستحقاقات رغم أن هذه الأخيرة يشوبها العديد من التجاوزات وترفع خطابا متناقضا دائما، وفيما يخص المشاركة في الحكومة، أنا ضد المشاركة التي تكون رمزية فقط عليها ان تكون فعالة وحقيقية.
* تقول إن المشاركة وجب ان تكون فعالة؟ في نظري أن عدم الاطمئنان لهذا المنافس –الأحزاب الإسلامية– هذا المنافس يهدد مصالحي، هذا المنافس إقصائي، وقيل عن التيار الإسلامي انه إذا وصل إلى السلطة فسيقصي الجميع، نحن في أمس الحاجة إلى أن نبعث برسائل تطمينية، ليس بالضرورة بالمشاركة في الحكومة او في السلطة، او نسكت على الفساد، ولكن بالممارسة العملية، والصبر والمواقف الوطنية الجريئة في أوقات محددة، كل ذلك من شأنه ان يبعث برسائل التطمين، وآن الأوان أن نرى أنفسنا كتيار، أولا لسنا نمثل الإسلام وإنما مرجعيتنا اسلامية فقط، ولا حرج عندي حتى إذا طلب منا أن ننزع عباءة الأحزاب الاسلامية لنزعناها، ونتشبث بمدنية الحزب قولا وعملا، وأن نتحاور مع من يخالفنا الرأي والقناعة ولا نصنع الحواجز التي تحول بيننا وغيرنا، ونفتح حوارا حقيقيا من شأنه إزالة الضبابية الموجودة وتطمين الأطراف الأخرى بعيدا عن الأطماع الشخصية، عن الانتهازية والتسلق غير المشروع.. تكون فيها نظافة اليد والفكرة ونظافة اليد للأشخاص الذين يتولون هذه المهمة.