وضعت ظاهرة التجوال السياسي بعد الانتخابات التي انتقلت من المؤسسات البرلمانية إلى المستوى المحلي أي المجالس البلدية والولائية، الأحزاب السياسية التي شاركت في المحطة الانتخابية الفارطة، سيما منها المعارضة على كف عفريت، خاصة في ظل غياب نصوص قانونية واضحة وصارمة تحرم وتمنع هذا السلوك السلبي في الممارسة السياسية النزيهة، ما خلط أوراق هذه التشكيلات السياسية في الوقت الذي استفادت أخرى من هذه الظاهرة التي تخدمها، وفي السياق أجمع أهل الاختصاص وممثلو الأحزاب السياسية الناشطة في الساحة المحلية على أن هذه الظاهرة يعود سبب تفشيها إلى غياب إطار قانوني واضح وتراجع الروح النضالية لدى مناضلي الأحزاب. * تمديد النص الدستوري للحد من الظاهرة ضروري في هذا الصدد قال الخبير في القانون الدستوري عمار رخيلة، الذي تأسف من ظاهرة التجوال السياسي على المستوى المحلي أي في المجالس البلدية والولائية المنتخبة مؤخرا، أن وزارة الداخلية والجماعات المحلية هي وحدها من تتحمل مسؤولية هذه الظاهرة، داعيا إياها إلى إلغاء كل محاولة لتغيير اللون السياسي لأي منتخب بعد الانتخابات –يضيف- ذات المتحدث ل "الحوار" في اتصال هاتفي. وأشار العضو الأسبق بالمجلس الدستوري إلى التعديلات التي طرأت على قانون الانتخابات الأسبق الذي أردا المشرع من هذه التعديلات محاربة حالة الانسداد التي عرفتها المجالس الشعبية المنتخبة في العهدة السابقة أين أقر هذا الأخير على أن تكون رئاسة هذه المجالس للحزب المتحصل على أغلب عدد من الأصوات بعد أن أدرك المشرع أنه يمكن لحزبين أن يتحصلوا على نفس العدد من المقاعد، مؤكدا أن هناك نصا قانونيا غير محترم بالنظر إلى ما هو حاصل في المحليات الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك فراغا قانونيا واضحا في شأن الأمر ما جعل الظاهرة تأخذ أبعادا أخرى بعد الإعلان على نتائج المحليات المنقضية، معرجا في نفس الوقت على تراجع الانتماء السياسي أو الحزبي لدى الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها الإيديولوجية نتيجة أن مترشيحها ليسوا مناضلين بل ترشحوا لمصالح شخصية وليست حزبية، داعيا إلى تمديد النص الدستوري المتعلق بمنع نواب الغرف البرلمانية من التجوال السياسي أو تبديل الانتماء الحزبي بعد الانتخابات، مشددا على ضرورة احترام هذا النص من طرف أحزاب الموالاة التي لها نصيب وفير في الظاهرة. بدوره رأى الأستاذ في علم الاجتماع محمد طايبي هذه الظاهرة بمنظور المختص إذ قال ل"الحوار": "الانتخابات في حد ذاتها تمثل علامة فارقة في الاجتماع الانتخابي الذي به فقط ترسم معالم المشهد السياسي المدني والسلوكيات تحيل إلى حال الروابط بين الممثل والممثل من جانب وإلى حالة العلاقة بين الأحزاب والمترشحين وضعف الرابطة الحزبية يلغي الانضباط ولا يترك لقيمة المرجعية لا لونا ولا وزنا والمسألة -بحسبه -تحيل إلى تكتيك ظرفي غايته تتجاوز المجالس المحلية إلى المجالس الوطنية وبخاصة السينا التي يسيل اللعاب عليها وتفسر التموقع الذي يسهل الفوز بما هو أعلى من المير، فلا علاقة إذن لمسألة الأخلاق بل هو وضع التهافت من أجل التفاوت"، مضيفا: "أما الجمهور المنتخب فهو في أغلب الأحوال رهينة إفلاس الأحزاب التي صارت مطية لشهوات السلطان المحلي أما القانون فلا يحمي المغفلين في انتخاباتهم". وعن الفراغ القانوني الذي لا يتحدث عن منع التجوال السياسي على المستوى المحلي قال ذات المتحدث ل"الحوار"، "ليس ثمة فراغ قانوني بل انهيار سياسي للأحزاب لأن القانون لا يمكنه احتواء السياسة دائما بل رقي السياسة هو الذي يسمح للقانون بالتحكم وهذا حال الدول الوطنية القوية". وعن الحلول الواجب انتهاجها للحد من هذه المظاهر السلبية قال "إنتاج القانون صار آلية عادية بها تتابع مسارات المؤسسات أما السياسة فهي قوة تمدن ورقي وإن فشل التنظيم قد يكون مؤشرا على ضعف التنظيم ليس بالقانون فقط بل بالسياسة وهنا ندخل حقل النخب ومقدراتها على صناعة اجتماع إنساني محكم.
* احترام العهدة كما أفرزها الصندوق واجب … والمسؤولية تقع على الجميع في سياق الموضوع يرى السياسيون أن الظاهرة في حد ذاتها سلبية في الممارسة السياسية المبنية على الأسس الديمقراطية، حيث قال القيادي البارز في حزب العمال رمضان تعزيبت، إن الدستور الأخير لم يأخذ بعين الاعتبار معالجة ظاهرة التجوال السياسي، مؤكدا أن هذه الظاهرة اللاديمقراطية تغتصب ضمائر الناخبين، موضحا في السياق في حديثه مع "الحوار" أن ما حدث بعد المحليات المنقضية هو عبارة عن انتجاع سياسي وليس بالتجوال السياسي، بحيث المنتخبين الذين غيروا لونهم السياسي من حزب ما إلى حزب آخر الهدف منه هو تحقيق المصلحة الشخصية، خاصة الذين كانوا في المعارضة وتوجهوا في آخر لحظة إلى الأحزاب الحاكمة دون الأخذ بالحسبان احترام الممارسة السياسية النزيهة والنظيفة المبنية على الأخلاق واحترام صوت الناخب الذي صوت في آخر المطاف لصالح انتماء سياسي ما، قبل أن يكون للمترشح في حد ذاته، داعيا إلى احترام العهدة كما أفرزها صندوق الاقتراع. في السياق ذاته قال الأمين العام لحركة البناء الوطني الأسبق أحمد الدان إن ظاهرة التجوال السياسي التي اتخذت منعرجا آخر بعد المحليات المنقضية لا تنحصر في أحزاب الموالاة بل هي مسؤولية الجميع، موضحا في السياق أن أحزاب الموالاة حلت مشاكلها في الترشيحات تم استعادت أبناءها فلا لوم عليها ولكن اللوم يقع على الأحزاب الأخرى التي رشحت بالبيع على حساب النضال. وأضاف المتحدث في حديثه مع "الحوار" أن على الجميع حماية المنظومة الحزبية في الجزائر لأن الأحزاب الجادة هي إحدى ضمانات الديمقراطية والتعددية وهي أيضا ضمان لسيادة البلاد واستقرارها، ولكن للأسف في المشهد السياسي الوطني هناك تآمر على الأحزاب ومحاولة اتهام الأحزاب واتهام المعارضة وللأسف العديد من الأحزاب جعلوا أحزابهم عرضة لسيطرة المقاولات وتجار القوائم الانتخابية –يقول- الدان، مؤكدا على أن النظرة الوطنية في المنظومة الحزبية أصبحت عرضة لمخاطر وحسابات الزمر والفئوية.
* تمييع في تحمل المسؤولية من جانبه، اعتبر رئيس الكتلة البرلمانية لحركة حمس ناصر حمداوش في حديث ل"الحوار" مثل هذه التصرفات دليل على التميع في تحمل المسؤولية السياسية، وهذا تجوال سياسي مرفوض، ويعتبر انقلابا على إرادة الناخبين، ولا يشرف العملية الانتخابية، ويدل على أن النتائج وخاصة على مستوى المجالس الشعبية البلدية لا تعبر عن الحجم الحقيقي للأحزاب ولا تعكس حقيقة الإرادة الشعبية.. وعن رأي القانون في تغيير قوائم للونها السياسي، قال محدثنا"القانون لم ينص على عقوبة هذا التجوال السياسي على المستوى المحلي كما ينص الدستور عليه على مستوى البرلمان، إذ للأسف يوجد فراغ يتم تكييف القوانين دائما لصالح أحزاب السلطة، ووقع نزيف وخشية كبيرة من انشقاق العديد من النواب وانقسام كتلة حزب الأفلان فوضعوا مادة تمنع التجوال، والآن المستفيد من هذا التجوال هو حزب الآفلان، وقد يكون بتوجيه الإدارة والضغط عليهم، كما ضغطوا في التحالفات الانتخابية في المجالس الحالية يضيف المتحدث دائما ل "الحوار".
بالمقابل أبدى الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي الصديق شهاب تحفظه والحديث عن هذه الظاهرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة ومست الكثير من القوائم التي فازت في المحليات الفارطة لكنها قررت أن تغير انتماءها السياسي، مشددا على ضرورة احترام الخيارات وعدم التدخل في أمور أخرى لكنه بالمقابل أكد أن ظاهرة" التجوال السياسي" لا تعكس حقيقة المبدأ الذي يطمح إليه رئيس الجمهورية في ترسيخ ديمقراطية حقيقية. في السياق ذاته، أبدى القيادي في حركة النهضة محمد حديبي بدوره، أسفه الشديد لتغيير العديد من الأميار لونهم السياسي، مضيفا بالقول: "للأسف يندرج في إطار تمييع العملية السياسية والخدمة العمومية للمواطن والتحرر من الارتباطات والعهود الأخلاقية التي أطلقها المنتخب عشية الانتخابات اتجاه المؤسسة الحزبية المرشحة له واتجاه ناخبيه". وقال المتحدث في حديثه ل "الحوار" "نعيش حالة الفوضى وفلتان سياسي لم يسبق له مثيل وهذا مقصود لتشويه المدرسة السياسية الجزائرية ودفع مزيد من الناشطين من ذوي الكفاءات والأفكار وحاملي القيم للانسحاب ومغادرة الحقل السياسي وترك هذا الفضاء للطفيليين وعديمي الضمير الأخلاقي والسياسي ليلعبوا بالأمة، وهو ما يجعلهم تحت رحمة الإدارة تنفذ بهم أجندات في راحة من أمرها دون الذهاب إلى الثقافة التسييرية التشاركية التي تحملها النصوص القانونية المنظمة لعمل المنتخبين مع الإدارة" يضيف ذات القيادي، وحتى قانون منع التجوال السياسي- يقول-" وضع في بعده السياسي المركزي للبرلمان فقط دون غيره من المنتخبين المحليين وهذا لضمان التحكم في نظام الكوطة داخل البرلمان وعدم تغيير موازين الكتل البرلمانية التي حددتها إرادة الغرفة المظلمة وهذا لا يمكن تحقيقه على نظام المحليات لأن الإدارة لا يمكن أن تفرض نظام الكوطة في البلديات نظرا لعدة عوامل -يقول- حديبي. ولم يختلف موقف رئيس جبهة الجزائر الجديدة أحمد جمال بن عبد السلام عن باقي التشكيلات الحزبية الأخرى حيث أبدى بدوره أسفه من الظاهرة التي قال عنها في حديثه ل"الحوار"، إن هذه الظاهرة أصبحت بضاعة الأحزاب الحاكمة التي تمكنت بعد مرحلة ما بعد الانتخابات وإعلان النتائج المتحصل عليها لمختلف الأحزاب المشاركة في المحليات المنقضية من استرجاع هؤلاء الذين ترشحوا في انتماءات حزبية أخرى الذين هم في حقيقة الأمر من مناضلي هذه الأحزاب الحاكمة، مضيفا أن هؤلاء لا يعبأون بشيء اسمه العهد والميثاق الانتخابي فهمهم الوحيد حسب المتحدث هو الوصول للمجالس المنتخبة لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة. مضيفا بالقول "نحن الآن في مستنقع سياسي متعفن"، موضحا في السياق أن بناء طبقة سياسية حقيقية يستدعى إعادة الاعتبار للقيمة النضالية بالنظر إلى الوضع الحالي غير الطبيعي الشاذ والمريض". مناس جمال \ نور الدين علواش