لا زلنا كعرب نحفظ مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي ديان)، يوم قال: (العرب أمة لاتقرأ ..وإن قرأت لا تفهم ..وإن فهمت لاتفعل)، وحتى وهي من عدو لدود، إلا أن كبار الباحثين والمفكرين اعتبروها الأقرب للحقيقة، فراحوا يحملونها في جعبتهم أينما حلّوا وارتحلوا، بحجة تفشي الكثير من المظاهر والسلوكات المخزية داخل مجتمعاتن، ومع الإنسان العربي نفسه، والتي لا تمت بأية صلة إلى الإسلام الحقيقي، لأننا أمة "إقرأ" كما نُنعت، ويكفي أنها أول لفظ نزل ونطق بها الوحي؟!، وقد قالها العلامة الشهير محمد عبده يوما (ذهبت إلى بلاد الغرب فوجدت هناك مسلمين بلا إسلام، وحين عدت إلى موطني مصر وجدت إسلاما بلا مسلمين)، أي إسلام الشعارات فقط؟!. هذه الأمة لديها كتابها الذي تعتز به، وكذلك لها السنة، هذه الأخيرة ليست(أي السنة) موجودة في البخاري ومسلم فقط، بل ضمن عشرات الذخائر المتروكة لنا، وهو ما يسمى التراث المعنوي المكتوب، كالقرطبي والذهبي والطبري والرازي وأبوحجر العسقلاني والنووي والمودودي ..الخ، لذلك لا يمكن بأي حال أن نستشهد بالبخاري فقط، لأن هذا العالم الجليل اجتهد في عصره كجامع للحديث ليس إلا؟!. وتقول بعض المصادر بأنه كان كفيفا من أوزبكستان ولا يحسن العربية، جمع زهاء ال600 ألف حديث عبر 16 سنة من رحلة بحث، فيها المفيد لنا في كل حياتنا وتاريخنا وصالح لكل زمان ومكان، وفيها الكثير من المردود والضعيف، بحجة أنه يتنافى مع العقل بشكل صرف، ومقزز إلى درجة الشك في السند؟!. ماذا عساني أن أفعل أنا كباحث مثلا حين أقرأ في القرن الواحد والعشرين، وفي عام 2018 حديثا يقول (أيما رجل وامرأة فعشرة بينهما ثلاثة ليال..فإن أحبا أن يتزايدا يتزايدا أو يتتاركا تتاركا)، فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة، هذا موجود في البخاري باب النكاح الصفحة 4827، فهل أنا كمسلم عليّ أن أعمل به، وكيف أفهمه وأقرأه، وهو الذي يعني في مضمونه تشجيعا لزواج المتعة، وهل أطبقه في حياتي أم أتجاوزه، أم أقول لا الرسول الأعظم لا يمكن أن يقول بهذا، فقد كُذب عليه …من الذي كذب؟!، الراوي، أم الناقل، أم المسند إليه؟!، فقد يأتيك طرف آخر، ويقول نعم الحديث موجود في الصحيح لكنه ضعيف؟!، فإن كان ضعيفا لماذا تم نقله، إن كان ناقله يجهل صحته، وفريق آخر يقول لك نعم النبي الكريم (ص) قال بهذا، لكن في فترة من الفترات، كما روي في بعض الوقائع الأخرى أنه كان أثناء غزوة خيبر؟! ثم تم نسخه، وجاء عمر بن الخطاب وحرمه؟!. أخيرا حتى لا أطيل الوقت، نختم بحديث (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإن لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)- رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة، فما هو المعنى الحقيقي لهذا القول.هل إذا مررت أنا على مسيحي أو يهودي أو قبطي أو بوذي وجدته واقفا أو جالسا، يجب أن أنتظر منه تحية السلام، وإن لم يقلها لن أقلها؟!..هل يمكن أن يقول رسولنا الكريم بهذا، وهو الذي أرسل رحمة للعالمين، والله سبحانه وتعالى يقول وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا… أيحثنا نبينا على كراهية الآخر ومباغضته وعدم التواصل معه، وهو الذي جاء ليهدي الناس، ويعلمهم معاني الإسلام السمحة؟!. نتوقف عند هذا الحد، فهناك عشرات الأحاديث التي تسيء (وأنا أصرّ على هذا المصطلح الذي لم يعجب صديقنا وزميلنا الحبيب جمال الصغير الذي رد عليّ)، تسيء لأعظم خلق الله سيدنا حبيبنا المصطفى، كحديث سحره على يد اليهودي لبيد بن الأعصم، لأنه يتنافى مع القرآن الكريم، والذي جاء فيه (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا، أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضّلوا فلا يستطيعون سبيلا)- صدق الله العظيم… ومعنى الآية هنا صريح، أي أن الذي يقول بسحر النبي يعتبر ظالما، فهل أنا مجبر على التسليم بصدق الحديث، أم بصدق الآية ؟!، فإن آمنت بصحة الحديث فأنا ظالم في نظر الإسلام، والإجابة يعرفها الجميع أكيد، وهذا الحديث روته عائشة زوج النبي؟!، إذا أحاديث مثل هذه هي موجودة لحد الساعة لماذا لا نحذفها نهائيا من البخاري، ونترك فقط ما يبين ويوضح السيرة العطرة لرسولنا الكريم، أم أنه من باب الأمانة العلمية تركها. وحين تتم مساءلتنا نقول بأنها ضعيفة ومردودة، وأن السند ضعيف، تاركين فرصة للشامتين بأن يجدونها متكئا وتبريرا بأن الإسلام هو دين مليء بالتناقضات الصارخة (وهذا ما لا نتمناه صراحة)، إذا وجب ألا نقول بأن البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله، هو كتاب كباقي الكتب، وجب مراجعته وتنقيحه، وهذا متروك للعلماء وأهل الاختصاص. وفي الأخير أزف تحية ود وتقدير إلى الزميل جمال الصغير، الذي رد على مقالي الأول عن البخاري بكل أدب وعقلانية، وأوضح له بأن المشكلات في البلاد الإسلامية كثيرة جدا، وأنا لست أول من يتطرق لها، فمحمد الغزالي -رحمه الله – بقامته الشامخة، والذي لست أنا في مستواه ولا أنت، ثار ضد البخاري وكذلك الألباني وأبو عمار الشهيد في كتابه الشهير(الملزمات والتتبع)، وأبو العلي الغساني في (تقييد المهمل)، والحياني والبيهقي وابن حزم والشافعي كذلك. والقائمة لا يحصيها إلا الله ممن كتبوا في عصره، ورفضوا بشكل قطعي ما جاء في الصحيحين، فأين نحن من هؤلاء علما ومعرفة، فهل وجب بمكان أن نقول أو نصنفهم في قائمة الحداثيين والمتأثرين بمناهج الغرب.. فقط أود أن أشيرأنه ليس من ينتقد البخاري وهو يستعمل عقله وبصيرته هو علماني حداثي، كما تقول يا أستاذنا الكريم، فالحداثة آلية طيعة في أيدينا نستعملها متى استدعت الضرورة، فهي مفيدة في أحايين، وسيئة في مواضع أخرى، إذ تعلق الأمر بمقوماتنا ومقدساتنا وهويتنا العربية الحقة، وحذار فقط أن نسقط في فخ التشدد العنيف والمقيت الذي لا يقبل النقد والرأي الآخر، وكان بمكان أن ننظر إلى بيوتنا لأنها فعلا من زجاج؟!. شاعر وصحفي جزائري [email protected]