محمد مصطفى حابس: جنيف/ سويسرا تتفنن الأمم والشعوب المعاصرة في اختراع مناسبات لتضيف رونقا جديدا ومسحة فرح على حياتها المادية و/أو الروحية، إذ لا يخلو يوما من أيام السنة الميلادية من مناسبة محلية أو دولية، مما جعل الدول المتقدمة تجتهد بكل ما في وسعها من أجل تقديم الخدمات لمواطنيها ماديا ومعنويا. وإذا فهمنا مغزى البعد المادي للخدمات، فإن البعد المعنوي يشمل ابتكار المناسبات من أجل إشاعة الفرح والبهجة، إذ على سبيل المثل لا الحصر، في هذا الشهر، أي شهر ماي تحديدا، تتزاحم مناسبات أعياد عديدة بداية بأول ماي المعروف باليوم العالمي للعمال أو «يوم الشغل»، ثم اليوم العالمي «لحرية الصحافة»، واليوم العالمي «بدون تدخين»، فاليوم العالمي« ليتامى الإيدز»، واليوم العالمي« للأسرة»، واليوم العالمي «من أجل تنمية صحة المرأة»، وهناك أيام أخرى غريبة نوعا ما عن ثقافة مجتمعاتنا العربية لكن لها وزنها لدى شعوب العالم الغربي، كاليوم العالمي «ليتامى الإيدز» واليوم العالمي «لمرض الذئبة الحمراء» واليوم العالمي «للكائنات المهددة بالانقراض» واليوم العالمي «للسلحفاة » وغيرها من الأعياد، طبعا هذه بعض نماذج الأعياد فقط في شهر ماي لوحده، وهناك أعياد أخرى عديدة طوال أشهر السنة!. وبالنسبة للعرب والمهاجرين في الغرب، أمثالنا بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام، فإن عيدي الفطر والأضحى، هما أهم الأعياد التي ينتظرها الكبار والصغار، الأغنياء والفقراء، ويستعد الجميع لاستقبال الأقارب والجيران والأحباب، إذ غالبا ما تكون هاتان المناسبتان فرصة للتصالح بين من اختلفوا داخل العائلة الواحدة أو مع الأقارب والجيران. والعيدان الأضحى والفطر، في محصلتهما النهائية تجديد للحياة شكلا ومضمونا. ويمكن أن نضيف لهما أعياد أخرى، والتي لم تعد تخص المسيحيين، بل تعدت إلى معظم الناس بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة!!. ومن هذه المناسبات، احتفال العالم مجددا هذا الأسبوع باليوم العالمي للجيران أو «عيد الجيران»، بحيث شارك الملايين من الأوروبيين في فعاليات عيد الجيران في دورته السنوية يوم أول أمس، التي تصادف يوم 25 ماي من كل سنة. وقد انتهزت جاليتنا المسلمة الفرصة بمعادتها ممثلة في المساجد ومنظمات المجتمع المدني للمساهمة في الاحتفال ب«عيد الجيران» هذه السنة لتوعية الجيران بأهمية دورهم كأفراد في أسرة واحدة رغم الفوارق في الدين والحسب والنسب، وقد حرصت بعض الجمعيات على تذكير الجيران بأن تعزيز العلاقات البشرية عامل أساسي من عوامل الاستقرار التي تسمح بتجنب التوتر والتشنج بين أبناء الحي الواحد على اختلاف معتقداتهم وأصولهم وفصولهم.. ومن الناحية التاريخية، فإن «عيد الجيران» مناسبة جديدة نوعا ما، حديثة المولد بفرنسا في نهاية القرن الماضي فقط، أنشئت "قصد السماح للجيران بالالتقاء بطريقة ودية لكسر حواجز العزلة بين أبناء العمارة الواحدة أو الحي الواحد، ومحاولة خلق شعور الانتماء إلى الحي مع باقي ساكنيه"، كما هو مدون على لسان مؤسسيها.. وماهي إلا سنوات بعد ذلك التأسيس حتى أصبح «عيد الجيران» مناسبة دولية رسمية منذ عام 2003 يُحتفل بها في العديد من دول العالم. وتجدر الاشارة إلى أن مُطلق عيد الجيران بفرنسا أو صاحب الفكرة الأول فعل ذلك عندما علم ذات يوم بأن جارته العجوز قد توفيت في شقتها ولم يهتد أحد لذلك طوال أيام كثيرة، وهو يشعر اليوم مع أبناء جيله ومن سَوَّق وعرَّف بيوم الجيران بالفرح الكبير لأسباب كثيرة، منها أن هذا العيد صُدِّر إلى كثير من بلدان العالم الأخرى في القارات الخمس في وقت قياسي..