منها يبدأ المناخ الصحراوي الجزائري الممتد من الشمال نحو الجنوب، وفيها تحس بالهدوء والسكون، الممزوجة بحبات الرمل المرافقة لريح الجنوب، على بعد 5 كيلومترات عن بلدية بابار جنوب ولاية خنشلة 520 كلم شرقي الجزائر. هي قرية عين الجربوع، يسكنها قرابة 4 آلاف شخص، التي ينحدر منها الشاب عزوز بوطبة (26 عاماً)، المنتحر بمكة الجمعة الماضية 8 يونيو/حزيران 2018 بعد صلاة العشاء. عائلته الفقيرة لم تترك الجزائر في قرية عين الجربوع، وببلدية بابار بخنشلة تبدو مظاهر الفقر بالشوارع والأزقة، عشرات الشباب بلا فرص عمل. ويؤكد العيد بوطبة وهو ابن عم الضحية عزوز بوطبة، أن أغلب الشباب ببابار أرغمهم الفقر والظروف الصعبة إلى ترك البلاد والهجرة. جمال بوطبة والد عزوز، أحد هؤلاء الذين اختاروا فرنسا للاستقرار منذ سبعينات القرن الماضي، حيث انتقل إلى مارسيليا لسنوات قبل أن ينتقل إلى العاصمة باريس، وهناك ما زالت عائلته المؤلفة من 8 أفراد تسكن في أحد البيوت في ضواحي باريس. بعد سنوات من المعاناة، يشرح العيد ل"عربي بوست" كيف "تمكن جمال من تحسين أوضاعه المادية، واستطاع التجارة في الأثاث المنزلي، الذي توارثه أبناؤه الثلاثة، فريد، وسعد، وأصغرهم عزوز". كانت زيارات عائلة بوطبة جمال إلى مسقط رأسها بقرية عين الجربوع قليلة، بسبب الانشغالات الكبيرة بباريس، إلا أن الاتصالات لم تنقطع بين العائلة ومن يعرفونهم بالقرية، بما فيهم العيد. ويتذكر العيد آخر زيارة قادت عزوز رفقة أخيه وزوجته، وكان ذلك في 2016، ولم تدم تلك الزيارة أكثر من 15 يوماً، وأقام في بيت والده بالشارع الرئيسي لعين الجربوع باتجاه بابار. يتحدثون العربية بطلاقة رغم أن أفراد عائلة هذا الشاب المنتحر ولدوا وكبروا بفرنسا، إلا أن العائلة كانت حريصة على تعليم أبنائها الدين الإسلامي، واللغة العربية، التي كانوا يتحدثون بها بطلاقة. فجمال الذي كان يتواصل مع ابن عمه العيد، كان كلامه يعكس اهتمامه بتربية الأبناء وفق الشريعة الإسلامية، وكان قليلاً ما يُدخل المصطلحات الفرنسية. ويؤكد العيد في هذا الشأن "ظننت أن القصة متوقفة عند الوالد جمال، قبل أن أتأكد أن الأبناء، بما فيهم عزوز، حريصون كل الحرص على الدين الإسلامي واللغة العربية، وهو ما تجلَّى واضحاً خلال زيارته إلى عين الجربوع صيف 2016، كان ملازماً لصلاته، ويتكلم بطلاقة العربية مع بعض المصطلحات الأمازيغية". كما تظهر بعض صور الدردشة التي قام بها عزوز بوطبة، كلامه باللغة العربية، رغم أن الحروف كانت لاتينية. نشير إلى أن المنطقة التي ينحدر منها عزوز بوطبة، هي من عروش الأوراس، وهي من أمازيغ الجزائر، واللهجة التي يتكلمونها تدعى الشاوية، وهي قريبة إلى اللهجة القبائلية. تمنى الموت بمكة ولم يكن يعاني من اضطرابات توفيت ودفنت رحيمة والدة عزوز بوطبة عام 2007 بالبقاع المقدسة، لما كانت بصدد تأدية مناسك الحج، وتركت ابنها الأصغر عزوز (14 عاماً). ويروي العيد: "كان عزوز متأثراً جداً بوفاة والدته، وتمنَّى منذ سنوات زيارة مكةالمكرمة، والوفاة بها، والدفن بجوار والدته، فصديقه المقرب ابن مدينة خنشلة رزيق، والمقيم هو الآخر بفرنسا، كان يسمع منه هذه الأمنية كثيراً". ويتوقع العيد أن هذه الأمنية قد تكون السبب وراء إقدام عزوز على رمي نفسه والوفاة بمكة، رغم أنه يؤكد أن الضحية كان ذا شخصية قوية، ويعرف الكثير عن الإسلام، باعتباره كان أحد رواد المركز الإسلامي بباريس. وينفي المتحدث ما أوردته بعض وسائل الإعلام، بالقول بأن "عزوز بوطبة كان يعاني من اضطرابات نفسية وعصبية"، يؤكد أن "عزوز لم يكن يعاني في حياته من أي اضطراب نفسي أو عقلي، ولا حتى مشكلات عائلية". وكانت بعض وسائل الإعلام قد تحدثت عن كون المنتحر كان يعاني من اضطرابات، وحاول الانتحار صبيحة الحادثة لولا تدخل أصدقاء له كانوا برفقته في تأدية مناسك العمرة. ترك زوجته الحامل الجزائري الأصل المنتحر بمكة، متزوج وأب لولدين، أكبرهم يبلغ من العمر 4 سنوات، يملك شركة خاصة بالأثاث بباريس منذ سنوات. ولم تشأ الأقدار كما يقول العيد "أن يحضر عزوز لاستقبال مولوده الثالث، كون زوجته الجزائرية المقيمة بفرنسا هي الأخرى حامل، وتنتظر مولوداً في الأسابيع المقبلة". وكان عزوز في حياته كما يقول "مهتماً بكل ما هو جزائري، وحرص على أن تكون أسرته ذات انتماء إلى الأصل، رغم مولده ونشأته بفرنسا، فاختار زوجته الجزائرية، وأغلب العمال في شركته الخاصة من أبناء الجالية الجزائريةبفرنسا". للدجل قصة في الانتحار أيضاً جريدة الشروق الجزائرية، تحدَّثت عن علاقة الانتحار بتأثر عزوز الكبير بوفاة والدته خلال حج 2007، لكنها ذهبت لأبعد من ذلك، لما أقحمت قصة الدجل في الحادثة. وكما كشف عليه ميلود للصحيفة، باعتباره جار عزوز بفرنسا، وينحدر من ولاية سكيكدة 500 كلم شرقي الجزائر، فإن عزوز سبق وأفصح عن نيته بزيارة البقاع المقدسة، غير أنه لم يتمكن من الحصول على جواز سفر للحج، الأمر الذي جعله يفكر في عمرة مع الشهر الفضيل. وتستند الجريدة إلى مصادر تحدثت أيضاً عن سبب آخر دفع عزوز إلى رمي نفسه بمكةالمكرمة، وهو "العلاقة التي تربط عزوز بدجّال من جنسية عربية، عمل على إقناعه حسب زعمه بالإعجاز العلمي العددي". بحيث أنه، بحسب الصحيفة دائماً، فإن الدجال "زعم أن المولودين في 8 يونيو/حزيران، والموجودين بالحرم المكي، مع العشرة الأواخر من الشهر الفضيل، بإمكانهم القفز من أعلى الحرم، حيث سيظلون يطيرون فوق الكعبة، وهم من المبشرين بالجنة، وهو ما قام به عزوز وفقاً لتوجيهات الدجال". وقد انتشرت بعد الحادثة وثيقة تفصيلة "معلومات المعتمر الشخصية" انتشرت عنه وحصل "عربي بوست" على نسخة منها، تظهر بياناته الشخصية التي قد تكون بداية الطريق لاكتشاف السبب، فالملفت فيها تاريخ ميلاد هذا الشاب الذي يصادف 8 يونيو/حزيران، وهو اليوم نفسه الذي سقط فيه ميتاً وسط حشد من المعتمرين وتحديداً بعد صلاة العشاء. وخلال البحث عن اسمه في الشبكات الاجتماعية، وجدنا حساباً بدون صورة يشير إلى أن هذا الشخص متزوج منذ 8 سنوات. وكان قد وصل عزوز إلى المملكة في الثامن عشر من شهر رمضان الجاري، وكان من المقرر له أن يعود بعد خمسة أيام من وصوله، وكانت المدينةالمنورة محطة أولى وصلها عن طريق مطار الأمير محمد، وأقام في المدينة لمدة يوم واحد فقط، وانتقل إلى مكة بعد ذلك لإكمال مناسك العمرة، وهناك كان يقطن في أحد الفنادق بحي العزيزية بمكةالمكرمة.وبحسب الإعلام السعودي فإن جثة الرجل لا تزال موجودة في ثلاجة الموتى بمستشفى الملك فيصل بمكة، لحين الانتهاء من التحقيقات. من جانبها، نشرت صحيفة "عاجل" مقطع فيديو جديداً للحادثة، أظهر لحظة نقل المنتحر إلى المستشفى. وقد أعلنت السلطات السعودية عن انتحار الرجل في الحرم المكي، وذلك بعد الانتهاء من صلاة العشاء. وكانت إمارة مكة قالت في البداية على حسابها في موقع "تويتر"، إن "الجهات الأمنية" تباشر حالة انتحار لمجهول من جنسية آسيوية قفز من الدور العلوي لصحن المطاف"، مشيرةً أنه ألقى بنفسه من سطح المسجد، وسقط دون أن يصاب أحد بضرر. وأضاف حساب الإمارة أنه "تم على الفور تطويق الموقع ومباشرة الحالة من قبل الهلال الأحمر لمحاولة إسعاف الشخص ونقله إلى الطوارئ إلا أنه توفي هناك". والتقطت عدسات كاميرا معتمرين داخل الحرم المكي لحظة انتحار الرجل، وأظهر مقطع فيديو وقوف الرجل قرب السياج وإلقاء نفسه ليسقط وسط جموع من المعتمرين في صحن الطواف. وأظهر مقطع فيديو آخر، ردود أفعال بعض الموجودين داخل صحن الطواف وهم يشاهدون الرجل يسقط من الأعلى، فيما بدت الصدمة واضحة على بعضهم والتقطت عدسات كاميرا معتمرين داخل الحرم المكي لحظة انتحار الرجل، وأظهر مقطع فيديو وقوف الرجل قرب السياج وإلقاء نفسه ليسقط وسط جموع من المعتمرين في صحن الطواف. وأظهر مقطع فيديو آخر، ردود أفعال بعض الموجودين داخل صحن الطواف وهم يشاهدون الرجل يسقط من الأعلى، فيما بدت الصدمة واضحة على بعضهم. من جانبها، قالت صحيفة "سبق" إن الوافد عمره 35 عاماً، ونقلت عن مصادر قوله إن المنتحر سقط على رأسه ما تسبب بإصابات خطيرة، لافتةً أن محاولات إنقاذه باءت بالفشل، وأضافت الصحيفة أن الجهات الأمنية بشرطة الحرم باشرت التحقيق في الواقعة. المصدر / عربي بوست