حين نصف كلمة الأدب في خانات الفنون فهذا يعني أنه من أسمى الأعمال الإبداعية في وصف الأخلاق الإنسانية في الحكايات اليومية للأديب المبدع سواء أكان شاعرا أو قاصا أو روائيا، لذلك لا بد من تصنيفه من أنبل الأعمال الفكرية التي تؤرخ حقبة معينة من الزمن وتبقى راسخة في أذهان القراء وخالدة عبر التاريخ تروى لأجيال وأجيال، وصف الجنس في الأعمال الإبداعية تيمة أساسية منذ بدء التاريخ سواءً عند الإغريق أو العرب، لكنه تراجع بعد ظهور الديانات السماوية لحرمة وقداسة الدين عند الإنسان، كما تنوّعَت التأويلات وتحسين النسل مما جعل الزواج هو الأمثل من أجل إنشاء عائلة سليمة من كل الفوارق الخارجة عن قانون البشرية، وأصبح وصف الجنس عند الروائيين الإيحاء إلى جماليات الحب أكثر منه ممارسة حيوانية، رغم أن قصص ألف ليلة وليلة الأصلية التي ربما تعود إلى أصلها من الهند، لا تخلو حكايتها من الوصف للجنس، غير أن العرب عدلوا فيها حتى تبقى قصة تتداول عبر الأجيال من أجل احترام القارئ الرواية العربية على حداثتها لم تكن بمنأى عن التعبير عن الجنس خاصة الكلاسيكية عالجت الجنس بالتركيز على التيمات المألوفة المرتبطة بالزواج، الخيانة، الفحولة، من أشهر كتاب الرواية الذين عالجوا الحب المثالي أكثر من الغوص في لقطات جنسية مخلة بالأخلاق العربية المحافظة، نجد هذا جليا عند الروائي نجيب محفوظ وأبو القصة العربية يوسف ادريس، وإحسان عبد القدوس وغيرهم، إلا أننا وجدنا أن تلك الإيحاءات التي ترمز إلى الحب أو الجنس بطريقة غير مباشرة أنها تجاوزت بعض الشيء أحد المحرمات في المجتمع العربي المحافظ. بعد هذه النهضة الأدبية أتت فترة الحداثة التي تجاوز فيها الروائي وصف الجنس بجرأة كبيرة جدا انتهكت حرمة الموروث الحكائي العربي في مقاربة الجنس وتجاوزت التلميح إلى التصريح. حيث نجد هذه الجرأة عند الروائي المغربي محمد شكري في (الخبز الحافي} والروائي الجزائري رشيد بوجدرة في أكثر من رواية، قد كان الأقرب إلى تيار الرواية الجديدة، كما ظهر في فرنسا مع كلود سيمون، وصاحب جرأة في تناول المستور، والاعتراف بتفاصيل الحياة الحميمة لأبطاله، مثلما هو الحال في روايته الثانية {الرعن}، ثم في رواية {المرث} التي مُنِعت من النشر في مصر سنة 2012. أريد هنا أن أتناول بعض الروائيين الجزائريين بغض النظر عن روائيين عرب في الأدب المعاصر تجرؤوا على وصف الجنس بكل مواصفاته الجريئة، حيث تجاوزت الروائية الكويتية فوزية شويش المعهود لرمي الأبطال نحو الحدود القصوى للممارسة الجنسية، رغم المجتمع المحافظ الذي تعيش فيه. أردت التطرق إلى الرواية الحديثة في الجزائر وبعض الروائيين الذين اخترقوا حدود وصف الجنس في الرواية ومنهم من يحكي حتى تجربته الشخصية في علاقته مع الجنس الآخر أو الحبيب بوصف الجنس بكل تفاصيله واختراق الحدود في وصف الحب الحالم كما قرأناه في الرواية الكلاسيكية، حيث تجاوزت حدود المعقول. من أكثر الروائيين الذين كسروا طابوهات الجنس هو الروائي أمين الزاوي في رواية “شارع إبليس” أخذتها كنموذج، تروي هذه الرواية حكاية قائد ثوري يتزوج والدة إسحاق {بطل الرواية} بعد أن دبّر كميناً لزوجها أثناء الثورة الجزائرية. فيكبر إسحاق ويكبر في داخله الشعور بالانتقام تجاه هذا الرجل الذي حرمه والده، ويجد الفرصة المناسبة للانتقام من خلال زوجته الثانية زبيدة، الشابة الجميلة فيغريها وتستجيب له، ويعيشان علاقة ملتهبة. بعد ذلك تخبره زبيدة أنها حامل منه، فيقرر الفرار إلى دمشق حيث سيقيم في فندق تقيم فيه فتيات الهوى المغربيات، ليعيش فصولاً أخرى من المتع الجسدية، تنتقل معه إلى بيروت التي يغادر إليها ليعمل مع شاب جزائري في “مؤسسة الرحمة والإيمان لحفظ الجثث”. فيمارس الجنس مع عشيقاته وظهره مسنود إلى برّاد حفظ الموتى، وفجأة تبدأ الأسرار بالانكشاف، وتتهاوى أمامه شخصية صديقه المتستر وراء بطولاته في حرب التحرير الجزائرية. وهناك روايات أخرى وُصِف فيها الجنس، وتجاوز كل حدود العفة والسرية لهذه العلاقة التي تعتبر حميمة أكثر عندما تمارس وليس عندما يشهر بها الروائي، في غياب الرقابة الأخلاقية لمنع مثل هذه الكتب من الصدور، كما حدث للكاتب الأمريكي الشهير “هنري ميلر” Henry Miller وروايته “مدار السرطان”، واحدة من أشهر الروايات التي تم حظرها عالميًا، حيث وصفت بأنها “سيئة السمعة لمحتواها الجنسي الصريح”، حتى تم رفع الحظر عنها في النهاية عام 1961، والآن تصنف كرواية رومانسية كلاسيكية.؟ يبقى السؤال مطروحا، هل الأديب الذي يصف الجنس بكل تفاصيله، وتقديم روايات مغايرة لطبيعة مجتمع مُنغلق، محافظ على قيمه من الذوبان في ثقافة الآخر، يعتبر روائيا ناجحا ؟