في الأيّام القليلة الماضيّة،التُقِطَتْ صورةٌ على هامش إحدى اجتماعات المعارضة، ظهر فيها الأستاذ مصطفى بوشاشي يُصَلِّي خلف الشيخ عبد الله جاب الله، رفقة بقيّة الأشخاص الذين كانوا حاضرين في الاجتماع، فأحدثَتْ هذه الصّورةُ نقاشاً كبيراً في مواقع التّواصل الاجتماعي، وكأنّ الأمرَ يتعلّق بسلوك غير مألوف، ما يجعلنا نتساءل عن سبب إثارة هذا المشهد كل هذا الاهتمام، الأكيد أنّ الأمر لا يتعلّق بالصّلاة وحدها، فكلاهما مسلم، وصلاة كليهما على حِدَةٍ أمرٌ طبيعيٌّ لا يثير الاهتمام، فلو ظهر الأستاذ مصطفي بوشاشي، مثلا، يُصلّي لوحده، فلا شكَّ أنّه لا يثير أيّ اهتمام، وكذلك لو ظهر الأستاذ عبد الله جاب الله يصلّي لوحده، فإنّه لا يثير أيّ اهتمام بلا شكّ.. ولكن يبدو أنّ الذي أثار اهتمامَ المتابعين هو صلاة الأستاذ بوشاشي خلف الأستاذ عبد الله جاب الله.. وكأنّ الأمْرَ يتعلّق بِنَقِيضَيْنِ، أو خطّين مُتَوازيَيْنِ لا يَجِبُ أن يلتقِيَا أبداً، حتّى ولو كان ذلك في الصلاة!.. إلى جانب الصورة السّابقة، تداولتْ مواقعُ التّواصل الاجتماعي صُوَراً لِمُلْتَحين في الحراك، مرفقةً بتعاليق تُخَوٍّفُ من عودة الإسلاميين إلى السّاحة، وقد وصل الحدُّ ببعضهم أن كتبوا عن سيناريوهات يتصوّرون فيها مَخْرَجَيْن، لا ثالثَ لهما، غير أنّ هذين المَخْرَجَيْن بالنّسبة إليهم أحلاهما مُرُّ، ففي رأيهم أنّ إنجاح الحراك، والذّهاب إلى انتخابات نزيهة، سيُفضي لا محالةَ إلى عودة الإسلاميين، كما أنّ فشل الحَراك الشّعبي والعودة بالوضع إلى ما كان عليه، سيعيدُنا إلى المربّع الأول، ويعيدنا إلى حكم “القوى غير الدّستوريّة”.. وقد اختلطتْ الأمورُ على بعضهم، فصَعُبَ عليهم الاختيار بين الاسلاميين أو “القوى غير الدّستوريّة”.. ولذلك ترك بعضُ المُتوجِّسينَ الأمْرَ مفتوحاً، حتّى أنّه يكاد يوحي بالتعاطف مع اللاديمقراطيّة والفساد خوفاً من عودة الإسلاميين!.. وفي المقابل تَتَدَاوَلُ أوساطٌ كثيرةٌ، صوراً ومقالاتٍ كثيرةً، تُحَذِّرُ من شخصيّات عديدة، وتُذَكِّرُ بماضيها العلماني، مِمّا يجعلها في نظرهم خطرا كبيراً على هُويّة الأمّة وثَوَابِتِهَا!.. والحقِيقَةُ، أنّ تَخْوِيفَ العلمانيين والدِّيمقراطيين بالإسلاميين، والعكس، ومِثلهُ إثارةُ النَّعَرات العرقيّة والجهويّة، إنْ هُوَ إلّا فَزَّاعَةٌ تَسْتَعمِلُها “القوى غير الدّستوريّة”من أجل عرقلة الانتقال إلى حكم ديمقراطي حقيقي، فالشَّعب الجزائريّ اليوم أصبح على درجةٍ من الوَعْي، تَجْعَلُهُ ينتخبُ مَنْ يُوَفِّرُ له التّنميَّةَ والكَرَامَةَ، ويَنْتَخِبُ من يوفِّرُ له الشُّغْلَ، ويَكُفُّ أبناءَهُ عن الحرڤة، يَنْتخِبُ على برامجَ واقعيّةٍ، ولا ينتخبُ أَبَداً من أجلِ لِحْيَةٍ أو قميصٍ، ولا شعاراتٍ يرفعها علمانيٌّ أو إسلاميٌّ مهما كان.. فهل يأتي يَوْمٌ يرفع فيه العلمانيّون والإسلاميّون وبقيّةُ الفصائل، شِعارَ “خاوة خاوة” ويُدْرِكُون أنّ غيابَ الديمقراطيّة والفساد، هو العدوّ الحقيقي للجميع.. أخشى أن يأتِيَ يومٌ يُرَدِّدُون فيه جميعاً بندمٍ شديد، قَوْلَ الشّاعر: وَعُدْتُ مِنَ المَعارِكِ لَسْتُ أَدْري… عَلَامَ أَضَعْتُ عُمْرِي في النِّزَالِ؟