نحن الجزائريون مدعوون للارتقاء عن المناسباتية لا يبدو التعب ظاهرا على وهيبة بوزيدي حمروش رغم أنها في فترة ''العدة'' إثر وفاة زوجها الذي رحل عنها منذ 40 يوما، عندما استقبلتنا في بيتها المتواضع .. ''الهمة قوية'' تقول ردا على نظراتنا المشككة في قدرتها على الحديث معنا. كانت مناسبة ال 19 مارس الدافع الرئيسي وراء زيارتنا لهذه المجاهدة، حيث لم يكن هذا اليوم يوما ككل الأيام في حياة وهيبة بوزيدي، وإنما كان يوما تاريخيا مشهودا وعلامة بارزة في تاريخ نضالها، امرأة من نوع آخر استبدلت عطرها بعبق تراب الأرض .. وخضبت كفيها بدم الشهداء.. حملت السلاح على سواعدها بدلا من الزينة والمصاغ، امرأة آمنت بأن كرامة الإنسان كروحه لا تسلب إلا بإذن خالقها، فتجنّدت لتكون مقاتلة إلى جانب زوجها المجاهد. من هنا بدأت رحلة خالتي وهيبة في أحضان هذا الوطن، حيث تحدثنا في هذا الحوار عن جهادها ورؤيتها لجزائر الماضي واليوم والمستقبل. لنقف عند أهم محطة في حياة وهيبة بوزيدي المجاهدة، ماذا تروي لنا بهذه المناسبة؟ عشت في جزائر الاستعمار وجزائر الاستقلال، والحمد لله عرفت خلال الثورة المسلحة كل أنواع العذاب والتنكيل، رغم هذا لم أفشل ولم أيأس، لأني كبقية الجزائريين كنت أومن بأن الاستقلال آت لا محالة، المرأة لم تشعر آنذاك بأنوثتها، كانت تقوم بما يقوم به الرجل تماما، حملت السلاح ودخلت السجون وشهدت كل أنواع العذاب كبقية المجاهدين والشهداء، وشاركت في المظاهرات والتجمعات والاعتصامات الاحتجاجية .. ولكن أقول الحمد لله لأن الجزائر اليوم تنعم بالحرية والاستقلال. حقي الوحيد في هذه الحياة هو أن تبقى الجزائر حرة، هذا ما كنا نطمح له منذ الوجود الاستعماري في بلادنا، أن تتحرر الجزائر وتصبح مستقلة والحمد لله الذي استجاب للدعاء. أما بخصوص الحقوق الاجتماعية فيمكنني القول إن هناك بعض الحقوق فعلا تحققت، وتتمثل في حصولنا على منحة المجاهدين لكن نبقى ننتظر المزيد. ما المزيد المطلوب ؟ ؟هي كثيرة لا سيما عندما كان زوجي المرحوم المتوفى منذ 40 يوما وهو مجاهد أيضا حيث عانينا كلانا طوال فترة مرضه .. قضى 25 سنة مُقعدا على كرسي متحرك وكنت أجد صعوبة كبيرة في نقله للمستشفى خاصة أن مصعد العمارة التي نقطن بها معطل، حيث كنت اضطر في كل مرة إلى طلب المساعدة من جيراني قصد حمله على الدرج، ناهيك عن المعاملة السيئة التي نعامل بها في بعض المستشفيات في الحقيقة أمر مؤسف جدا .. بغض النظر عن كوننا مجاهدين أعتقد أنه من باب الإنسانية ومن باب الأخوة ونحن نعيش على أرض واحدة حرة مستقلة نستحق معاملة طيبة .... لهذا نحن نعيش كبقية الجزائريين... على كل حال كنا نرغب في أن تلتفت الدولة إلينا وتنظر إلى طلباتنا من باب تسهيل حياة فئة قدمت الغالي والنفيس من أجل استقلال الجزائر. تعود علينا ذكرى 19 مارس 1962 لتحيي فينا نشوة النصر، الذي تحقق للشعب الجزائري قبل 47 عاما، ماذا تقول لنا خالتي وهيبة بهذه المناسبة؟ ؟مناسبات عدة مازالت الجزائر تحتفل بها على غرار احتفالات الفاتح نوفمبر والخامس جويلية، وكذا 19 مارس الذي يمثل قمة الاحتفالات الوطنية كونه عيدا للنصر، نحن جاهدنا في سبيل حرية واستقلال هذا الوطن الذي عانى من ويلات الاستعمار الفرنسي، هناك من توفى وهناك من لا يزال على قيد الحياة ، ونتمنى لهم طول العمر، لكن ما نتمناه من أولادنا وأحفادنا اليوم هو أن يحافظوا على مثل هذه الاحتفالات الوطنية المخلدة للثورة. تم مؤخرا التوقيع على اتفاقية تعاون بين مديرية الأرشيف الفرنسية والوطنية، من شأنه ترقية المبادرات المتبادلة في مجال الأرشيف الذي يخص التاريخ المشترك، كيف تنظرين إلى الأمر؟. ؟في الحقيقة استغل سؤالك للقول إن ما يعاب علينا نحن الجزائريون هو ربطنا لمطلب الجزائر الخاص بتسليم الأرشيف بالمناسبات، علينا ألا نحصرها. فعلا نحن نلح ونصر على مطالبة فرنسا بتسليمنا الأرشيف كاملا خصوصا خرائط التجارب النووية التي كانت صحراء الجزائر مسرحا لها في ستينيات القرن الماضي، لكني استغرب تماطل فرنسا في تسليم كافة أرشيف الثورة، واكتفاءها ببضع وثائق لا تسمن ولا تغني من جوع على غرار خرائط الألغام التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء في الماضي، وأعتقد أنّ تغييب هذا الأرشيف وما يمثله من مرجعية أساسية للكتاب والمؤرخين، أسهم في ترويج معلومات مغلوطة عن التاريخ الجزائري الحديث، وحالة من التشويه المقصود للثورة التحريرية ومحاولة تجميل الصورة البشعة للمحتل الفرنسي، علينا أن لا نغطي الشمس بالغربال وأن لا نغطي جرائم فرنسا في الجزائر وأن نستمر في المطالبة بأرشيفنا في كل وقت، فإذا غطينا الحقائق يعني أننا نساهم في تزوير وتشويه التاريخ، والتاريخ ليس ملكا لشخص معين وإنما ملك كل الجزائريين وكل الأجيال. وعلينا أن نتأكد من أن فرنسا ليست صديقتنا. برأيك هل تنعم الجزائر اليوم بكامل حريتها؟ نقول الحمد لله تبقى الجزائر حرة بشعبها ورئيسها الذي قدم الكثير من أجل هذا الوطن.