عندما شاهدتُ الفيديو الخاص بتلاميذ يدرسون في متوسطة، يعتدون على مشرفة تربوية، بشكل دنيء ومؤسف جدّا، وشاهدْتُ في الفيديو أيضا أشخاصا كباراً، يتقنون تصوير المشاهد المُخلّة بالأخلاق، ويتقنون نشرَها من أجل التّسليّة السّوداء، ولكنّهم لا يتقنون نُصرةَ امرأةٍ حاملٍ يُعتدى عليها بوحشيّة في شهر الصيّام، ولا يتقنون إغاثة المظلوم، ولا يعرفون النّهي عن المنكر، ولا شيء عندهم اسمه المروءة ومكارم الأخلاق، ولا حُرمةَ عندهم للمرأة والضّعيف!.. فضلاً على أن يعرفوا القيمةَ الرّمزيّة التي تُمثِّلها المُشرفةُ التّربويّة، ومن ثمّةَ القيمة الرّمزيّة للمدرسة!.. ولا يُدركون أنّ الذي يعتدي على مُربِّيةٍ أو مُعلِّمة أشنع من الذي يعتدي على والدته.. أيْقَنْتُ أنّ شعار “نَتْرَبَّاوْ قاع” مازال بعيد المنال.. وعندما شاهدتُ صُوَراً أخرى لِمَدارِس حطَّم أثاثَها ومزّقَ سِجِلّاتها التّلاميذ، في حالة من الخراب كأنّها شهدتْ زلزالاً أو قصفاً جويّاً رهيباً..تذكّرتُ عندما كنتُ صغيرا،وقد سألَنا مُعلِّمُنا على المهنة التي نفضِّل أن نمتهنها في المستقبل، فكان اختيار الأغلبيّة منّا أن يكون “مُعَلِّماً”!.. كان ذلك من أجل القيمة الرمزيّة الكبيرة التي يمثّلها المُعَلِّم-ومن ورائه المدرسة- بالنّسبة إلينا، وبالنسبة إلى أوليائنا على حدٍّ سواء.. وعندما حاولْتُ أنْ أجيب على السّؤال: ما الذي تغيَّر اليوم حتّى تُهانَ مُشرفةٌ تربويّةٌ بهذه النّذالة، من قِبَلِ التّلاميذ، أمام النّاس، ولا أحد يُحرِّك ساكناً؟ تذكّرتُ قصّةً سوداءَ رواها أحدُ الوزراء السّابقين في حصّة نقاش شاهدتُها في الأيّام الماضيّة، بإحدى القنوات الوطنيّة، حيث قال: في أحد اجتماعات الحكومة التي عُرِضَتْ فيها نتائج البكالوريا، عَرَضَ وزيرُ التربية نتائج البكالوريا في الثّانويّات عبر التّراب الوطني فكانت نسبة النّجاح48 % ، بينما عرض وزير العدل نتائج البكالوريا في السجون فكانت نسبة النّجاح97%!.. أردف الوزيرُ مُعَلِّقاً على هذه الحصيلة العلميّة الغريبة: فَصِرَنا بعدَها نتبادل النكتة التّالية: “إما أن نأخُذَ جميعَ التّلاميذ إلى السجون لكي يتحسّن مستواهم، أو نأخذ وزير التربيّة إلى السجن!..” في مقابل هذه النّكتة السّوداء، التي تُحيل على تَدَهْورٍ رهيبٍ للقيمة الرّمزيّة للمدرسة حتّى عند المسؤولين، تذكّرتُ دراسةً قرأتُها منذ سنوات مفادها أنّ الأمريكيّين يستشرفون عدد السّجون التي سيَبْنُونَها بإحصاء عدد الأطفال الأمريكيين الذين لا يقرأون! وهم يرفعون دائماً شعاراً مفاده أنّ بناء مدرسة هو غلق بناء سجن!..وعند ذلك وجدْتُ تبرير دراسةٍ أخرى قرأتُها،استقاها صاحبُها من المحاكم الجزائريّة، مُلخّصها أن كثيرا من مرتكبي الجرائم الخطيرة، تتراوح أعمارهم بين:18و19 و20 سنة، كما أنّ هناك أعداداً غير طبيعيّة من الأشخاص القصر الذين يرتكبون الجرائم!.. عندها قلت: ماذا يمكننا أن ننتظر في الواقع، إذا عرفنا أن بعض التّقارير تشير إلى أن ربع مليون تلميذ يغادرون المدارس من الطور الابتدائي؟!..إذا استمرّ هذا الاستهتار بالقيمة الرّمزيّة للمدرسة، نخشى أن يصبح عددُ مؤسّسات إعادة التّربيّة في بلادنا موازياً لعدد المدارس!..