تتجه سوناطراك نحو تخليها عن إنشاء محطات تكرير جديدة تم التخطيط لإنجازها سابقا، ألا ترى بأن هذا الإجراء سيوقع الجزائر مستقبلا في أزمة وقود ؟. وفي السياق، قال الخبير الطاقوي مهماه بوزيان في تحصريحه ل ” الحوار” أن المؤسسة الوطنية سوناطراك كانت قد أعدت مخططا طموحا تطويريا لصناعات التكرير يتضمن إنشاء محطات تكرير جديدة على غرار حاسي مسعود وبسكرة وتيارت والنعامة بطاقة 5 مليون طن لكل واحدة منها، وهذا بناء على معطيات كانت في حينها تشير إلى تضاعف إستهلاك سوقنا الوطنية من الوقود كل 15 سنة، بمعنى أننا سنجد أنفسنا في آفاق 2030 بحاجة إلى قدرات إنتاج من الوقود تتجاوز 32 مليون طن، وهذا كنتيجة طبيعية للنسبة العالية للنمو الذي ميزه إنفجار الحظيرة الوطنية للسيارات، حيث وصلنا إلى استيراد 500 ألف سيارة في السنة، بما غذى التمدد في استهلاك الوقود الرخيص الثمن إلى حد التبذير والتهريب على طول حدودنا، إضافة إلى التوسع في البنى التحتية وما كانت تستهلكه من وقود بشراهة في ورشاتها وخطوط النقل إليها.
من الحكمة وقف التوسع في قدرات التكرير وواصل يقول مهماه نحن اليوم أمام وضع مغاير بشكل دراماتيكي، فأمام توقف استيراد السيارات بشكل نهائي إلى حد الساعة، وضُعف إنتاج السلاسل الميكانيكية الوطنية، وأيضا حالة التراجع في المشاريع الكبرى إلى حدود دنيا، بسبب الصعوبات المالية التي تشتد وطئتها من سنة إلى أخرى دون بروز لأية مؤشرات جادة دالة على تحسن الوضعية، إضافة كذلك إلى الجهود الكبيرة والمعتبرة التي يبذلها الجيش الوطني الشعبي على مستوى الحدود، هذه الجهود التي ساهمت بشكل أساسي في الحد من ظاهرة تهريب الوقود، وحين نستحضر الخطوات الذكية والناجحة التي باشرتها سوناطراك من بينها إقتناء مصفاة أوغيستا الإيطالية بطاقة إنتاج قدرها 10 مليون ظن، هذه المصفاة التي آلت ملكيتها نهائيا للجزائر في نهاية سنة 2018، مع الرفع من قدرات إنتاج محطة التكرير لسيدي رزين إلى 3.5 مليون طن، بما جعل قدرات الجزائر من التكرير تتجاوز بقليل سقف 30 مليون طن في الوقت الحالي، إذا اعتبرنا بأن قدرات مركب التكرير لسكيكدة تتراوح بين 16 إلى 18 مليون طنا. لذلك في إعتقادي أنه من الحكمة وقف التوسع في قدرات التكرير . فلسنا بحاجة إلى دخول محطات جديدة للتكرير في الوقت الحالي، حتى في المدى المنظور، لعدة أسباب منها المعلوم أن المهمة الأساسية للمؤسسة الوطنية سوناطراك هو استيفاء حاجات السوق الوطنية من مختلف الموارد الطاقوية السائلة والغازية، وهذا الهدف قد تحقق اليوم، لذلك تكمن المهمة الجوهرية هو في الحفاظ على “اكتفائنا الذاتي من الوقود” وتعزيزه وتأمينه من خلال الحفاظ على قدرات إنتاج إضافية قيد الخدمة أعلى مستوى حاجاتنا الإستهلاكية بشكل محترم، توخيا للحذر وإستعدادا لأي طارئ، وهذا من مقومات “الأمن الطاقوي”، وفي ظل عدم تجسيد مسعى مضاعفة قدراتنا في الإنتاج والإسترجاع للخام النفطي، لذا أجد أنه ليس من الحكمة كذلك الرفع من قدراتنا في التكرير إلى مستوى إنتاج 40 مليون طن من الوقود سنويا، وهذا سيكلفنا حتما استهلاك ثلاثة أرباع (3\4) قدراتنا الإنتاجية الحالية من الخام، بما سيتسبب حتما في تآكل قدراتنا في التصدير مستقبلا، لأن توجيه 75 في المائة من إنتاج من الخام النفطي دون الرفع، في نفس الوقت، من قدراتنا في الإنتاج على الأقل بنفس الحجوم والوتيرة سيؤدي إلى تضيعينا لأسواقنا التقليدية التي لا يمكن استرجاعها بسهولة في وقت لاحقا. لذلك فبدلا من استهداف تصدير الوقود مستقبلا، يتعين علينا المحافظة بداية على هامش كافي من إنتاج الوقود بما يضمن حاجات السوق الوطنية الداخلية على المديين القريب والمتوسط، وتصدير الحجوم المحدودة الفائضة إلى أسواق محدودة ومضمونة في ظل تنامي قدرات التكرير بالعديد من الدول الإفريقية. نصيرة سيد علي