لَفَتَ انتباهي كثيرا موقفُ اللاعب بونجاح وهو يبكي بِحُرْقَةٍ على ركلة الجزاء التي ضيّعَها في المقابلة التي جَمَعَتْ الفريق الوطني بفريق الكوت ديفوار يوم الخميس الماضي، فقلتُ لو أنّ كلَّ النُّخَبِ الوطنيّة تبكي بِحُرْقَةٍ وصدق على ما فَرَّطَتْ في جَنْبِ الوطن، وعلى ما قصَّرتْ في حقِّه، وكان لها نفس الإحساس بالذنب جرّاء التّقصير في خدمته، لكنّا اليوم في أحسن الأحوال.. الحقيقة أنّه لا يسعنا إلّا أن نحترم الشّجاعة والمروءةَ التي يمتلكها اللاعب بونجاح عندما ظهر في وسائل الاعلام،يعتذر للشعب الجزائري بصدق، عن ركلة جزاءٍ ضَيَّعَها، مُعبِّراً على أنّ أكثر ما كان يخشاه هو ان يتسبَّبَ في تفويت الفرحة على الجزائريين ويتسبّب في إقصاء الفريق الوطني جرّاء تضييع ركلة جزاء!..والحقيقةُ أيضاً أنَّ الشّجاعةَ التي يمتلكها بونجاح، لا تمتلكها كثيرٌ من النّخب الوطنيّة في مجالات مختلفة، فهلّا رأينا كثيراً من السيّاسيين يعتذرون للشّعب الجزائري على ما ألحقوه بالبلاد من دمار اقتصاديّ واجتماعيّ ونفسيّ وثقافيّ؟!.. هلّا رأينا حزباً من الأحزاب يعتذر على سوء التّقدير وتضليل المواطنين؟!.. هلّا رأينا واحداً من المسؤولين يعتذر للشّعب الجزائري على الواقع المرّ الذي أوصلوه إليه، تحت شعارات كثيرة معسولة وكاذبة؟!.. هلّا رأينا واحداً من النّخب الثقافية المرموقة يعتذِر للأمّة على التصحير الذي ألحقوه بالعقل وبالإنسان الجزائري، مقابل الانتفاعيّة التي كان يحقٍّقُها لهم تغيير المواقع؟!.. هلّا رأينا واحداً من النّخب العلميّة المتصدِّرة للمشهد يعتذر على المستوى المتدنّي للمنظومة التّعليميّة والبحث العلمي؟!.. هلّا رأينا النّخب الدينيّة تعتذر على مستوى توفّر القدوة وفاعليّة الخطاب الدّيني في المجتمع؟!.. هلّا رأينا واحداً من الصحفيين الكبار يعتذر على التقصير في الالتزام بالصدق وخدمة الحقيقة، وتنوير الرأي العام؟!.. هلّا رأينا جزائريّا مَهْمَا كان مَوْقِعُهُ يعتذر للشّعب على تقصيره في عمله؟!..هلّا؟!.. هلّا؟!.. لقد بكى اللاعب بونجاح واعتذر من أجل رَكْلَةٍ أَضَاعَهَا، وهو خَطَأٌ غير مقصود، وأضراره لا تتعدّى الاقصاء من فعاليات رياضيّة، وقد ارتكبَ مِثْلَ هذا الخطأ من قَبْلِه كبارُ اللاعبين العالميين أمثال: ميسي، ورونالدو، وبيلي، ومارادونا وغيرهم.. غير أنّ كثيراً من النّخب على اختلاف مواقعها، أخطأتْفي حقِّ الوطن بشكلٍ أو بآخر، وتسبَّبَتْ في تعطيل تَنْمِيَتِهِ، وهي اليوم تتلوَّنُ وتُبرِّرُ، وتتنكّرُ لمسؤولياتها، وتبحث على التّموقع من جديد.. ليتها تمتلك جزءاً من الشّجاعة التي يمتلكها بونجاح فتبكي وتُعيدُ حساباتِها، وتَعْتَذِرُ على ما أَلْحَقَتْهُ بالوطن.. أخشى أن يكون بُكَاءُ البعض مُتَأَخِّراً، فيصدق عليهم ما قَالَتْهُ عائشةُ أُمُّ أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة، حين بكى “مُتَأَخِّراً” وهو يرى وَطَنَهُ يضيع منه، فقالتْ له أمُّه: أبك بُكَاءَ النِّساء على مُلْكٍ لم تحفظْه حِفْظَ الرّجال!..