ملف/سامية حميش/نصيرة سيدعلي إنه مشروع القرن، وثالث مسجد في العالم بعد الحرمين المكي والنبوي،"أزهر الجزائر"، الذي انتظره ملايين الجزائريين، وطمح إليه كل العلماء على مر السنين، ليكون منارة الفكر والدين، وينشر الاشعاع الثقافي والحضاري إلى أبعد نقطة في العالم، وليس في الجزائر وحدها. الجامع الأعظم ليس كباقي المساجد، فهو منشأة دينية، ثقافية، اقتصادية وسياحية، سيكون مركز العاصمة والبلاد الذي يستقطب 100 ألف زائر في اليوم الواحد. موقعه متميز، يمتد على طول خليج الواجهة البحرية للعاصمة، وتنتصب معه بشموخ أعلى مئذنة في العالم.، إلا أن أهميته لا تكمن فقط في كونه فضاء استثنائيا للعبادات، بقدر كونه جامعة ومركزا علميا كبيرا، يضم مكتبة تتسع لألفي شخص، وتحوي قرابة المليون كتاب في مختلف العلوم، مرفقة بالمكتبة الرقمية الحديثة، ومتحفا للفن والتاريخ الإسلامي، وقاعات للمؤتمرات ومراكز ثقافية وإعلامية، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم وعلومه. إنه جامع الجزائر أو المسجد الأعظم الذي أثار جدلاً حاداً داخل الجزائر وخارجها، لأنه ليس مجرد مسجد، وإنما معلم عملاق يخفي وراءه قصة طويلة، نستعرض تفاصيلها في هذا الملف.
المسجد الأعظم كان فكرة امتدت لأكثر من عقدين من الزمن، وحلما راود الساسة والنخبة الثقافية والدينية ببلادنا، ولعل من بين الأسباب التي عجلت في تجسيده هو حاجتنا الماسة إلى مرجعية دينية، فقد ظلت الجزائر بحجمها وعظمة شعبها، البلد العربي الوحيد تقريبا في شمال إفريقيا من دون مرجعية دينية حقيقية، فالتونسيون مرتبطون بجامع الزيتونة، والمغاربة بالقرويين، والمصريين بالأزهر الشريف، وبالتالي فإن انبعاث مشروع كالمسجد الأعظم، يعني ثورة في المجال الديني والعلمي، شريطة أن يكون ضمن رؤية إسلامية حقيقية.
* انتصار الإسلام على الصليب ب المحمدية قدر أن يكون المكان الذي بني عليه مسجد الجزائر الأعظم هو نفسه الذي تم الاعتداء فيه على الإسلام في الجزائر، لذلك ومنذ انطلاق المشروع، بدا امتعاض الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية واضحا، فموقع المسجد يحمل رمزية تاريخية معروفة، بسبب الحملات الصليبية التي استهدفت الجزائر في الماضي، فقد شهد الشاطئ البحري للمسجد تحطم أكبر الأساطيل الصليبية عام 1541، كما أنه كان بعد الاحتلال يضم أول وأكبر مدرسة للآباء البيض في كامل إفريقيا، بقيادة زعيم المبشرين "شارل لافيجري »، والذي سمت سلطات الاحتلال الفرنسي باسمه المكان، حيث كان هذا الأخير يهدف إلى ضرب الدين الإسلامي، وبذل جهودا جبارة مستعينا بالسلطات الاستعمارية حتى يصد الجزائريين عن دينهم، لكن أراد الله أن يسفه أعمالهم ويتم نوره، يعني من الناحية التاريخية المكان يحمل رمزية انتصار الإسلام على الصليب. وكأن هذه الأرض الطيبة التي شيد عليها المسجد، والتي ابتلعت عام 1541 أسطول شارلكان، وكانت قد حولتها فرنسا خلال احتلالها إلى أكبر حاضنة للتبشير في الجزائر وأفريقيا، وتحمل اسم كاردينال التبشير (لافيجري)، ومصنعا لتفريخ "الآباء البيض"، تنتفض اليوم بشموخ وترد باحتضانها أعظم مشروع إسلامي في إفريقيا، بعد أن استرجعت الأرض هويتها، وتحول اسمها معطرا باسم خير البرية (المحمدية). وفرنسا التي بنت كنائسها الكبرى في أعلى هضبات المدن الساحلية الجزائرية، طوال تواجدها بالجزائر، أرادت أن توحي بالغزو المسيحي للجزائر، عبر غرس "سانتاكروز" في وهران، و"سانت أوغيستان" بعنابة، و"السيدة الإفريقية" بالعاصمة، وجدت نفسها تخسر معركة الرموز الدينية، وقد صار الموقع الذي حلمت أن يضم أكبر كنيسة في إفريقيا، يضم أكبر مسجد في القارة.
* أعظم مشروع إسلامي في إفريقيا تجسيد هذا المعلم الإسلامي وفق معايير عالمية، كان ضروريا ليكون ثالث أكبر مسجد في العالم. فطاقة استيعاب المسجد كبيرة، وتضم قاعة صلاة رئيسية تتسع ل 120,000 مصل، كما يحوي المسجد باحة خارجية للصلاة مرافقة للمسجد، هي امتداد لقاعة الصلاة بمساحة 20 ألف متر مربع، بها قاعة للمطالعة وأخرى متعددة الاستخدامات، ومن خصائصه الأخرى التي حققت أرقاما عالمية المنارة التي يصل علوها إلى 268 مترا، وتعلوها منارة بحرية، والقبة الحديدية المزدوجة التي تعتبر الأعلى في العالم بقطر 40 مترا، وعلو 70 مترا، محمولة على أعمدة وصل عددها بالجامع الى 680 عمود، تحت أضخم ثريا في العالم تزين سقف المسجد، لتصل 43 طابقا مفتوحة أمام الزوار، باحتوائها على قاعة استقبال، ودار للقرآن، ومتحف ومركز أبحاث، وفضاء للتجارة والإطعام، وشرفة تطل على الخارج. مسجد الجزائر يحتوي أيضا على قاعة وضوء مخصصة للرجال، وأخرى للنساء، وخزان مياه يسع 16 ألف لتر. كما يضم مكتبة تتسع ل2,000 شخص، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم وعلومه، بجانب قاعات مؤتمرات ومراكز ثقافية وإعلامية، وحدائق. كما يضم المسجد كذلك ثلاثة طوابق تحت الأرض، تتسع ل6,000 سيارة. يذكر أن تجسيد المشروع في البداية كان مقدرا على مساحة 12 هكتارا، ثم توسع الى 20، ثم 24، ثم استقر في 25 هكتارا، بفضل مجهودات المخلصين في الدولة. أما عن تكلفة المشروع، فبلغت ما يقارب 2 مليار دولار، لذا ومع مشروع بهذا الحجم اشترطت الحكومة الجزائرية على الشركات التي تقدمت لمناقصة بناء هذا المشروع، أن يكون لديها موظفون مثبتون يفوق عددهم 2,000 شخص، من مهندسين وفنيين وإداريين، وبالفعل تقدمت للمناقصة 24 شركة من مختلف أنحاء العالم، منها 3 دول عربية، هي مصر ولبنان وتونس، فضلا عن ثلاث شركات جزائرية. وباقي الشركات من ألمانياوفرنسا وإيطاليا وكندا وإسبانيا وكوريا الشمالية والصين. وقام بتصميم هذا المسجد مجموعة KSP Juergen Engel المعمارية الألمانية.
* تكالب فرنسي على المشروع منذ البداية تكالب فرنسا ممثلة في ساستها وإعلامها على مشروع جامع الجزائر الأعظم، بدا جليا منذ أن كان المشروع مجرد فكرة وإلى غاية تحقيقه. ولم تخف فرنسا بعقليتها الاستعمارية امتعاضها من مشروع المسجد الأعظم، حيث حاول الإعلام الفرنسي إشعال نار الفتنة، واللعب على الوتر الحساس بترديده تارة أن الدولة الجزائرية اتجهت إلى بناء مسجد بتكلفة كبيرة جدا، عوض أن تبني المستشفيات لتعالج مرضاها، على الرغم من أن ميزانية المسجد لا تساوي شيئا في الأموال التي أهدرت في زمن الحكم البوتفليقي، والتي تجاوزت 1200 مليار دولار كاملة، ذهب بعضها في مشاريع جلها لم يكتمل، ومعظمها استنزفتها جيوب الفاسدين. والغريب أن ذات الرأي ردده أذناب فرنسا في الداخل، وحجتهم في ذلك كانت ضعيفة، ونيتهم واضحة وضوح الشمس. غير أن الأمر لا يتعلق فقط بالصراع الأزلي بين الجزائروفرنسا، إنما أيضا بالمصالح الاقتصادية الضخمة التي خسرتها فرنسا، جراء فقدانها المشروع لصالح ألمانيا بداية، ثم لصالح الصين، لذلك كانت الحملة الفرنسية شرسة، حيث دأبت القنوات الفرنسية على الترويج مرارا وتكرارا بأن تكلفة المسجد الأعظم وصلت 10 مليار دولار، الأمر الذي أدى بالجزائر إلى استدعاء السفير الفرنسي لديها للاحتجاج. كما قادت الهجمة الفرنسية صحيفة "لو فيغارو"بنشرها آنذاك تحقيقاً بعنوان "الفرعون يبني المسجد الأعظم »، وكذلك "فرانس 24″، التي نشرت تقريراً مفصلاً بشأن جدوى بناء المسجد، وأشارت إلى المفاضلة بين بنائه ب2 مليار دولار، وبناء مستشفيات يعالج فيها المواطنون، محاولة بذلك اللعب على الوتر الحساس للمواطنين. فيما أوفدت يومية "لوباريزيان" أحد صحفييها إلى الجزائر لإنجاز تحقيق عن مشروع "جامع الجزائر الأعظم"، دون أن تكلف نفسها عناء الحصول على ترخيص لإنجاز المهمة، لينتقل الصحفي "فريديريك جيرشيل" إلى موقع المشروع بالمحمدية، ويحاول ولوج أبواب المشروع دون ترخيص، لكنه منع من الدخول، إلا أن قرار المنع لم يثنه عن تحرير مقال فيه الكثير من التجني. ولم يلبث أن صدر وقتها مقال آخر لكاتب اسمه "مانويل غوميز" في موقع "بي فولتير" تحت عنوان "جامع الجزائر الأعظم"، يتضمن الكثير من التجني والتشكيك في مبلغ الإنجاز، حيث نقل فيه تصريحات عن وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق، بوعبد الله غلام الله، الذي قال إن مبلغ الإنجاز لا يزيد على مليار أورو، في حين إن الرقم ارتفع إلى ثلاثة ملايير أورو، كما قال صاحب المقال.
* الرئيس تبون والمسجد الأعظم.. علاقة خاصة الفاتح من نوفمبر تاريخ اندلاع ثورة التحرير التي حررت البلاد من الاستعمار البغيض الذي عاث فيها فسادا لأكثر من قرن من الزمان، وهو نفسه التاريخ الذي اختاره الرئيس عبد المجيد تبون لتدشين مسجد الجزائر الأعظم، الذي يعول عليه ليكون منارة العلم والإشعاع الفكري والديني والحضاري. ويملك الرئيس عبد المجيد تبون علاقة خاصّة مع مشروع جامع الجزائر الأعظم، حيث كانت وزارة السكن التي يقودها مشرفًا مباشرًا على إنجازه، كما كشف في ندوة صحفية حينها أن الشركة الفرنسية حاولت الفوز بالصفقة بقوله "بويغ كان يعتقد أنه في منزله وأن المسجد له، ولم يحصل عليه ولن يحصل عليه ». مؤكدا العلاقة بين ما نشرته وسائل الإعلام الفرنسية وبين الشركة. موضّحًا في أكثر من مناسبة، أن المسجد الأعظم سيكون منارة إسلامية على مستوى كل الدول الإسلامية، أحب من أحب وكره من كره. وقد واجه الرئيس حملة شعواء ضد مشروع المسجد الأعظم، بقوله أنها لم تقتصر على الخارج، بل جاءت أيضا من بعض الأبواق في الداخل ممن "لا يعجبهم أن تكون الجزائر صاحبة منارة إفريقية وعالمية"، أو أن «يكون لها تأثيرا في المنطقة"، فراحوا يشككون تارة في عدم صلاحية التربة التي بني عليها المسجد، على الرغم من تقنيات يابانية أدخلت على المسجد الأعظم، تجعله مقاوما لأشد الزلازل وأعنفها. ويتباكون تارة أخرى على الغلاف المالي الذي استهلكه المشروع، رغم أنه لا يمثل شيئا من مداخيل الجزائر من المحروقات في زمن البحبوحة المالية. كما ردّ الرئيس تبون على الحملة الفرنسية بقوله "لن يتركك من حوّلت له حيًا سكنيًا حمل اسم المبشر الفرنسي لافيجري إلى المحمدية، لتضع فيه المسجد الأعظم الذي يغطي بظلاله كل أذنابه". ونحن نقول بدورنا إن التاريخ لا يرحم، لأنه عاد ليخبرنا بأن (الكاردينال لافيجرري) كان يقايض الجوعى من الفقراء الجزائريين بالتخلي عن دينهم مقابل الخبز، ومع ذلك صمد الجزائريون وفضل كثير منهم الموت جوعا وقمعا على ترك الدين الإسلامي والدخول في ديانة المستعمر. لذلك الجامع الأعظم ليس كباقي المسجد، فهو منشأة دينية، ثقافية، اقتصادية وسياحية، وسيكون مركز العاصمة والبلاد في الجزائر الحديثة المستقلة، وسيتجسد من خلاله طموح علماء البلاد في تحقيق فكرة الاشعاع الثقافي والديني إلى أبعد نقطة في العالم ،وليس في الجزائر وحدها.
أئمة ومشايخ يؤكدون لمجلة "الحوار" * مسجد الجزائر الأعظم ..صرح ديني ومعلم حضاري أجمع أئمة ومشايخ الجزائر بأن مسجد الجزائر الأعظم هو صرح ديني ومعلم حضاري ببعد تاريخي وحتى سياحي يمجد الحضارة الجزائرية ويشكل رسالة وفاء للشهداء ويحمل عدة معاني وخطابات ليس فقط للجزائريين بل للإنسانية قاطبة. عبر رئيس المجلس الوطني للأئمة جمال غول بقوله أن جامع الجزائر سيكون بدون شك صرحا دينيا ومعلما حضاريا. مضيفا بأنه سوف يغير من وجه الجزائر، خاصة وأن كل دولة تستثمر في المجال الديني بالنظر الى تأثيره على باقي المجالات الأخرى. وأضاف غول أن جامع الجزائر لطالما فرض نفسه في الفضاء المرئي و لابد أن يفرض نفسه في الإشعاع العلمي و الحضاري عبر الشخصية الجزائرية في التاريخ كما مثلها أئمة وعلماء الجزائر في التاريخ جامع الجزائر سيكون هو واجهة الجزائر أمام العالم. مؤكدا أن هذه الواجهة هي التي تبعث رسالته الحضارية في جوانبها الدينية والثقافية والسياسية. كما اعتبر رئيس المجلس الوطني للأئمة بأن رسالة حضارية تخبر عن الداخل الجزائري و عن أصالة مجتمعه و تناغمه و وحدته و تنوعه و تماسكه بفضل تعاليم الاسلام السمحة.و خارجية تعكس رؤية الجزائر لما يجب ان تكون عليها العلاقات بين الشعوب و الدول. لذلك، أضاف، لابد ان تكون رسالته اولا مقنعة من خلال خطاب معتدل راقي واقعي، ثانيا ان يمثل جميع الجزائريين بحساسيتهم الدينية، وثالثا ان تكون له حاضنة شعبية نابعة عن مصداقية عالية. وبهذا قال غول، يمكن إنجاز الدور المنتظر منه دينيا و اجتماعيا و سياسيا وإلا فقده ولم يتجاوز كونه معلما سياحيا. ويرى غول أن الخلفية الحقيقية لمن يهاجم هذا المعلم هي خلفية حضارية دينية وتاريخية، حيث كان من بين مشاريع فرنسا الاستعمارية جعل المنطقة التي بني عليها الجامع أكبر حاضنة للتبشير في كل افريقيا. حيث قامت ببناء كنيسة الآباء البيض لتكوين آباء تبشير في مختلف أنحاء افريقيا، غير أن الدولة الجزائرية بعد الاستقلال غيرت اسمها إلى "المحمدية" وهي تسمية ترمز لاستقلال الجزائر وتشبتهم بدينهم. واقترح غول افتتاح جامع الجزائر يوم الجمعة 30 أكتوبر للجمع بين ثلاث مناسبات، مناسبتين دينيتين وهما الجمعة عيد المسلمين والثانية هي مناسبة المولد النبوي الشريف الذي سيكون الخميس 29 أكتوبر أي ليلة الجمعة ومناسبة وطنية،ألا وهي الفاتح نوفمبر عيد الثورة التي ستكون يوم الأحد، وبالتالي قال غول سوف نعمق معنى المناسبة الوطنية عند الشباب الذي تميعت لديه الكثير من المناسبات الوطنية إذا ما ربطناها بالمناسبات الدينية. * جامع الجزائر صرح من أهم الانجازات التي تربط هوية الشعب اعتبر الشيخ جلول حجيمي الأمين العام للتّنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، أن جامع الجزائر يعد صرحا من أهم الانجازات التي تربط هوية الشعب و تمسكه بدينه الوسطي المعتدل وأنه يثمن جهود ودور المرجعية وترسيخها لأبناء الأمة وتكون معبرا لإخواننا في القارة الافريقية والأوروبية وسيلعب دورا محوريا بعيدا عن الترويج الايديولوجي أو أجندة معينة. وأضاف حجيمي، أن الاسلام شريعة وعقيدة صالح لكل زمان ومكان ويتأقلم مع كل الشعوب وهذا الذي أثبت استمراره في الكون كله ويمكن التعاطي مع خطاب متجدد فقط يحافظ على الثوابت والأسس وقد نجتهد في غيرها للمحافظة على مقاصد الشريعة الاسلامية. وأكد رئيس التنسيقية الوطنية للأئمة بقوله "نحن تأخرنا كثيرا للأسف ومع هذا ممكن أن نتدارك الأمور و نمثل الإسلام الوسطي المعتدل بعيدا عن التطرف والغلو لنشر رسالة الإسلام كما فعل أجدادنا رحمهم الله. أما عن تسمية المسجد، فاقترح حجيمي أن تمثل رمزا للأمة وتكون جامعة ولها رمزية. * المسجد أعظم مشروع حضاري أنجزته الجزائر منذ الاستقلال هذا، واعتبر الشيخ الهادي الحسني أن تدشين المسجد الكبير هو بمثابة عيد كبير للجزائريين والمسلمين، هذا المعلم الذي يطبع العاصمة وحوض البحر وكأنه هلال، مؤكدا أن مدينة الجزائر قد تزينت بالمسجد، خاصة وأن موقعه يحمل رمزية تاريخية معروفة، حيث كان يضم أول وأكبر مدرسة للآباء البيض في كامل إفريقيا بقيادة زعيم المبشرين"شارل لافيجري"والذي سمت سلطات الاحتلال الفرنسي باسمه المكان، حيث كان هذا الأخير يختطف أطفال الجزائر لتمسحيهم،وكان ينوي ضرب الإسلام،إلا أن الله خيبه ونصر دينه. وأضاف الحسني، أن هذا المسجد هو أعظم مشروع حضاري أنجزته الجزائر منذ الاستقلال. أما عن تسمية المسجد، فقال محدثنا أنه كان قد اقترح في الزمن البوتفليقي بأن يسمى المسجد على العلامة البشير الإبراهيمي، فقد سمي مسجد باسم العلامة ابن باديس في وهران وآخر باسم الأمير عبد القادر في قسنطينة، فلم لا يسمى هذا المسجد على البشير الإبراهيمي الذي قال فيه ابن باديس أنه مفخرة الجزائر. موضحا أنه اقترح آنذاك هذه التسمية خوفا من أن يسمى المسجد على اسم الرئيس السابق بوتفليقة. * جامع الجزائر والخصوصية العقدية والمذهبية أكد الدكتور بومدين بوزيد في تصريحه لمجلة "الحوار الجزائرية"، بأن الجزائر كانت بحاجة إلى مؤسسة روحيّة وعلميّة تكوينية مثل "جامع الجزائر"، وردا عن سؤالنا حول دور المسجد الأعظم في توحيد المرجعية الدينية للجزائريين، قال إنه يفضل عبارة "الخُصوصيّة العَقَدية والمذهبيّة"، وهي تشير هنا إلى الانتماء الأشعري في الرّؤية العَقَدية، واتباع مذهب مالك، على لفظ "المرجعية" الذي يتفاداه في كتاباته، باعتباره غير دقيق ويوحي بإلزامية الانتماء الذي قد يستساغ رسمياً، لكن على المستوى الشّعبي، وفي إطار موادّ الدّستور التي تنصُّ على الحريّة في الفكر والاعتقاد، يُعتبر تعديّاً على الحُقوق وغير منسجم مع طبيعة مجتمعاتنا السُّنّية، أما التصوف، أضاف الدكتور بوزيد، فهو سلوك وإحسان وقيم إنسانية، قبل أن يصبح مؤسسة اجتماعية تسمى "الزّاوية" أو "الطريقة »، وهو مظهر مؤسساتي متأخر في الظهور، أي تقريباً منذ القرن الثالث عشر ميلادي، وبالتالي هذا العنصر الأخير من الثلاثيّة الموروثة مرتبط بالاعتقاد، والمذهب في تنوّعه وتطوّره الذي لم يكن حوله التّوافق الشّعبي والعلمي، وهو يحتاج إلى مراجعة ليس هذا مجالها. إضافة إلى تلك العناصر، هناك عنصر تاريخي تأسيسي في تشكيل الأمّة الجزائريّة في القرن الثاني الهجري، وهو "المذهب الإباضي » الذي أسّس دولة، وحافظ على انتمائه المتميّز والاجتماعي، وبرزت في تاريخه منارات اجتهادية أثرت في العالم الإسلامي . هذه "الخصوصيّة العَقديّة والمذهبيّة" تحتاج إلى مؤسسة روحيّة وعلميّة تكوينية، مثل "جامع الجزائر" فقد حافظت مؤسّسات رمزيّة إشعاعيّة حضارية على الإسلام في مَراحِل تاريخيّة، وكانت مصنعاً لإنتاج النُّخب الدّينية وتطوير الخطاب المسجدي مثل الأزهر والنّجف والزّيتونة والقرويين، والأمل يحدو الدّولة ونخبها وشعبها اليوم أن يكون "جامع الجزائر»، جامعاً بين العلوم الدّينية والعلوم العصرية، جامعاً بين النّقل والعقل، بين التّقليد والحداثة، ليس بالصّيغة التلفيقيّة الاتباعية ولكن بالاجتهاد، وأن ندخل نهضة حضارية حَلُم بها بن باديس ومالك بن نبي، لكن شرط أن لا يكون "جامع الجزائر" امتداداً ناسخاً منسوخاً ممسوخاً لمؤسّسات قائمة اليوم، يشهد بعضها ضعفاً وعجزا في القدرة على التغيير والتّطور، مثل "مؤسّسات تكوين الأئمة »، والخطاب الثقافي الإسلامي، أو التكوين فيما بعد التدرج في اختصاص علوم الشّريعة. هذا أوّل الشّرط في حماية "الخُصوصيّة الدّينيّة" من الجمود والتّكرار، وأن تكون نُصوصاً مُغلقة، بل بعث روحها ومنهجيتها وتطوير ذلك، فالبروتستانتية مثلاً كانت تطويراً للكاثوليكية، وروحاً للرأسمالية التي ظهرت في أوربا، كانت الاستجابة للعصر عبر التأويل الدّيني الذي شكّل منهجاً علميّاً، ليس فقط في الدّين ولكن في التّاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية، طبعاً أنا استشهد هنا فقط لنبرز أن الاجتهاد الديني هو شرط حماية الدّين، وليس خروجاً عنه كما يخشى البعض ذلك، إلى جانب هذا المطلب العلمي–المنهجي، هناك مسألة أخرى غاية في الأهمية، وهي كون "جامع الجزائر" له السّمة السّياحية، وكلمة "سياحة" هنا ليس بالمعنى المبتذل الشائع، ولكنها ثقافة وحماية للموروث وتطوير له، فالخُصوصية الدّينية للجزائريين حين يتم الاهتمام بها هو "تميّز في الشّكل والرّوح »، ويكون ضمن الفضاء السياحي أيضاً، مثل "التّنوع النّغمي في الأذان»، «القراءات الجماعيّة للقرآن الكريم والأذكار »، و"الخطوط الجمالية المغاربية »، و"الألبسة الجزائرية التي ارتبطت بالشّعائر»، إلى جانب قراءة ورش وبعض الخصوصيات الأخرى في التّعبد.. إلخ، ومن هنا يتلازم جمال العمارة للمسجد مع جمال الخصوصيّة الثقافية وجمال الرّوح، بهذا تكون "الخصوصيّة الدّينية" عمارة جمالية ثقافية –سياحية تحتاج للإبداع والتكوين فيها، أما على مستوى التكوين العلمي، فأتصور أننا نحتاج إلى الجمع بين ما ورثناه من تدريس النّصوص التي تعتبر سنداً لتراثنا المغاربي، والعلوم المعاصرة مع منهجيّة تُمكِّن الشّباب اليوم من الشُّعور أنّ هذه النصوص وكأنها منهم ومن عصرهم، طبعاً هذا يحتاج إلى عمل مخبري –بيداغوجي، يبتعد عن التّسرّع والتّعصّب.
* جامع الجزائر والبعد الإفريقي وعبر الدكتور بومدين بوزيد عن تفاؤله حول دور المسجد قاريا، بقوله "أملنا كبير في أن نعيد لعلاقتنا الإفريقية وهجها في تكوين الأئمة والنُّخب الدّينية، خصوصاً في ظلّ الأزمة الأمنية والتغير السوسيو-اقتصادي الجديد في دول السّاحل والمغرب العربي، ويكون بناء هذه العلاقة استثماراً للوحْدة المذهبيّة الدّينيّة التي تجمعنا، ولانتماء بعض الإفريقيين للطُّرق الصُّوفيّة مثل التّيجانية والقادرية والكنتية والسُّنوسيّة، هذا التاريخ المشترك عامل أساسي في الاهتمام بالفضاء الدّيني الإفريقي، وإعداد قيادات دينيّة تلعب دوراً في بلدانها، سواء في الوظائف الرّوحيّة والاجتماعية ونشر قيم الاعتدال والوسطيّة، وأقترح هنا إعادة الاهتمام طبعاً وتدريساً لنصوص دينية أفريقية، كانت ومازالت في بعض البلدان مرجعاً لهم، وأذكر هنا دولة إفريقية يجري الآن تحويلها كمختبر ديني رسمياً وشعبياً بتمويل دولة خليجية لتكون ريادية في المنطقة، طبعاً ننحن لا ننافس ذلك، أي ما ارتبط باستراتيجيّة سياسية، ولكن لننبِّه أنّ عُمقنا الإفريقي منذ عبدالكريم المغيلي والمختار الكنتي والشّيخ التّيجاني، وطبيعة ثورتنا وحدودنا الجغرافية الواسعة مع هذه البلدان يقتضي تفكيراً عميقاً في وضع خطّة منهجيّة لما أشرت إليه يقوم بها "جامع الجزائر".
* جامع الجزائر والعولمة وتابع بوزيد "جامع الجزائر من النّاحيّة المعمارية أصيل وحديث، وهذه خصوصيّة نشكر كلّ الذين ساهموا فيها، وستكون منارته ذات بعد عالمي، بما تحفل به من متاحف وما يعطيه البعد البصري في قمته من كون العالم واحدا، مختصراً في بحر العاصمة، وعماراتها وأحيائها، ويمكن تطوير هذه المتعة البصرية–الجماليّة بتقنيات جديدة، أما الرّباعيّة المعمارية المادية للمنارة ولقاعة الصلاة، فعلى القائمين على "جامع الجزائر" بعمارة ذلك روحياً وثقافيّاً ورمزيّاً، والآية القرآنية "إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزكاة"، يعمرها بالعبادة والذّكر والوظائف الرّباعيّة التي أقصد بها "الاهتمام بالغرب في تكوين قيادات دينيّة تستطيع أن تتكيف مع المواطنة الغربية وطبيعة مجتمعاتها، وإعداد مستعربين يتخصّصون في الحضارة الإسلامية من جنسيات فرنسية وأمريكية وألمانية وغيرها، والرّد علمياً وبالحجّة والبرهان على الإسلاموفوبيا والعنصريّة والكراهيّة، وفتح حوار ديني وفلسفي مع تيارات الحداثة وما بعد الحداثة في الغرب"، الرّكن الأول من الرباعية رباعي في عناصره أيضاً، الرّكن الثاني هو الجنوب الإفريقي الذي تحدّثت عنه سالفاً، والركن الثالث هو التّعاون المغاربي واستثمار ما قدّمه أشقاؤنا في المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا من اجتهاد والتعاون معهم، فتجربة "الرّابطة المحمّديّة" متميّزة في خدمة المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتّصوف، الرّكن الرّابع هو البعد المشرقي العربي-الإسلامي الذي نحن جزءٌ منه حضارياً، وهنا لا نفرّق بين ما هو سنِّي وما هو شيعي، بل نستثمر جامع الجزائر في إعطاء جرعات جديدة للتّقريب بين المذاهب الإسلاميّة، والمساهمة في الصُّلح وحلّ النّزاعات الشرق–الأوسطية التي تتخذ من الدين كعامل صراع وخلاف، كما يكون التعاون مع هيئات تسعى نحو الوسطية والاعتدال والسلم، وهنا أيضاً يحضرني ثراء التجربة التركية والماليزية والأندونيسية في التعاون».
* المسجد الأعظم منارة تضيء سماء الجزائر وتنير سماء إفريقيا وأوروبا وبدوره، قال الدكتور موسى عبد اللاوي في تصريحه لمجلة الحوار الجزائرية، بأن المسجد الأعظم منارة تضيء سماء الجزائر، وتنير سماء إفريقيا وأوروبا، بنشر الرسالة المحمدية والشريعة المصطفوية. مضيفا أن منزلة المسجد الأعظم في قلوب الجزائريين خصوصا، والعالم عموما منزلة عظيمة لا تضاهيها إلا منزلة الحرم الثلاث، فهو جامع للمسلمين على بصيرة ونور من الله سبحانه وتعالى. جامع للعلماء والمشايخ والدعاة، لتبليغ رسالات الله سبحانه وتعالى التي رضيها لعباده وبلغها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبيان محاسن الإسلام وحكم الشريعة السمحة، بعيدا عن غلو الغالين وتفريط المفرطين، وتعليم المسلمين دينهم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية/ وأضاف الدكتور عبد اللاوي" كنا دائما نفكر ونقول لابد له من مؤسسة تكون رائدة في المجال الديني كمنارة يشع منها الإسلام، لابد من مؤسسة تكون جامعا وجامعة في الوقت ذاته. على غرار جامع الأزهر في مصر الشقيقة.. وجامع الزيتونة في تونس الشقيقة.. وجامع القرويين في المغرب الشقيق. واليوم بحمد الله قد تحقق هذا الحلم الذي سيكون بإذن الله بمثابة الوعاء الذي يوحد مرجعية وطننا انطلاقا من موروثنا الديني ومن تراثنا الحضاري مع مرعاة خصوصيات المجتمع الجزائري قديما وحديثا. هذه المؤسسة مؤسسة جامع الجزائر الأعظم سيضع حدا للفوضى السائدة في مجال الفتوى ويعيد الأمور الى نصابها من خلال فصل اهل الاختصاص في المسائل التي تطرح.. تطرح على (الهيئة الشرعية الكبرى للفتوى..أو سميها : هيئة كبار علماء الجزائر. .أو هيئة كبار علماء المسلمين..الخ. المهم هو ترسيخ ثقافة الرجوع إلى المرجعية للأمة المتمثلة في علمائها ومشايخها. يكون بمثابة همزة وصل بين المؤسسات التي تهتم بالشأن الديني عامة وهذه إضافة نوعية مهمة كركيزة أساسية وقاعدة صلبة بمثابة الدرع الواقي الحامي للوطن والأمة من أي تضارب في الفتوى، وتبعد شبح أي انزلاق أو تطرف أو تعصب من هذا الطرف أو ذاك.. وأضاف عبد اللاوي"العالم اليوم بحاجة إلى تذكير..بحاجة إلى تبصير..بحاجة إلى تنوير في ظل السهام المختلفة والمتعددة التي هي موجهة للإسلام من أطراف عدة عالميا. ينبغي أن نعي جيدا بان المتحدثين باسم الإسلام هم حملة لواء الإسلام ..هم حملة رسالة للإنسانية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ينبغي أن نتذكر هذا جيدا ! نعم ! فنحن أصحاب دعوة..أصحاب رسالة؛ وبالتالي على عاتقنا أمانة ثقيلة..ومسؤولية عظيمة .. وحتى يكون لدى الطرف الآخر القبول لتلقي الرسالة الخالدة.. فلا بد من أن نحسن كيفية إيصالها..كيفية تبليغها..كيفية عرضها.. وهذا هو الدور المنتظر من هذه المؤسسات الاسلامية العظمى وهذه الهيئات الدينية الكبرى.. ونظرا لموقع الجزائر الجغرافي ورصيدها التاريخي ودورها الحضاري.. فإن مسجد الجزائر الأعظم سيساهم في التعريف بالإسلام الصحيح بعيدا عن التطرف والغلو.. وبعيدا كذلك عن الخرافة والانحراف، وفي إظهار سماحة الإسلام وغرس قيام المحبة والسلام و نشر ثقافة التواصل الإيجابي بين بني الإنسان مصداقا لقوله تعالى:" يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.." وقوله صلى الله عليه وسلم:(كلكم لادم وآدم من تراب..) هذا هو جوهر الإسلام. . وقد قال تعالى:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين" "أن تبروهم" والبر هو أرقى أنواع الطاعة .. ولم يستعمل الا في طاعة الوالدين.. لما لهما من حقوق خاصة.. وذكره الله كذلك في العلاقات الإنسانية هنا لما له من اهمية بالغة في إبراز روح الإسلام وما يحمله من رحمة لجميع الأنام. كما أن قيام هذه المؤسسة (الجامع الأعظم ) بنشر الإسلام الذي هو دين الفطرة بعيدا عن التجاذبات الحاصلة بين التيارات المختلفة.. وهذا يحتاج بدوره إلى إيجاد هيئات تساعد على القيام بهذه الأدوار الكبيرة منها تأسيس مجتمعا فقهيا من العلماء ذوي الكفاءة في العلوم الشرعية ومختصين آخرين من بعض التخصصات الضرورية كالطب والفلك وعلمي النفس والاجتماع.. يتولى هذا المجمع مهمة البحث والاجتهاد.. و إنشاء مركز للبحث والاستشراف في الدراسات الإسلامية ، وتقديم خطط استراتيجية يستفيد منها المسلمون خاصة والإنسانية عامة تكون في خدمة الإسلام. فالعالم اليوم بحاجة إلى التعريف بالإسلام. .الإسلام الذي هو دين الفطرة.. الإسلام الذي أعلى من شأن الانسان إن هو اهتدى وعرف الطريق المستقيم.. وسار على ذلك مبتغيا رضا رب العالمين. وبهذا تتبوأ الجزائر مكانتها الطبيعية لها ؛ لتقوم بالدور المنتظر منها عالميا.. وهي التي مرت بتجارب متعددة جعلت منها ركيزة صلبة قوية متجددة.. وختم الدكتور بقوله أن الجزائر والحمد لله منذ عقود وهي تستقبل الطلبة الوافدين من عدة بلدان ودول إفريقية وحتى من آسيا. .يدرسون يتلقون العلم ويتكونون في جامعاتها وفي معاهدها. . ومنذ عقود والبعثات الطلابية تفد الى الجزائر من نيجيريا ،ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وكودي فوار ‘ وغينيا' وجنوب أفريقيا، وتشاد، إلخ هؤلاء الطلبة يدرسون في المعاهد الإسلامية في بلادنا الجزائر بلاد الإسلام والوسطية..ومعظم هؤلاء الطلبة اليوم هم دعاة وأئمة ومشايخ في بلدانهم والحمد لله..لذلك فالدور المنتظر اليوم أيضا من المسجد الأعظم لنشر الإسلام المعتدل في إفريقيا هو: مواصلة هذه الرسالة التي بداتها الجزائر منذ عقود كما سبق وأن ذكرت.. مع تطوير أساليبها (أعني طرق ومناهج التكوين). و إرسال بعثات من الأئمة والمشايخ والدعاة من أصحاب الكفاءة لإلقاء دروس ومحاضرات.. وعقد لقاءات ودورات.. مع فتح فروع..ومراكز ثقافية إسلامية تهتم بنشر الإسلام المعتدل من خلال دعم دور التعليم القرآني – حسيا وروحيا،ماديا ومعنويا- وتطوير الإتصال في هذا المجال. وأخيرا – القيام بطبع المصاحف والكتب ذات التوجه المعتدل وتزويد هذه البلدان وغيرها بذلك. * نتمنى أن يكون هذا الإنجاز العظيم عالميا إسلاميا وفي السياق، يرى رئيس جمعية العلماء المسلمين، الدكتور عبد الرزاق قسوم أن تغيير تسمية مكان مقر مسجد الأعظم من الكاردينال لافيجري إلى المحمدية ما هو إلى توجيه من الله تعالى، الذي مكن من وضع أسس هذا الجامع في هذا المكان، وكان الكاردينال لافيجري يضيف قسوم رفقة من كانوا يتآمرون على الشعب الجزائري ليحولوهم من الاسلام إلى المسيحية، وشكلوا بالتالي عدوانا على العقل قبل أن يكونوا على البدن والوطن، حيث كان يأخذ أيتاما منبوذين ويحول عقيدتهم من الإسلام إلى المسيحية، ليتحول مكان كنيسته من مكان يميت القلوب بالتبشير المسيحي إلى مكان يحيي العقل بقيم الإسلام، راجيا من الله أن يكون هذا الانجاز العظيم عالميا إسلاميا.
* المسجد الأعظم تتويج لهويتنا وتاريخنا وعلى صعيد مماثل، قال الأستاذ في علوم الشريعة والقانون جامعة وهران الدكتور بلخير طاهري الادريسي ل "الحوار" إن تغيير تسمية المكان الذي بني عليه المسجد الأعظم من لافيجري إلى المحمدية، يحمل العديد من الرسائل، فمن حيث الرسالة السياسية التغيير هو تتويج لهويتنا ا، أما من الناحية التاريخية فيتعلق الأمر بنجاحنا في اجتثاث بقايا الاستعمار الفرنسي من أرضنا، ومن الجانب الديني فقد فزنا ببناء مسجد يعد الثالث من حيث المساحة بعد الحرمين الشريفين، على أنقاض كنيسة استخدمت لتمسيح الجزائريين، خاصة وأن فرنسا اختارت المكان المطل على البحر المتوسط لبناء كنائسها حتى تكون الصروح الأولى التي تظهر للسفن وهي قادمة نحو السواحل الجزائرية، متمنيا أن يذيع صيته بين الدول العالم العربي، وتعرف الجزائر باسمه، على غرار الزيتونة بتونس، والأزهر بمصر، والقرويين بالمغرب، ومسجد أبي حنيفة النعمان ببغداد، سائلا الله تعالى أن يكون جامعا وجامعة لاحتوائه لأكثر من مليون كتاب، وأن يكون المضمون في مستوى الصرح من حيث الكفاءات في تسييره. * نتمنى أن يكون مسجد مركزا للإفتاء من جهته، اعتبر المؤرخ الدكتور محمد أرزقي فراد، في حديثه ل " مجلة الحوار" المسجد الأعظم مكسب عمراني وثقافي، مقارنة بالجامعين؛ الزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب اللذين كانا لقرون طويلة مركزيين للاشعاع العلمي، راجيا أن يكون الجامع الأعظم فضاء للعلم والمعرفة، ومركزا للإفتاء يتواصل مع الجامعة الجزائرية، وإن لا ينحصر دوره في الصلوات الخمس فقط. * نريد أن يكون جامع الجزائر قلعة حصينة لمرجعيتنا الدينية الجامعة وتحدث الشيخ محمّد المأمون القاسمي في تصريح لمجلة الحوار، تحدّث فيه عن رؤيته لجامع الجزائر، كرسالة حضارية،وعن التّسمية التي كان يفضّل إطلاقها عليه، منذ بداية التّخطيط للمشروع. وقال بهذا الصدد: « كنت، منذ ثلاث وثلاثين سنة، إلى جانب الشيخ عبد الرحمن شيبان، رحمه الله، في الجمعية التي أُسّست من أجل إنجاز المشروع. وحين تناولنا التّسمية الّتي تختار لهذا الصرح الحضاريّ، كان رأيي، منذ البداية، أن يُسمّى: "جامع الجزائر"؛ وذلك لما يوحي به هذا العنوان من معان، وما يحمله من دلالات. وبقي هذا رأيي إلى اليوم. فنحن نريده جامعا للأمّة الجزائرية، بتنوّع نسيجها الثقافي والاجتماعيّ. ونريد أن يكون قلعة حصينة لمرجعيتنا الدينية الجامعة، الّتي أنعم الله بها علينا؛ وكانت لنا، عبر الأجيال والعصور، حصانة ذاتية من التطرّف والغلوّ في الدين ». وأشار الشيخ القاسميّ:« إلى أنّ "جامع الجزائر" كان أملا، منذ عقود؛ وصار اليوم حقيقة، بفضل الله، وبعونه وتوفيقه؛ ثم بفضل الرجال المخلصين الّذين حملوه في ضمائرهم، وسخّروا من أجله جهودهم وطاقاتهم؛ على الرغم من العراقيل والمثبّطات، الّتي عرفها المشروع، من خصوم الإسلام، على امتداد الأعوام. وكانت إرادة الله فوق ما أرادوا. والله غالب على أمره. فللّه المنّة والحمد. وطوبى لمن أسهم في إنجازه، ويسعى في عمارته. وقد سَعِدَتْ بتشييد هذا الصرح الدينيّ جماهير المؤمنين، وخابت أحلام المرجفين ».وأضاف الشيخ قائلا: « إنّنا نهنّئ الشعب الجزائريّ والأمّة الإسلامية جمعاء، بهذا الصرح الشامخ. والأمل وطيد في أن يكون دافعا إلى الحركة الفاعلة من جديد؛ وأن يبرز عظمة الإسلام، وسماحة تشريعاته، في كافّة المجالات: التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية. أملنا كبير في أن يكون "جامع الجزائر" منارة هداية، ومركز إشعاع علميّ يعيد إلى الجزائر أمجادها التّاريخية، وعطاءها الحضاريّ الّذي تجسّد، بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعمرانية، خلال قرون من السؤدد والريادة. وفي ختام حديثه أعرب الشيخ القاسميّ عن أمله في أن تضمّ الهيئة العلمية الّتي ستضطلع بهذه الرسالة الجليلة صفوة من الأخيار، المشهود لهم بالكفاءة العلمية، وبالاستقامة والاعتدال، والسّمعة الطيّبة في الأوساط الاجتماعية، فضلاً عن تفقّههم في الدّين، ومعرفتهم بمقاصد رسالته. وينبغي، كما أكّد، أن يكونوا من الملتزمين بمرجعيتنا الدّينية وثوابتنا الوطنية.
* عظمة المسجد الأعظم من عظمة الإسلام .. وفي الإطار ذاته، قال رئيس جمعية العلماء المسلمين، الدكتور عبد الرزاق قسوم، لمجلة " الحوار" إن عظمة مسجد الأعظم من عظمة الإسلام ذاته، وعظمة الأمة الإسلامية برمتها، وعندما يقام هكذا معلم ديني وحضاري على موقع كان يعتقد الآباء البيض أنه ملك لهم ومنه يتم تنصير الشعب الجزائري، ويتحول بعد أكثر من نصف قرن من استرجاع السيادة الوطنية إلى اسم المحمدية تخليدا لمبادئ القيم الدينية، وبقي يضيف قسوم أن نتساءل كيف نتعامل مع هذا المعلم الديني والحضاري.
* أتمنى أن يكون المسجد الأعظم على شاكلة الأزهر والزيتونة والقرويين وعلى صعيد مماثل، قال الشيخ شمس الدين بوروبي، لمجلة " الحوار" لقد تحطم بصورة فعلية مشروع الآباء البيض الذين أرادوا تنصير أبناء الجزائر، ولم تقم لهم قائمة بعد أن تحول مكان الكنيسة إلى ثالث أكبر مسجد في العالم في إشارة منه إلى مسجد الأعظم الذي تحول اسم المكان الذي شيد عليه من لافيجري إلى المحمدية، وأضاف شمس الدين أتمنى أن يصبح مرجعا يمثل المرجعية الدينية الوطنية، وأن يحي فيه فقه المالكي، ويكون مركزا لعلماء الجزائر، على غرار الأزهر الشريف ومسجد القرويين بالمغرب والزيتونة بتونس، والحث على نشر إسلام الوسطية والاعتدال على يد عالم جزائري أشعري سني مالكي، وأن لا يكون فقط مسجد تؤدى فيه صلوات الخمس، بل يجب أن يخصص فيه جانبا للفتوى على شكل هيئة علمية شاملة لكل التخصصات العلمية من تفسير القرآن وعلم الحديث، اللغة المنطق والتاريخ والجغرافية، كما تمنى ذات الشيخ تخصيص مكتب للإصلاح ذات البين يشمل كل جوانب الحياة، وتنظم فيه كراسي العلم والمعرفة الشاملة. بقلم: الشيخ إمام زاوية بلقايدية عبد القادر حيدة * جامع الجزائر الأعظم الماضي والحاضر والمستقبل يقول الله سبحانه وتعالى في فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ سورة النور الاية : 36-37 إنه مما ينبغي ان تكون عليه عقيدة أي مسلم أن المساجد هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض لأن معاني العبادة له مع الاخلاص في التوحيد إنما يكون في هذه المساجد لذا أمر الله تعالى برفعها وأذن في ذلك فلن يرفع أي مسجد حسا في أي بقعة من بقاع الأرض إلا بإذن من الله تعالى ومن معاني الرفع كذلك بناؤها رفيعة كما في قوله تعالى وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ سورة البقرة الاية 197 كما أنه من بين الموافقات الربانية التى انطوت في فتح هذا الصرح الديني الاسلامي العظيم أن الله سبحانه وتعالى هيأ فتحه حتى تتوافق المناسبة الدينية بالمناسبة الوطنية ، فالمناسبة الدينية شهر مولد خير البرية والمناسبة الوطنية استقبال شهر نوفمبر الذي جعله الله محطة زمنية لاندلاع ثورة مباركة مجيدة وكلاهما زمانان يمثلان رمزية عظيمة بالنسبة للأمة الجزائرية ففي شهر نوفمبر 1954م اندلعت ثورة التحرير المباركة المجيدة كما أسلفنا والتى لازال العالم يستلهم منها الدروس و العبر والعضات في الكفاح عن المبادئ وعن المقومات والثوابت ، وهذه المناسبة كانت موافقة في أول أمرها شهر ربيع الأنوار 1374ه لتأتي في هذا الزمن موافقة في افتتاح ثالث أكبر مسجد في العالم وكل ذلك بتوفيق من الله سبحان وتعالى ومنّه . هذا الجامع الذي بني على تقوى من الله ورضوان جاء ليربط الحاضر بالماضي فيستضئ مستقبل هذه الامة ، فالأمة التي لا ماضي لها لا حاضر لها وعليه لا مستقبل لها فهذا الجامع هو الماضي والحاضر والمستقبل لهذه الامة وبما أن التاريخ ذاكرة الشعوب ومرآة حضارتها كان للمكان الذي بني ورفع عليه هذا الصرح الديني رمزية عظيمة حيث أن هذا المكان ينسب لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم –المحمدية- وكان قبل ذلك مكان يراد من خلاله تنصير الأمة الجزائرية.ومن خلالها تنصير كافة القارة الأفريقية فكانت حربا صليبية بكل معنى الكلمة ولكن إرادة الله فوق كل شيئ.قال تعالى وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ سورة الانفال :الاية 30 وقال ايضا وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا سورة الاسراء الاية 81 فالله سبحانه وتعالى لم يرد للأمة الجزائرية إلا أن تكون عربية مسلمة مجتمعة الشمل موحدة الكلمة لها سيادتها وليس لأي كان وصاية عليها معتصمة بكتاب الله وسنة نبييه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه . قال تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون سورة آل عمران الاية :103 – ان فتح هذا الصرح الاسلامي العظيم يحمل في طياته أيضا بشارة قيام دولة جديدة متبوعة لا تابعة لأن أول عمل قام به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينةالمنورة أن أمر ببناء المسجد الذي كان بمثابة الحصن الذي تتحصن به الأمة من كل تشتت وتشرذم . هذا ولقد عانت الأمة الجزائرية من تيارات فكرية دخيلة عليها شتت شملها وفرقتها لعدم وجود جامع كهذا يجمع الكلمة ويوحدها ويدرأ الغزوات الفكرية عنها ويؤسس لها مرجعيتها الدينية والفكرية فالعقيدة التي تمنع كل تطرف وغلو عقدي واختلاف في الأصول هي الأجدر للأخذ بها لأن الاختلاف في الأصول ينتج عنه تطاول على الله عز وجل في ذاته وصفاته وعن مقام سادتانا الانبياء عليهم السلام مما يجعل المسلم يكفر أخاه المسلم ويستحل دمه . والفقه المبني على اليسر في الدين ورحمة المسلمين مع عدم التشدد والتنطع فيه فإنه لن يشاد الدين أحد الا غلبه مع سد الذرائع من كل تميع وانحلال وتساهل هو الفقه الذي حافظ من خلاله سلف هذه الأمة على الشريعة المحمدية بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك . و تجسيد معاني الاحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والتي تترجم قوله تعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ سورة الحشر الاية رقم :07 والتي على رأسها التربية السلوكية والأخلاق المحمدية التي مدح الله سبحانه وتعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال عز من قائل وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ سورة القلم الاية : 04 لأن تطور وازدهار الأمم مرتبط بمدى تمسكها بالأخلاق والآداب إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. وهذه الثلاثة هي أركان الدين التي ينبني عليها والتي سيكون هذا الصرح الديني مجسدا لكل معانيها حتى يشع نورا على سائر اصقاع العالم بمرجعية دينية تحمل كل معاني الوسطية والاعتدال ومعاني المحافظة على المقومات والثوابت . هذه المرجعية التي من خلالها منع ابآؤنا وأجدادنا طمس هويتنا ومن خلالها حافظوا على مقوماتنا وثوابتنا وبها جال وصال مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله شرقا وغربا وبث من خلالها سماحة الاسلام فكان بهذه المرجعية شخصية عالمية بامتياز . – إن هذا الصرح الاسلامي المبارك هو أمل الأمة الجزائرية على وجه الخصوص بل هو أمل الأمة الاسلامية بأكملها ولعله مقصود في كلام سيدي الإمام عبد الرحمان الثعالبي رحمه الله إذ يقول : إن الجزائر في أحوالها عجب ولايدوم بها لناس مكروه ما حل بها عسر أو ضاق متسع إلا ويسر من الرحمان يتلوه اللهم احفظ الجزائر وأهلها من كيد الكائدين وحسد الحاسدين وبغض المبغضين واجعل كيدهم في نحرهم وتدبيرهم في تدميرهم.واجعل هذا الجامع سدا منيعا لها من كل ترصد وتربص ومن كل تشتت وتفرق. اللهم اجعل بلادنا بلاد الدين…… وراحة المحتاج والمسكين واجعل لها بين البلاد صوله……. وحرمة ومنعة ودوله واجعل من السر المصون عزها…..واجعل من الستر الجميل حرزها واجعل بصاد وبقاف وبنون …….ألف حجاب من ورائها يكون بجاه نور وجهك الكريم……. وجاه سر عرشك العظيم وجاه لا إله الا الله……… وجاه خير الخلق يا رباه ووفق اللهم من وليته أمرنا لما فيه الخير للعباد والبلاد وارزقه السداد والرشاد اللهم انصر الاسلام والمسلمين واخذل أعداءك اعداء الدين انك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والحمد لله رب العالمين
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ عبد الله غلام الله ل " الحوار" * أنا من اقترح الأرضية التي شيد عليها جامع الجزائر * قال لي وزير الفلاحة: هل تريد أن تعطل العلم من أجل بناء مسجدا؟ حاورته: نصيرة سيد علي أكد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الشيخ الدكتور عبد الله غلام الله في لقاء خص به " الحوار" أن الجزائر دولة أصيلة لا يمكن أن تكون تابعة أو مملوكة لأي أحد، مشيرا إلى أن هذا الصرح الديني، من حسن حظنا أن المناقصة لم ترسو على شركة فرنسية، موضحا في السياق ذاته أن جامع الجزائر لقي العديد من المشاكل لإيقاف تنفيذ مشروعه على أرض الواقع. .. حول عن الأسس التي تم من خلالها اختيار أرضية الجامع، وعن كيفية التي تم مواجهة الحملة اللفرنسية الشرسة لعرقلة المشروع، يطلعنا غلام الله على تفاصيلها في هذا اللقاء. * كنت على رأس وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مع بداية ولادة فكرة تجسيد المسجد الأعظم، هلا تحدثتنا لنا حول هذا الصرح الحضاري ..من الفكرة إلى بداية التجسيد؟ إن مدينة الجزائر العاصمة منذ نشأتها الأولى، كانت قائمة على مسجد، وفي كل طور من أطوار الحياة التي مرت بها كان المسجد المحور الأساس في تاريخها، وإذا أخذنا مرحلة دولة الموحدين نجد الجامع الكبير، خلال منتصف القرن السابع الهجري، وفي العهد العثماني ظهر الجامع الجديد، وهكذا فالعاصمة كان لها عبر العصور مؤسسة مؤثرة في الحياة وهي مؤسسة (الجامع)، ويؤرخ للمدينة من خلال الجامع. ومن هنا ففكرة جامع الجزائر لها جذور تاريخية، ذلك أن فرنسا بدأت منذ 1915 تشيد بنايات ومعالم معمارية ذات بعد حضاري وتاريخي معين، في عدة مدن جزائرية، مثل البريد المركزي في العاصمة، ومحطة القطار في مدينة وهران، مقر البلدية في ولاية سكيكدة، وبلدية ومحطة القطار في ولاية عنابة، وغيرها من المشاريع في العديد من الولاياتالجزائرية، فقد تم تشييد هذه المعالم بنمط هندسي أندلسي وبأسلوب أوربي، وقد تم الانتهاء من تشييد قبيل سنة 1930، وهي السنة التي كان الاستعمار الفرنسي قد تجاوز القرن، وكان استكمال وتدشين هذه المعالم إعلان عن دخول الجزائر (الفضاء الجغرافي والثقافي) في ممتلكات الدولة الفرنسية، وقد سموها الاحتفال السنوي بدخول الجزائر في ممتلكات الدولة الفرنسية، وكان الفرنسيون يقولون أن الدولة الفرنسية تمتد من دانكل شمالا إلى تمنراست جنوبا. ولكن إعلان استقلال الجزائر، سنة 1962، وقد اعترفت فرنسا باستقلال وسيادة الجزائر، ولكن الجزائر أرادت أن تجيب وبنفس الأسلوب على المزاعم والأكاذيب الفرنسية، فأرادت أن يكون هناك رمز معماري في عاصمة الجزائر، رمزيته وخصوصيته التاريخية تكون متشابهة مع النماذج المعمارية في المدن الجزائرية الكبرى، فيكون فيها (جامع قطب) فهذه المساجد الاقطاب مع جامع الجزائر برهان على أن الجزائر، دولة أصيلة لا يمكن أن تكون تابعة أو مملوكة لأي أحد، فيمكن إحتلالها بحكم الظروف التاريخية ولكن لا يمكن إمتلاكها، وهذه الفكرة كان قد عبر عنها الشيخ عبد الحميد بن باديس من قبل، وبالذات عندما أعلنت فرنسا أن الجزائر ملك لفرنسا قال (إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت)، لأن الجزائر تاريخا وثقافة وتوجها كلها تتنافى مع ما هو عليه الوضع في فرنسا، فهذه الفكرة كانت موجودة منذ بداية الاستقلال، لكن لم تتوفر الشروط لانجازها وتجسيدها في الميدان إلا بعد سنة 2000م. اين انطلقت فعلا المرحلة التي تجسد مشروع جامع الجزائر على أرض الواقع.
* ..وماذا عن الأسس التي تم من خلالها اختيار أرضية الجامع؟ إن اختيار منطقة المحمدية لتكون مكان لبناء جامع الجزائر في الحقيقة كان مجرد مصادفة، لأن اختيار المكان الذي يبنى فيه جامع الجزائر، كان من أشق المسائل التي اعترضتنا في المشروع كله، فكل مكان أو منطقة اقترحناها إلا ووجدنا معارضة، ومن بين الأماكن التي اقترحناها كانت المنطقة القريبة من مقبرة العاليا، ومساحتها كبيرة وواسعة، وقد كنا في اجتماع مع رئيس الجمهورية نبحث موضوع موقع الجامع، ولما اقترحت أنا منطقة العاليا، اعترض وزير الفلاحة آنذاك وقال أن هذه الأرض تابعة للمعهد الوطني للهندسة الفلاحية، وهي أرض تقام فيها التجارب والدراسات التطبيقية لطلبة المعهد الوطني للهندسة الفلاحية، وقال وزير الفلاحة هل تريد أن تعطل العلم وتجارب الطلبة، من أجل أن تبني مسجدا؟ ومع الأسف أنا لم أقم بزيارة للمكان من قبل، ولكن اقتراح المكان كان قد قدم لي، ولو كنت قد قمت بزيارة ومعاينة المنطقة لقدمت الاجابة المناسبة والمفحمة، لأن وزير الفلاحة نفسه قام ببناء مديرية الفلاحة في نفس المكان، وحرم طلبة المعهد الوطني للهندسة الفلاحية، من التجارب والدراسات التطبيقية. * كيف تم مواجهة الحملة اللفرنسية الشرسة لعرقلة المشروع؟ المعروف والبديهي عند الجميع أن الإعلام الفرنسي لا يعجبه أن يوجد في الجزائر انجاز شي جيدا (مهما كان) في الجزائر، فمثلا يسارع الإعلام الفرنسي إلى تأييد ومساندة كل ما يضر الجزائر ويلحق بها الأذى وتكثيف الاهتمام بكل مظاهر التخريب أو التدمير في الجزائر، فالإعلام الفرنسي يؤيد ويساند ويسلط الضوء على مظاهر التخريب والتدمير والفوضى إذا قامت في الجزائر، إما إذا كانت هناك انجازات وأعمال جيدة في الجزائر فإن الإعلام الفرنسي في أحسن الأحوال يسكت، لكن عندما تعلق الأمر بمشروع إنجاز جامع الجزائر، لا يمكن للإعلام الفرنسي أن يسكت، فالشركات الفرنسية التي شاركت في المناقصة لم يكن لها حظ في المشروع، فالمشروع الذي تقدر تكلفته قرابة المليار يورو، كان يفترض من زاوية الإعلام الفرنسي أن يكون هذا المشروع من نصيب الشركات الفرنسية، سواء في الدراسة أو في الإنجاز لكن لم تنجح الشركات الفرنسية في الحصول على المشروع، ومن هنا فإن هذا المشروع لا يعجب الإعلام الفرنسي، هذا من الناحية الاقتصادية البحتة، وهو الأمر الذي من أجله يشن الإعلام الفرنسي الحملات الشعواء، ويختلق الأكاذيب والافتراءات من أجل تشويه صورة الجزائر ويعمل على إلحاق الضرر بها. * هناك من المهندسين المعماريين الذين وضعوا تقاريرهم حول عدم صلاحية الأرضية التي بني عليها المسجد، وأنها تقع على نشاط زلزالي؟ من الذين كانوا يعارضون تشييد جامع الجزائر منذ البداية، كانوا يبحثون في كل مرحلة عن الأسباب والحجج التي تدفع السلطة إما إلى التراجع أو تؤجل انجاز جامع الجزائر، ونظرا لحجم جامع الجزائر، قمنا بدراسات علمية متخصصة وعالية الدقة لأرضية جامع الجزائر، وقد تجاوزت الدراسات في مقاومة الأرضية مسافة التسعين (90) مترا عمقا تحت سطح الأرض، وقد أثبتت الدراسات المتخصصة أن الأرضية قادرة على تحمل ضخامة هذا الهيكل الكبير، وللأسف بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين كانوا يشككون، ولكنني في ذلك الوقت لم أجبهم إجابة تقنية لأن الاجابة التقنية كانت متوفرة، وهي الاجابة التي عرضناها على المسؤولين الذين اقتنعوا بالدراسات التقنية العلمية المتخصصة التي قدمناها، وكانوا قد استمعوا أيضا إلى بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين، وقد ثبت في النهاية بالدليل العلمي أن الأرضية قوية وصلبة وتتحمل هيكل جامع الجزائر، ومع ذلك بقى بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين ينشرون اعتراضاتهم وشكوكهم في وسائل الإعلام خاصة في وسائل الإعلام التي تعتمد اللغة الفرنسية، دون أن تكون لأقوالهم أدلة علمية، مما يدل على التأثير الفرنسي الواضح في الموضوع.
* ما هي الأسباب وراء تسليم وزارة الشؤون الدينية وأوقاف مشروع بناء المسجد إلى وزارة السكن؟ جامع الجزائر بقى تحت اشراف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ففي سنة 2015 لما انهيت مهمتي في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف كان مشروع جامع الجزائر قد قطع اشواطا كبيرة من مراحل الإنجاز وبعد وفاة محمد علوي رحمه الله، كان يجب أن تتولى مهمة الأشراف على البناء وزارة تمتلك من الامكانيات الفنية والتقنية للمراقبة والمتابعة ما يتناسب مع مشروع جامع الجزائر، فتولت وزارة السكن هذه المهمة، وكان أنذلك وزير السكن هو السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية، وللحقيقة فقد بذل جدها كبيرا في متابعة انجاز مشروع جامع الجزائر، وقد قلت له في إحدى لقاءاتي معه، بعد ذلك، قلت له أنت كنت من أنصار جامع الجزائر ومن المؤيدين له، والآن أصبح في يدك وتحت إشرافك، وقد جاءتك الفرصة لتحقق منه ما كنت تتمنى له، وأعتقد أنه بذل جهدا كبيرا وهو مشكورا عليه، وهو الجهد الذي ساهم في تسريع عمليات الانجاز والتهيئة، ولجهوده فضل في الحلة الرائعة التي هي عليها جامع الجزائر اليوم.
مصمم زخارف والأشكال الهندسية للمسجد الأعظم، عبد المالك موساوي ل " الحوار"
* الجامع الأعظم سمح لنا باكتشاف الأشكال الهندسية والزخارف الجزائرية المنشأ * تصميم عناصر جامع الجزائر بأيادي فنية جزائرية محضة * الزخارف التي زينت بها قلعة بني حماد ظهرت بعد 3 قرون في قصر الحمراء حاورته: نصيرة سيد علي تطرق الباحث والخبير في الزخرفة الإسلامية الأستاذ عبد المالك موساوي في هذا اللقاء الذي خص به " الحوار" إلى طبيعة الأشكال الهندسية والزخارف الأنيقة ذات جمال أخاذ، التي صمم بها مختلف عناصر جامع الجزائر الأعظم، هذه التحفة المعمارية التي ستبقى شاهد عيان على حقبة زمنية ما، وينقل إلى الأجيال القادمة على مر الزمن نمط الحياة الدينية للشعب الجزائري، كما تحدث ضيف " الحوار" حول عديد المسائل التي تم تزين بها هذا الصرح الديني بأبعاده الإنسانية والحضارية، الذي سيروي للأجيال المتلاحقة قصة جامع الجزائر كأعظم إنجاز يحمل الهوية الوطنية. * هلاّ حدثتنا حول طبيعة الأشكال الهندسية والزخارف الذي تم تزين بها العناصر المشكلة للجامع الأعظم؟؟ تعود طبيعة الزخارف التي تم بها تزين المعلم الديني والحضاري مسجد الأعظم، بزخارف إسلامية، مستلهمة من الطراز الجزائري، وتنقسم إلى أربعة أصناف، النوع الأول ويتعلق بالزخرفة الهندسة وهذا النمط من الزخرفة استحوذ على حصة الأسد من الجامع الأعظم، وهي تنبثق من الطراز المغاربي الأندلسي، وتنشأ من المثلث الستيني، ومن المربع، والمضلع الخماسي، وهي الأشكال الأساسية التي تنشأ منها كل الزخارف الهندسية، سواء في الزخرفة الإسلامية بصفة عامة، أو في الطراز المغاربي الأندلسي، النوع الثاني الزخرفة النباتية التي تنشا من الخط المنحني بمختلف انواعها، ثالثا الزخرفة الخطية وهي معروفة، وقد صمم خطاطون جزائريون أربعة أنواع من الخطوط في الجامع، على غرار الخط الكوفي الاندلسي والخط الكوفي المربع وخط الثلث، ولأول مرة يستخدم الخط المبسوط في شمال إفريقيا، وقد تم تزين به عناصر جامع الجزائر، والخط الكوفي المبسوط، والذي يدعى بالخط المغاربي، ويقصد بالمغربي، كناية عن المنطقة الجغرافية التي تمتد من صحراء ليبياإلى الأندلس والسودان، وقد تم استخدام كل أنواع الجص والخشب لبناء هذا الصرح الديني الكبير. * ماذا يمثل الزخرف كتراث معماري بالنسبة للهوية الجزائرية؟ كانت الزخرفة الإسلامية، ومازالت مقياس تقدم الأمم والحضارات عبر التاريخ، انطلاقا من حضارات الإنسانية، حضارة الإغريق والرومان وغيرها من حضارات الأمم الأخرى، أما بالنسبة لطبيعة الزخرفة الجزائرية، فإنها ترجمت حياة السلالات التي تعاقبت على الجزائر، وصورت لنا حياة الشعوب التي مرت بها الجزائر، كما تطلعنا تلك الأشكال الهندسية والزخارف حول درجة التقدم والتطور الذي وصلت إليه تلك الشعوب التي استوطنت بلادنا، وهو ما أثبتته الحفريات التي أجريت في مواقع متعددة عبر ربوع الوطن، منذ 1956، إلى 1970، وتعتبر تلك الحفريات التي قام بها فريق من العلماء والأيكولوجيين والباحثين في علم الأثار، على سبيل المثال لا الحصر، نجد ألفريد بال، ليون دوبيلي، وأخرها ما قام به الباحث الجزائري الراحل رشيد بورويبة، كل تلك الدراسات الأثرية، أثبتت أن العمارة الجزائرية منذ الفتح الإسلامي إلى القرن ال 16 ، عرفت ازدهارا منقطع النظير، من جميع النواحي، الثقافية ،الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية. * ما هي التقنية التي استخدمت في انجاز زخارف جامع الاعظم؟ إن التقنية التي استعملت في إنجاز جامع الجزائر، فقد وازنت بين الأصالة والحداثة، وتعبر الحداثة والأصالة هنا، عن طرق التي استخدمت فيها هذه التقنية، والتي يمكن تصنيفها إلى صنفين، أما الصنف الأول، فهو ينبثق من الأصالة، أي الأشغال اليدوية، ويقصد بها هنا، الصناعة التقليدية، فكل الأعمال الفنية التي تم تصميم بها جامع الأعظم تمت بأنامل فنية جزائرية، باحترافية عالية، ومن بين تلك الاعمال المنجزة نجد النقش على الجبس، والنقش على الخشب، خاصة ذلك الذي استخدم في نقش المنبر، والذي أنجزه حرفيون من عائلة بن قرطبي، من ولاية المدية، الذي رفعوا التحدي ووفقوا فيه، وهناك حرفيون جزائريون أبدعوا في صناعة السيراميك، وأخرون اهتموا بالنقش على الخشب، بالإضافة إلى أعمال أخرى كالتذهيب، والزخرفة على الزجاج، والتقنية الثانية تتمثل في انجاز الزخارف عن الآلات الرقمية وقد تم استعمال هذه التقنية نظرا للكم الهائل من الزخارف وضخامتها، واستعملت تلك الآلات الرقمية في عملية النقش على الرخام وعلى الخشب، فضلا عن تقنية أخرى وتتمثل في إنجاز أشكال زخرفية من النحاس المضغوط، واستخدم هذا النوع من النقوش بالآلات الرقمية، وهناك نوع أخر من التقنيات هي القولبة، واستعمل هذا النمط من الزخارف خاصة في قبة المسجد والمنارة، والمشربيات بصفة عامة، وقد استخدم فيه أيضا الإسمنت المسلح بالألياف الزجاجية، * هل أعطى هذا الجامع الذي يحمل الهوية الجزائرية، نفسا جديدا لتلك الزخارف ؟ من المعلوم أن المعالم التاريخية المنتشرة في الجزائر، تزخر بزخارف رائعة إلى يومنا هذا، ذات طابع إسلامي و بمختلف أنواعها، ولكنها كانت مطمورة يعلوها الغبار، ولما جاءت فكرة تشييد هذا الجامع الأعظم أماط عنها اللثام، ورفع عنها الستار الذي حجبها، وأخرجها إلى الوجود، وظهرت الهوية المعمارية والزخرف الجزائرية الأصيل، وهذا هو الدور الهام الذي لعبه مسجد الجزائر هذه التحفة المعمارية الفريدة من نوعها، حيث أبرز مفاتن الزخرفة الجزائرية، التي كانت غير معروفة لدى عامة الناس، لأنها كانت في طي النسيان. * يعتبر فن الزخرفة، مرآة عاكسة للحضارات، ونظم حياة الشعوب، وتبرز لحياة الاجتماعية ونمط العيش وتكشف عن عمق العادات وتقاليد الأمم الغابرة… فهل للجزائر بصمتها في قاموس الفني الإنساني؟ نعم، لقد كانت للجزائر بصمة عظيمة في قاموس الفن العربي الإسلامي، والمغاربي الأندلسي، وحتى يمكن أن نقول المشرقي، فكانت للجزائر إسهامات كبيرة، وهذا ما أثبتته الحفريات التي أجريت في الجزائر، خاصة تلك التي قام به الايكولوجي الفرنسي ليون دوبيليي سنة 1913، بقلعة بني حماد وصدر له كتاب، حيث يقول فيالصفحة رقم 3 ، إن الزخرفة التي عثر عليها أثناء الحفريات التي قام بها بهذه القلعة، ظهرت بعد 3 قرون في قصر الحمراء، وهي خير دليل على أن الزخرفة الجزائرية له السبق قبل الأندلس، وغيرها من الشهادات الأخرى التي تبين تجدر فن الزخرفة الجزائرية في رحم التاريخ، وحسب البحوث التي أجريت بينت أن الجزائر ساهمت في نشأت الطراز المغاربي الأندلسي، على ثلاثة مراحل،تمتد من الفتح الإسلامي، إلى القرن ال 16، المرحلة الأولى كانت مرحلة العطاء، بحيث انتقلت الزخارف التي صممت بها قلعة بني حماد، إلى الأندلس، وإلى قصر العزيزة بصقيلية بإيطاليا، وكانت من بينهاالمقرنصات، وهذه الأخيرة ظهرت حسب المؤرخين بقلعة بني حماد، وكذلك تخطيط المدن وقنوات التزويد بالمياه، وهناك شهادة أدلى بها المرحوم المؤرخ رشيد بوريبة أن طريقة التصميم الزخرفي التي اعتمدت في منارة مسجد قلعة بني حماد، هي نفسها التي استعملها الموحدون في تزيين منارة مسجد إيشبيليا بإسبانيا في القرن ال 12، وتأتي بعد ذلك مرحلة التفاعل- الأخذ والعطاء-، وهي بعد حكم المرابطون شمال إفريقيا نقلوا تخطيط المساجد، والقبة ذات العروق، مثل تلك الموجودة بمسجد الكبير بتلمسان الذي بني سنة 1136 للميلاد، والمرحلة الثالثة هي مرحلة الإبداع، أي الابداع الجزائري المحض وظهر الإبداع الفني مع تأسيس الدولة الزيانية التي اتخذت من تلمسان عاصمة لها أكثر من ثلاث قرون، فظهر الإبداع المعماري والفني في المعالم الدينية والمدنية مثل مسجد أبي الحسن التنسي1236 وغيره من المساجد، وخاصة المدرسة التشفينية التي بناها أبو تشفين بن أبي حمو بمعايير ومقاييس أندلسية محضة، ويمكن القول أن الجزائر كان لها دور فعال وإيجابي في بناء الطراز الفني المغاربي الأندلسي. * وإن وجد لها أثرا في الحظيرة الفنية التاريخية، ماذا يميز الزخارف الجزائرية، عن باقي الفنون ذات الصلة التي قمت بدراستها…؟ الشيء الذي يميز الزخارف الجزائرية، فهي راقية، متنوعة، وفي غاية من الإبداع وهي تشتمل على أربعة أنواع كما أسلفت، وهي جزء لا يتجزأ من الطراز المغاربي الأندلسي، و ما يميز هذا الأخير، أن كل أنواع الزخارف المذكورة تجدها فياللوحة الواحدة، نجد الزخارف الخطية، الهندسية، والنباتية والمقرنصات، وهو ما يسمى بالطراز المغاربي الأندلسي، وهي موجودة في المعالم التاريخية التي لم يصلنا منها إلا القليل، وهو عكس الطراز المشرقي الذي نجد في لوحة واحدة نوع واحد من الزخرفة فقط.
* وهلا استقرأت لنا بعضا من هذه النماذج من حيث المعاني التي تحملها في ثناياها..؟ فيما يخص الزخرفة الإسلامية، نجد المهندس الباحث انجليزي " إيوان جونس" المتخصص في العمارة الإسلامية، كتب كتاب حول الزخرفة الإسلامية، هذا المهندس المعماري البريطاني الذي عاش في القرن التاسع عشر، في بحوثه يقول لا يوجد في الزخرفة الإسلامية زخرفةبدون معنى أو رمز، أو دلالة، وهذا لأن المزخرف المسلم كل أعماله تنبثق من المعتقد الديني أو الاجتماعي، وهذا ما نجده في المشغولات الموجودة في المعالم التاريخية، فكل زخرفة تنم عن رمزية أو دلالة، فعل سبيل المثالاستخدم المزخرف المسلم الزخرفة النباتية، لأنه يرى أنها ترمز إلى الجنة، كما وضع المزخرف المسلم رموزا في تصميماته نابعةعن إيمانهبقدرة الله في الكون ، وفيما يخص المعتقد الاجتماعي، سواء كانت سلبية أو إيجابية، نجد بعض المزخرفين وضع محارة البحر ليرمز إلى الحياة والرقي والازدهار، وأدخل أشياء جديدة مثلا حذوة الفرس في مطرقة الأبواب، وفي المعتقد الاجتماعي أنها ترمز إلى إبعاد العين والحسد وغيرها. * صدر لك كتاب حول المسجد الأعظم، هلاّ أعطيتنا بعض مضمونه؟ كل الأعمال التي صممتها لجامع الجزائر وثقتها في كتاب تحت عنوان : (جامع الجزائر ، صفحات مشرقة من تاريخ الزخرفة الإسلامية في الجزائر) يحتوي الكتاب 320 صفحة طبع في حلة راقية، صدر بخمس لغات: عربية، فرنسية، انجليزية، أمازيغية، وصينية. يتناول هذا الكتاب في مقدمته تاريخ تطور الزخرفة في الطراز المغاربي الأندلسي، والمساهمة المهمة التي قدمتها الجزائر في تطوير هذا الفن منذ الفتح الإسلامي. كما يقدم هذا الكتاب وصفاً دقيقا لجميع الزخارف المستخدمة في تزيين جامع الجزائر بما فيها مرجعتيها التاريخية والقواعد والخطوط التنظيمية المطبقة فيتصميمها وقواعد الجمال التي ترافقها، وطريقة انجازها اليدوية أو الصناعيةبالإضافة الى رمزتيها أو دلالتها. كل موضوع من مواضيع هذا الكتاب المرجع مصحوب بالعديد من الرسومات والصور التي تسهل على القارئ فهم التقنيات والخواص الدقيقة للفن المغاربي الأندلسي. الكتاب مصدر إلهام،ومرجع مهم في مجال العمارة الدينية في الجزائر،وسيسام بفعالية في الحفاظ على الهوية المعمارية الجزائرية وحماية التراث المعماري والزخرفي الوطني. * البطاقة الفنية: الأستاذ عبد المالك موساوي، هو من مواليد 3- 12- 1952 خريج جامعة لورين تخصص تراث وعلم الآثار خبير في الزخرفة الإسلامية درست قواعد الزخرفة وقوانينها وقواعد صنع الجمال التي ترافقها وجميع الفنون التقليدية والتحكم في الألوان والمواد وطرق الإنجاز. من الأعمال التي قمت بها: القيام بأعمال التصميم الزخرف ل 26 مسجدا كان آخرهم جامع الجزائرو04 إقامات دولة و11 نزلا ومطارين دوليين ومداخل الأنفاق الموجودة على الطريق السيار (المدية -سيديموسى) والعديد من الأعمال الخاصة والعامة. شاركت في 37 ملتقى وطني ودولي كأستاذ محاضر وساهمت في تكوين 53 مهندسا معماريا في الزخرفة الإسلامية بمبادرة طيبة من إدارة جامع الجزائر. لدي 10 مؤلفات في الزخرفة الإسلامية صادرة بعدة لغات.