أحدهم قال أن الرواية لا تكتب بالرأس وإنما بالجسم كله.. وكثيرا من الأشياء التي يضعها المرء فيها تكون غامضة، عصية حتى على الكاتب نفسه.. فكرت أن الأمر لا بد أنه يتعلق بالمكان.. هذا المكان له مفهوم وحده لدى المبدع، له دور آخر في إنتاجاته وكتاباته.. هذا المكان قد يكون موجودا كحيز كفضاء كجزء من جغرافية ما من بقعة ما ،وقد لا يكون له أثر مادي مرئي ومحسوس إلا في مخيال المبدع.. وفي أحلامه.. إلا أن طريقة التعامل مع المكانين واحدة بالنسبة إليه.. كلاهما بحاجة إلى الآخر كي يكون.. كي يقول شيئا لنفسه... للآخر.. قد يصنع كل منهما الآخر.. أمكنة صنعت عباقرة، وعباقرة صنعت أمكنة... هي علاقة جدلية تفرض حميميتها على المبدع وتملي عليه جماليات الحنين والألفة.. كم هي ساخنة تلك العلاقة التي عاشها نجيب محفوظ مع مقهى الريش وكتاب آخرين وكم هي غامضة وحارة تلك العلاقة التي ربطت بين بهاء الطاهر ومقهى الريش... عن هذه العلاقة وسببها تحدث في احد حواته قائلا : قد يكون السبب عائدا إلى أن نصف القصص المصرية مكتوبة عن هذا المربع الممتد ما بين آتيلييه القاهرة ومقهى ريش ومقهى باب اللوق في مساحة لا تزيد عن 500 متر مربع العديد من القصص نجد فيها ذكرا لمقهى الريش، كانت مجموعة من أهم المثقفين المصريين تلتقي هنا.. وها هي صورهم تزين الجدران ..يوسف إدريس يحي حقي، عباس العقاد، أم كلثوم، نجيب محفوظ، لويس عوض أحمد رامي السنباطي رشدي أباظة منهم من رحل ومنهم من رحل ومنهم من ينتظر، لهذا المقهى تاريخ عريق ومنه كانت تنطلق مظاهرات عام 1919 وله دور في التاريخ المعدي والسياسي، كان مكان تجمع لكل الكتاب الشباب الذين كانوا يتحلقون في كثير من الأحيان يوم الجمعة وبالذات يوم الندوة الأسبوعية للأستاذ نجيب محفوظ في أمسيات الصيف بالذات يحضر محفوظ السادسة مساء وينصرف الثامنة ونصف دون تأخير أو تقديم، كنت التقي هناك معظم كتاب الستينات يحي الطاهر عبد الله سليمان فياض، غالب هلسا وغيرهم.. المقهى كما وصفه بهاء الطاهر في ذاك الزمن لازال له دور ثقافي وتقام فيه اليوم الندوات واللقاءات الأدبية إلا أنها ماعادت بذاك الوهج وذاك الألق الفكري الذي كان في زمن عباقرة الأدب والفن والفكر.. ثمة من لازال يحن إلى الماضي فيقصده لتحديد موعد أو لاستحضار ذكريات الذين مروا من هنا وتأمل صور أصدقاء العمر.