نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية ضم بيت الأسرة الجزائرية عضوا جديدا يتمثل في الخادمة، هذه الأخيرة أصبحت ولظروف خاصة وطارئة على حد تعبير بعض العائلات، تحتل مكان الأم بعدما تركت مسألة تربية الأطفال إليها في سبيل التحصيل المادي، مما أحدث تغيرات كبيرة على بعض الأسر سيما في الشق المتعلق بحاجات الطفل باعتبارها نتائج طبيعية للنمو. الظاهرة التي اكتسحت أغلب البيوت خاصة الحديثة أو ما يعرف بالأزواج الجدد تحتاج في نظر بعض المهتمين إلى دراسة علمية لشريحة لا بأس بها، فبسبب العمل والغياب اليومي عن المنزل طوال اليوم لمدة تفوق أحيانا العشر ساعات، إذا ما احتسبنا أوقات العمل المقررة والوقت الذي يقطعه الأهل بين مكان تواجد العمل والبيت. لجأ الأزواج الجدد إلى الاستعانة بنساء لا يختاروهم في غالب الأحيان بل يوكلون مهمة البحث عنهن إلى أشخاص آخرين سواء أقاربهم أو عاملات النظافة بالمؤسسات التي يعلمون بها أو إلى العاملات بالحمامات النسوية بهدف توظيف امرأة تتصف بالأمانة. الأهم تأمين لقمة العيش ترى بعض السيدات من أمثال، فطيمة، راضية، نجية، اللواتي أبدين رأيهن في الظاهرة، أن لجوء المرأة العاملة اليوم إلى الاستعانة بمربية أو خادمة في المنزل إنما أصبح حاجة ملحة، في وقت تحتم فيه الظروف المعيشية والاقتصادية عليهن العمل جنبا إلى جنب مع أزواجهن، غير أن السيدة فطيمة لا تخفي تقصيرها في تربية أبنائها الثلاثة، فالأم حسب رأيها لا يشفع لها أي سبب في التقصير في تربية أطفالها بحجة العمل ولا يحق لها تركها لهم بلا رعاية والأكثر بلا توجيه، فمرحلة الطفولة -حسب رأي السيدة راضية التي تشاطرها الرأي- مهمة حيث يتهيأ فيها الطفل إلى المراحل اللاحقة، ذلك أنه أثناءها يجنح للتقليد ويكثر الأسئلة ويزيد نشاطه ويتعلق بمن حوله. العائلات الجزائرية تعترف بخطورة الظاهرة لكن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية تحتم عليهم الاستعانة بالخادمات سواء للقيام بالأعمال المنزلية أو لتربية الطفل بكل جوانبه، فلا وقت لديهم للاهتمام بأطفالهم والأب يرمي بثقل المسؤولية على الأم ويوكل لها مهمة البحث عن خادمة ودفع مستحقاتها، هذا ما أكدته السيدة نجية من جهتها، وأضافت أن الأهم الآن في جدول أولويات الأسر صار تأمين لقمة العيش. الطبقة المثقفة مجبرة على ذلك من جهته قال السيد طاهر، بالرغم من اعتماده على خادمة إلا أنه ينتقد الأمر، فالخادمة حتى لا يقول مربية في أغلب الأحيان غير متعلمة ولها سلوكات تترك أثرا سلبيا على الطفل فيتعلم منها عادات غريبة ودخيلة، ليس هذا فحسب، بل أطفاله في الكثير من الأحيان يقومون بحركات غريبة، يردف المتحدث، الذي يمتهن مع زوجته مهنة الطب غير أنه مجبر، ليشاطره الرأي السيد عزيز فلهجة الخادمة المستقدمة من قصر الشلالة مثلا هي ذاتها لهجة ابنته ذات الست سنوات، عكس قريناتها بعاصمة الولاية اللائي لهن لهجة الخادمة، ولم تكتف بهذا بل اكتسبت بعضا من طباعها وسلوكها، غير أنه لم ينف بعض الإيجابيات التي تنتج عن توظيف خادمة جيدة تقية تخاف الله سيما إن قامت بتعليم ابنته أهم الأمور كالصلاة فهي تقلد مربيتها ذات الخمسين سنة في أداء هذا الركن. من جهة أخرى هناك حنان الأم الذي يغيب في هذه المعادلة فشعور كهذا غير متوفر لدى أغلب الأطفال الذين تسهر على تربيتهم خادمات، مما يجعل الطفل يتعلق بها في ظل غياب الحنان الكافي من الأم ومما لا شك فيه أن لذلك آثارا سلبية على الأبناء والآباء وقد أدى فتور العلاقة بين نجية وطفلها إلى أزمة نفسية حادة تقول محدثتنا نجم عنها أن ابنها صاحب ال 13 شهرا ينفر منها ويبكي حين تضمه إليها بينما يهدأ بمجرد رؤية الخادمة. لا عجب إن تعلق أبنائي بخادمتهم أو مربيتهم فهي من تسكتهم حين يبكون وهي من تطعمهم حين يجوعون، إنه اعتراف من هذه السيدة فابنتها ذات الثلاث سنوات لا تهدأ لها سكينة أيام عطلة الأسبوع فالبرغم من أن الأم جعلت الخادمة كمساعدة لها في بعض الأمور المنزلية، ومعينة لها في تربية البناء، غير أن اجتهادها لم ينفع وغيابها عن المنزل أجهض كل مجهوداتها..