أتساءل هل فعلا، تذمر الجزائريون من العروض الإفريقية، هل فعلا استاء الشباب من الرقصات الإفريقية، ... هل فعلا حصل كل القيل والقال الذي تداولته بعض وسائل الإعلام التي غالبا ما تجعل من ''الحبة قبة''، ... وإن حدث فعلا ما جرى تداوله، بأن ''أحد الشباب الطائش اختطف فتاة إفريقية وجرى هاربا بها''، فإنني لا أعتقده بالحدث العظيم والخطير لهذه الدرجة، وكما يقال: ''واحد يفسدها على ,''100 إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تهويل الأحداث إلى درجة إفساد العرس الثقافي برمته.... فالاستعراض جرى في جو طبيعي، منظم وبهيج، واعتقد أنه أسر الجميع وإلا فكيف نفسر الحضور العريض للعائلات التي اصطفت من وسط البريد المركزي وحديقة صوفيا إلى غاية ساحة الشهداء وملعب الشهيد فرحاني بباب الواد. عاشت على إثرها شوارع العاصمة برمتها استعراضات ضخمة ل 53 شاحنة ممثلة لدول الاتحاد الإفريقي... ، وقال لي أحدهم ممن حضر الاستعراضات، أنه حضر الافتتاح الشعبي ولم يسمع عن أي تذمر وإنما كان هناك انبهار بالثقافات الإفريقية، مؤكدا أن ما تداولته الوسائط الإعلامية لم يكن سوى مجرد أخبار مغلوطة، يسعى أصحابها إلى التهويل قائلا: ''حضرنا وتابعنا ولم نلحظ استياء مقلقا لهذه الدرجة". الحقيقة أن هناك ربما من سيتذمر،... وهناك من سيعجب ويطرب... وهناك من سوف لن يهتم البتة... فلا أحد غصب الذين لم يعجبهم الاحتفال بأن يصطفوا لرؤية المواكب...الراقصة... وهي رغم عري الراقصات لا تثير الغريزة ... لأنها تشبه الطقوس والتقاليد المتعارف عليها منذ القدم لدى الأفارقة، والتي شاهدناها أكثر من مرة سواء من خلال العروض الوثائقية، أو الأفلام السينمائية، ... وهي في الأغلب موسيقى روحية...على عكس الكثير من قنوات العهر.. التي تمولها رؤوس أموال عربية.... العروض الإفريقية التي ربما لقيت استياء البعض، جاءت في إطار الاحتفال بانطلاق فعاليات المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني الذي نظمت الجزائر طبعته الأولى سنة 1969 في عهدة الرئيس الراحل هواري بومدين فحملت آنذاك شعار التحرر ومساندة الشعوب الإفريقية المضطهدة كونها خرجت من تحت وطأة الاستعمار المدمر، وها هي الجزائر اليوم بعد 40 سنة كاملة من الفراق، تعود لتحتضن من جديد الوفود الإفريقية، رافعة شعار النهضة و'' إعادة ميلاد إفريقيا'' تعبيرا عن مستقبل جديد لكل شعوب إفريقيا. ولقد أكّد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة رغم المأساة التي حلت به على إثر وفاة السيدة والدته تزامنا وانطلاق الحدث الثقافي الإفريقي، ''أنّ مدينة الجزائر وهي تحتفي بإفريقيا وبجميع تجلياتها تعيد ابتكار الوعي بهويتنا وبانفتاحنا على العالمية ومن ثمة فإنّ إفريقيا التي تشكّل جزءا من العالم لابدّ كذلك أن تحمل العالم في حناياها''، موضحا أن المهرجان ''ليس حدثا احتفاليا عظيما فحسب بل هو ترجمة للإرادة السياسية في السير قدما بالقارة الإفريقية''... فكيف للأفارقة أن يستغربوا أو يتذمروا أو يستهجنوا أفارقة، أو لسنا نحن أيضا أفارقة من صميمنا، وهويتنا واضحة وجلية. وإنه لفخر كبير لنا نحن الجزائريين أن نكون من بين الدول المميزة في مجال احترام هذا التنوع، وهو ما أكده وزير الثقافة السوداني الذي استشهد بوقوف الجزائر دولة وشعبا مع شعوب القارة الإفريقية إبان مجهود التحرر من ربقة الاستعمار دون أن تنظر في ذلك لا للون و لا للدين ولا للعرق، فاحتضان الجزائر لهذا المهرجان ''هو تأصيل وتأكيد لموقف موجود و راسخ في الجزائر''، ألسنا نحن الجزائريون من تقاسمنا شوارعنا مع جميع شعوب العالم، فلا الصينيون أزعجونا وهم يحتلون محلاتنا التجارية، ولا الفلبينيين أقلقونا وهم يشتغلون في مشاريع البناء والسكن، ولا التركيين كذلك فعلوا، بل قلب الجزائري أكبر من ذلك وبكثير....