قيمة الأشياء حسب ما يقوله المنطق تكمن فيما تكلفنا.. وأيضا في مدى جدواها ومقدار ما تقدمه لنا من نفع ومردود إيجابي.. لو أخذنا مثلا الفعل الإبداعي والكتابة الروائية بالأخص وأردنا استخلاص فائدته ودوره في حياة الإنسان والحياة بكامل عناصرها هل سنخلص إلى نتيجة مفيدة تمكن الأدب والفن الروائي عامة من تحقيقها؟.. الممسوسون بهمّ الكتابة، والمكابدون لضنى الإبداع لهم نظرتهم وفهمهم وموقفهم من هذا الموضوع.. وهم وحدهم يعرفون ما الذي ينشدونه من الكتابة الرواية. سبق وأن استطلعنا في الموعد الثقافي الأسبوعي لجريدة ''الحوار'' رأي الكتاب والمبدعين في هذا الموضوع وجاءتنا مجمل الإجابات ناضحه بنفس الوجع مشبعة بذات الغموض والتعقيد.. المبدع وهو بصدد ممارسة فعل الكتابة يخيّل إليه أنه باتجاه الحقيقة والوضوح ويحس أنه قيد التخلص من أسئلة حيرة العثور على سمات جمالية ومعاني إنسانية يقنع بها الوجود ألا يبدع أكثر في ضياعه وخوفه.. وأن يمنحه شيئا من القوة على فهمه ومواجهته. وثمة من يشعر من خلال ممارسة فعل الكتابة أنه بصدد القيام بواجب الإنسانية فيه، مثلما أعرب الأديب بشير خلف في رده على سؤال الكتابة الذي طفنا به على كوكبة من مبدعين في العدد السابق من الموعد الأدبي.. هو رد على بساطته العميقة يختزل جوهر الكتابة.. لا أحد ينكر أن الفن يخالف العلم في كونه يستهدف الإنسان كموضوع أساسي ونهائي.. إنسانية الإنسان وحدها قوام العملية الإبداعية والفنية، وإن كانا يشتركان في محاولة فهم هذا العالم والعمل على إحداث تغييرات عليه.. والفن الروائي بالذات وعلى استهانة البعض به وتصنيفه ضمن النشاطات اللامجدية واللاجالبة لأي مكسب مالي أو نفع معنوي، فهي مكرسة للكشف والفضح والإبراز والتثمين والتبشير والتخذير والهدم والبناء .. هذه الأوصاف تنسحب طبعا على الأعمال الروائية الناجحة، والتي بقدر ما تسعى لتجسيد أهداف جمالية وفنية تنطق بمواجع النفس الإنسانية، وتخوض في انشغالاتها الحياتية وتساؤلاتها الوجودية الماورائية.. كما يلعب الأدب الروائي والقصصي والشعري، دورا هاما في جعل الحياة الديمقراطية والاجتماعية في حالة صحية تؤهلها لتحقيق رغبات إنسان العصر، الذي يبدو أنه على درب الإيمان بأن الرواية جنس أدبي له موهبة الكلام باسمه.