تتوسط منطقة محطة القطار بلديتي أولاد الشبل وبئر توتة بمسافة 3 كيلومتر عن الأولى و 2 كيلومتر عن الثانية، كما يدل عنها اسمها هي محطة للقطار تحولت مع مرور الزمن إلى منطقة سكنية تأوي 43 عائلة، كل شيء فيها يؤهلها لأن تكون قطبا للأمراض والأوبئة والآفات الاجتماعية حينما هجرتها الإصلاحات والمشاريع التنموية، ما جعل البطالة والفقر النصيب الأكبر لمعظم سكانها. (الحوار) زارت المنطقة في محاولة لنقل أوضاع اجتماعية لمجمع سكني بات يشكل خطرا على الصحة العمومية. المسافر في قطار الجزائر- البليدة وعبر محطاته المختلفة كلما واصل في التقدم يلمس مظاهر تعكس وجها آخر لضواحي المدينة، لعل أولاها محطة السمار أو كما أوضح لنا مرشدنا في الجولة ''جمهورية السمار'' التي يزاحم فيها سكانها المفرغة العمومية، وجعلوا منها مصدر رزقهم الرئيسي ببيع ما قد تجود عليهم به أكياس من كل الألوان والأحجام، تخلصت منها العائلات الميسورة وهي القلة القليلة من السكان بصفة نهائية لتحتضنها وتقتات منها القاعدة العريضة والفقيرة، ففي رمشة عين صارت مقصورات القطار الذي كنا نستقله خاوية على عروشها، وعلمنا أن جميع من نزلوا هم من مواطني هذه الجمهورية التي يحرّم دخولها على كل أجنبي تلك هي قوانينها. عاود القطار مسيرته وعاودنا معه تأمل أوضاع السكنات المتواجدة على جنبات الطريق، ونحن نفكر فيما ستكون عليه الأوضاع الاجتماعية والصحية لسكان وجهتنا المنشودة، فالأوضاع تبدو للرائي أنها تتدهور من سيء إلى أسوء كلما تقدمنا أكثر. 43 عائلة تواجه مصيرا مجهولا توقف القطار في مفترق طرق لا ينم عن أنه محطة قطار، حتى أشار مرشدنا أننا بلغنا وجهتنا المقصودة نزلنا، كان المكان شبه خال من الحركة ماعدا السيارات التي تقطع السكة الحديدية للوصول إلى الجهة الأخرى. مشينا في طريق مهترئة غير معبدة، نكاد لا نجد بقعة سليمة نضع فيها أقدامنا، لم تكن المسافة طويلة إلى الحي فلا تكاد تتجاوز 100 متر، إلا أننا أمضينا أكثر من الوقت المفترض لعبورها. لم نكد نشرف على مدخل البيت الأول حتى وجدنا أنفسنا محاطين بمجموعة كبيرة من الأطفال نشرت خبر وجود أجانب بالمنطقة، فهنا الجميع يعرف بعضه البعض وحتى زوارهم من الوجوه التي ألفوها وليس صعبا عليهم تمييز الزوار الجدد، شعرنا للوهلة الأولى وكأننا في زمن ظهور السيارات أين يسارع الأولاد الصغار إلى تتبع أي سيارة تدخل حيّهم.استقبلنا أهل الحي بحفاوة لا يمكن وصفها، وكأننا مسؤولون كبار في الدولة في زيارة رسمية ستخرجهم من وضعهم المأساوي، فبمجرد أن قدمنا دليلنا والذي يعد ابن الحي هو الآخر على أننا من الصحافة، لم تسع الكلمات السكان للتعبير عن مشاكلهم التي باتت لا تعد ولا تحصى وتفاقمت حدتها إلى درجة التهديد بصحتهم وبصحة أبنائهم منذ أكثر من 20 سنة لم تهتم لها السلطات المسؤولة متحججة بعدم الاختصاص الإداري، فبلدية أولاد الشبل لا تعترف بانتماء المنطقة لها من ناحية التقسيم الإداري، وكذلك هو حال بلدية بئر توتة وتبقى كل بلدية تعمل على تبرئة ساحتها من تحمل مسؤولية حي محطة القطار، علاوة على ما تسبب فيه هذا الاختلاف من مشاكل للنساء الحوامل لحظة الوضع فمستشفى بوفاريك لا يتقبل استقبالهن باعتبار المنطقة غير تابعة إلى دائرة اختصاصه، ومن ثم تتخبط الواحدة منهن في رحلة الذهاب والإياب بين المستشفيات إلى أن تحن قلوب المسؤولين على إحداها، كل هذه المشاكل على قدر حدتها إلا أنها لم تجد الآذان الصاغية من رؤساء البلديات المتعاقبين، ليبقى السكان يواجهون المصير المجهول من ناحية، والمعروف من ناحية أخرى على حد تعبير أحد السكان، فكلهم يعرفون حق المعرفة أنه لا مفر لهم من أخذ كل واحد منهم نصيبه من الأمراض و الأوبئة والآفات الاجتماعية. مرحاض لكل 4 أو 5 عائلات بدأنا جولتنا من أعتق بيت في المحطة، يعود تاريخ إنشائه إلى القرن التاسع عشر وتحديدا لسنة 1882 حسب ما كتب على حجر أساسه المتواجد بفنائه خالتي حورية وبناتها وزوجها من أقدم السكان، بقضائها 70 سنة من حياتها هناك، عاشت خلالها أسوأ حياة يمكن وصفها، من الناحيتين الاجتماعية والصحية على حد تعبيرها، فالمنزل متكون من غرفتين فقط لا تحتويان على نوافذ، وفناء صغير به حنفية أكلها الصدأ بعدما لم تجر المياه بها لفترة طويلة، فصارت من الديكور التاريخي للمنزل، شأنها شأن البئر الذي أقدمت السلطات المحلية على ردمه، حاجبة بذلك نعمة التمتع بمياهه الباردة والنقية على العائلة وبقية السكان، كما قالت خالتي حورية وهي تفرغ قلبها ل (الحوار). منازل سكان محطة القطار تشبه في مظهرها الداخلي والخارجي السكنات القصديرية الفوضوية لافتقادها أدنى شروط العيش الكريم ، وأول سؤال تبادر إلى ذهننا كان المراحيض، حيث لاحظنا وجود مرحاض كلما مشينا بين 4 منازل أو ,5 سألنا السكان فردوا أن تلك هي حالهم منذ سنوات عدة، نظرا لضيق مساكنهم فلا تستطيع العائلة الواحدة بناء مرحاض خاص بها، ويمكن بالتالي تصور الأمراض الناجمة عن الاستعمال الجماعي لهذه الأمكنة ناهيك عن كسر جدار الحياء. مياه غير صالحة للشرب ...وأوبئة الماء لا يعد مشكلتنا الوحيدة لكن الأولى حسب ما أكده أفراد عائلة خالتي حورية، فلقد تعودنا على شرائه مرة كل أسبوعين ونضطر للتقشف في استعماله تحسبا لحدوث تأخيرات في مواعيد البيع، فكثيرا ما تنسانا السلطات المحلية فنقوم بأنفسنا بطلب الإمداد حتى لا تتدهور نظافة منازلنا وأجسادنا، وقالت خالتي حورية أن هذه المياه غير صالحة للشرب ما يجبرنا على اقتناء المياه المعدنية لاستعمالها للطبخ والشرب، ومع قلة الحال، لا تجد غالبية العائلات الفقيرة من حل لإطفاء عطش أبنائها سوى تركهم يشربون منها متسببة بذلك في إصابتهم بالأمراض المتنقلة عبر المياه كالحمى والإسهال وغيرها من الأمراض التي صارت محتمة عليهم، وصارت أجسادهم الهزيلة قادرة على مقاومتها بعدما كيفت أجهزتهم المناعية نفسها للتعايش مع الفيروسات والميكروبات. 60 طفل محكوم عليه بالأمراض المزمنة وهم يرافقوننا في جولتنا بدت على أجساد أطفال الحي الذين يقدر عددهم بستين طفلا وفق ما دلنا عيه مرشدنا، آثار وندبات لحبوب وأمراض جلدية لمن شفوا منها، وتقرحات وتقيحات على آخرين، فقيل لنا أن الأمراض الجلدية شيء مألوف على بشرة هؤلاء الأطفال فلسعات بعوض المنطقة تترك آثارها البشعة على المدى الطويل، وما يفتأ أن يشفى جزء من الجسم إلا وتأثر آخر بالمياه القذرة المنبعثة من قنوات الصرف الصحي شبه المنعدمة. الروائح الكريهة المنبعثة من البالوعات تشعرك وأنك تمر بوادي الحراش أو مفرغة السمار، تلعب هي الأخرى دورها في الحكم على تلك البراءة بالإصابة بالحساسية ومختلف الأمراض التنفسية التي تفوق في خطورتها الإصابات الجلدية، خاصة وأن المنطقة منعزلة لا تتوفر على وحدات علاجية، فيواجه الأطفال المرضى خطر الموت اختناقا قبل الوصول إلى أقرب مستشفى. يسبحون في المياه القذرة وإذا كانت حال الأطفال الصحية كذلك فإن حال الكبار لا تختلف عنها كثيرا، فلدى معاينتنا لسكناتهم اتضح أنها شيدت فوق قنوات الصرف الصحي، التي تجعل من منازلهم في فصل الشتاء وكلما امتلأت، مسابح من المياه القذرة، يضطرون للسباحة فيها للخروج على بر الأمان، فترتفع نسبة الإصابة بالأمراض الصدرية والتنفسية والروماتيزم. السباحة في المياه القذرة صارت موعدا يتأهب له جميع السكان كلما جادت السماء بقطرات من الماء بخيرها فتتحول نقمة على السكان، الذين يمضون ليال بيضاء تحسبا لأي طارئ. والمخدرات تنخر شبابها ''مصطفى دليخ'' أحد السكان أصر على إدخالنا بيته الذي يأوي 7 أفراد في حين لا يصلح ليكون غرفة لشخص واحد، قال أن الأوضاع التي تعيشها 43 عائلة، وّلدت مختلف أنواع الآفات الاجتماعية وعلى رأسها تعاطي المخدرات وما ينجر عنها. فحالة الضيق تدفع بالشباب والمراهقين للتخلي عن أماكنهم لشقيقاتهم ويمضون هم لياليهم في الخارج فاتحين المجال للمخدرات، هروبا من الشعور بالواقع، غير مدركين أنهم يدفنون أنفسهم أكثر فأكثر في دوامة لا خرج لهم منها. زلزال 21 ماي أفاض الكأس كل المعاناة التي يعيشها السكان منذ 20 سنة، ضاعفت من حدتها نتائج زلزال 21 ماي ,2003 بعدما انهارت أسوار المنازل وأسقفها ولم يتمكن سكانها من تصليحها، فبدل أن تتوقف مشاكلهم على محاربة المياه القذرة صارت مزدوجة في مواجهة الحر صيفا و البرد شتاء، ما جعل جلّ كبار السن من السكان يصابون بالروماتيزم ويشكون السعال الحاد الدائم، فليس بإمكانهم الاستفادة من التدفئة لانعدام غاز المدينة، والانقطاع المتكرر للكهرباء يوميا، لتصبح بذلك المنطقة معزولة تمام عما يحدث خارجها.