ورد لفظ (الإخبات) في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع هي؛ قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (هود:23) وقوله سبحانه: {فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين } (الحج:34) وقوله عز من قائل: { وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم } (الحج:54) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ( رب اجعلني لك شكَّارًا، لك ذكَّارًا، لك رهَّابًا، لك مِطواعًا، إليك مخبتًا، لك أوَّاهًا منيبًا ) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي ، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إنَّا نسألك قلوبًا أوَّاهة مخبتة منيبة في سبيلك ) رواه الحاكم . وقال المفسرون في تفسير قوله تعالى: {وأخبتوا إلى ربهم } أي: أطاعوا ربهم أحسن طاعة، وتواضعوا لأمره بامتثاله؛ وأيضًا فُسِّر قوله تعالى: { فتخبت له قلوبهم } بأنه التواضع، أي: فيستقر الحق في قلوبهم فيخضعوا له، ويستسلموا لحكمه، كما قال تعالى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام: { قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } (البقرة:260) . وكما ترى، فإن مصطلح (الإخبات ) يفيد معنى الخشوع، والخضوع، والتواضع، كما يفيد معنى الهبوط، والنزول؛ وهو على ارتباط وثيق بهذه المعاني كلها، فيشترك معها في كثيرٍ من الدلالات اللغوية، وإن كنا لا نعدم فرقًا طفيفيًا بين كل واحدٍ منها، كما تفيد بذلك كتب الفروق اللغوية . ولك أن تلاحظ - أخي القارئ الكريم - أن الآيات والأحاديث السابقة، والتي ذُكر فيها لفظ ( الإخبات ) أن هذا اللفظ قد جاء فيها مضافًا إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يأتِ في القرآن الكريم ذِكْرٌ لهذا اللفظ مضافًا لغير الله تعالى؛ بينما جاء لفظ ( التراحم ) و( الذل ) وصفًا مضافًا للمؤمنين، قال تعالى: {رحماء بينهم (الفتح:29) وقال جل علاه: { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } (المائدة:54) ويمكن أن يُستفاد من هذا المَلْحَظ، أن مصطلح ( الإخبات ) ليس تواضعًا فحسب، وإنما هو تواضع مع انقياد؛ ف ( الإخبات ) لله هو التواضع له سبحانه، وذلك يكون بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، وتعظيم شرعه، والذل والخضوع بين يديه، وتحكيم شرعه في مناحي الحياة كافة، مع القبول والتسليم بكل ما شرع .