هي صورة كانت بمثابة لسان حال سجناء المؤسسة العقابية الكائنة على بعد 2 كلم من مقر البلدية بابار جنوب عاصمة الولاية خنشلة بنحو 30 كلم حيث يقع سجن بابار المركزي المصنف كأكبر سجن على المستوى الوطني، ويتربع على مساحة إجمالية تقارب 30 هكتارا منها 07 هكتارات مبنية مقسمة إلى عدة أجنحة، الإدارة والورشات والخدمات وجناح إقامة السجناء وحي لسكنات الموظفين ومحيط فلاحي يصل إلى 20 هكتارا. ------------------------------------------------------------------------ السجن.. الرعب.. الأسطورة ------------------------------------------------------------------------ تمكنا من اختراق السور الخارجي لهذا السجن الضخم وتجاوزنا أبوابه المقفلة حيث يحرسها حراس مكلفون بالأمن الذين رحبوا بنا كإعلاميين، وكان برفقتنا السيد نائب المدير '' زمورة مصطفى '' الذي حرص على تدعيم استطلاعنا هذا الذي اخترناه نتيجة الأحاديث التي جعلت منه أسطورة من العذاب والرعب إلى درجة وصفه بغوانتانامو الجزائر وأبو غريب وقندهار، وبعد مرور الوقت بعد أن تم تجهيزه وترقيته في إطار النظام الجديد لإدارة السجون وتطبيق قوانين جديدة للوقاية والإدماج وإعادة التأهيل، تحولت هذه المؤسسة إلى ما يشبه مدينة كاملة متكاملة تتمتع بكل المرافق الضرورية والكمالية التي تحقق للسجناء والعمال والموظفين والحراس والإدارة والزائرين على حد سواء جميع شروط الحياة الكريمة. '' الحوار '' أول جريدة تقتحم أسوارها وتطوف في أرجائها لتنقل في شفافية واضحة بعض اعترافات النزلاء بعد أن فتحت لها الأبواب الحديدية الضخمة وسمح لها بالتجوال بكل حرية عبر جميع أجنحتها ومرافقها والجلوس إلى سجنائها بمن فيهم المحكوم عليهم بالإعدام والمؤبد و20 سنة وما دون ذلك، لنقل كل ذلك بكل أمانة إلى الرأي العام في كل أرجاء الوطن. ------------------------------------------------------------------------ إعادة تربية.. وإعادة تأهيل ------------------------------------------------------------------------ بمساعدة نائب مدير المؤسسة الذي كان حريصا على دعم استطلاعنا بكل ما من شأنه أن يصحح نظرة المجتمع العريض لهذا المرفق الحساس للوصول إلى قناعة أن ما يزيد عن ألفي سجين مهما كانت درجة عقوبتهم بالأمس واليوم وغدا هم في حماية دولتهم، وقد وضعت تحت تصرفهم إلى يوم خروجهم كل طاقاتها ووسائلها المادية والبشرية للاستفادة من ظروف حسنة خلال فترة إقامتهم بما يضمن لهم مستقبلا أفضل وأرقى، والعودة بثقة إلى أحضان ذويهم ومجتمعهم لخدمة وطنهم دون تمييز. ففي مجال التربية والتعليم سجلت المؤسسة 775 متمدرسا خلال الموسم الدراسي المنصرم، منهم 476 في التعليم المتوسط و299 في التعليم الثانوي، أما في شهادة البكالوريا فقد تم تسجيل 171 مشارك على مستوى مركز الامتحان، منهم 111 من مؤسسة بابار وحدها والباقي من الولايات المجاورة، نجح منهم 14 مترشحا، أي نصف عدد الناجحين في الماضي، والسبب في ذلك يقول السيد: مصطفى نائب المدير إلى تطبيق نظام جديد صارم في الحراسة. أما فيما يخص شهادة التعليم المتوسط فقد تم تسجيل 187 ناجح، كما سجلت المؤسسة 31 طالبا تم قبول ملفاتهم لدى المراكز الجامعية، وكذا 47 مسجلا بجامعة التكوين المتواصل، وسجل أيضا 38 مشاركا في القسم التحضيري لجامعة التكوين المتواصل منهم 22 ناجحا، أما التكوين المهني فقد سجل 411 موزعين على جميع التخصصات في انتظار نتائج الامتحان. ------------------------------------------------------------------------ استفادة 30 سجينا ناجحا من عفو كلي ------------------------------------------------------------------------ تم إحصاء استفادة 30 سجينا من الناجحين في جميع المستويات من عفو كلي في انتظار حصص أخرى قريبا سوف تمس أعدادا أخرى منهم في إطار السياسة الجديدة، وقد تمكنت المؤسسة بفضل التطبيق الصارم لتعليمات الجهات الوصية من تحقيق نتائج غير متوقعة في جميع مستويات الحياة للسجناء على الرغم من نقص المؤطرين أو انعدامهم كليا للمتمدرسين من النزلاء في المتوسط والثانوي، وقد وضعت المؤسسة تحت تصرفهم دون تمييز 6 ورشات في جميع التخصصات المهنية و12 قسما للدراسة مجهزا بكل الوسائل البيداغوجية كالإعلام الآلي ووسائل أخرى حديثة بما فيها مكتبة تحتوي على آلاف الكتب في جميع مجالات المعرفة. كما تتوقع المؤسسة ارتفاع عدد المترشحين في جميع المستويات إلى الضعف خلال الموسم القادم نظرا للتحفيزات وتدابير العفو والإفراج المشروط التي تم تطبيقها لصالح السجناء الناجحين. ------------------------------------------------------------------------ الإعدام والمؤبد.. سر النجاح بتقدير ------------------------------------------------------------------------ وقد فضلت '' الحوار '' من جهتها استغلال رغبة الإدارة الممثلة في نائب المدير العام الذي أبدى تعاونا كاملا في نقل الصورة الصادقة لهذه المؤسسة إلى الرأي العام ليطلع بكل شفافية على النظرة الجديدة للدولة نحو هذه الشريحة من أبناء المجتمع ورغبتها الأكيدة في الإصلاح والترقية وحماية الوطن والمواطن الجزائري مهما كانت أخطاؤه. فضلنا عقد لقاءات مباشرة وصريحة مع بعض السجناء المتميزين منهم (عبد الكريم) 38 سنة من عين كرشة حكم عليه بالمؤبد سنة 2003 بتهمة القتل العمدي، تحصل مرتين على شهادة البكالوريا في الموسم الدراسي 2006 / 2007 وفي دورة جوان المنصرم في شعبة آداب وعلوم إنسانية بتقدير جيد، وقد تم تحويله إلى سجن بابار من بسكرة في إطار التقرب العائلي، يقول وقلبه مفعم بالأمل في رأفة رئيس الجمهورية به وبابنه سفيان 12 سنة ليستفيد كغيره من المحظوظين بإفراج مشروط ليبدأ حياته ويعود إلى أحضان مجتمعه ويبدأ دراسته الجامعية، ويضيف: '' لقد ساعدني على النجاح والتفوق عدم وجود تمييز بين السجناء بهذه المؤسسة التي ساعدتني في التحصيل العلمي وكذا زملائي الكثيرين الذين استفادوا الآن من الإفراج المشروط '' . (ح. الطاهر) هو الآخر نجح في شهادة البكالوريا ثلاث مرات ويتابع دراسته الجامعية حاليا بامتياز، وكذا (ب. مراد) الذي حقق 4 نجاحات متتاليات في البكالوريا واستفاد من الإفراج المشروط، وقد نقلنا أيضا نداء السجين (د. عومار) كان قد حكم عليه بالإعدام بتهمة القتل العمدي واستفاد من تخفيض العقوبة إلى 20 سنة قضى منها 16 سنة كاملة تمكن من النجاح في البكالوريا 4 مرات متتاليات في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية، ويطلب وكله أمل في مستقبل جديد من فخامة رئيس الجمهورية إحاطته بعفو خاص لمتابعة مشواره الجامعي والعودة إلى أحضان مجتمعه لخدمته وخدمة وطنه. ------------------------------------------------------------------------ مؤبد.. و18 سنة من التعلم ------------------------------------------------------------------------ من خلال هذا الاستطلاع سجلنا حالة نادرة غريبة أخرى مع السجين (ت. السعيد) صاحب 61 سنة محكوم عليه بالمؤبد بتهمة القتل العمدي، وقد بدأ مشواره الدراسي من السنة الأولى أساسي إلى غاية ترشحه في الموسم الماضي لشهادة البكالوريا ولم يفصله عن النجاح سوى نقطة واحدة. وحالة أخرى أكثر خصوصية وأشد تأثيرا مع السجين (ب. مبروك) 37 سنة حكم عليه بالمؤبد وقد استفاد من تخفيض العقوبة إلى 20 سنة، بدأ هو الآخر تعليمه بالمؤسسة من المستوى الابتدائي إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا في جوان المنصرم بتقدير مقبول، ولم يبق له من العقوبة سوى 40 شهرا لذا فهو يوجه نداءه إلى ذوي القلوب الرحيمة وإلى رئيس الجمهورية لمساعدته في تخطي عقبة الإفراج المشروط والمتمثلة في مبلغ 40 مليون سنتيم كتعويضات مدنية لأهل الضحية والتي وقفت سدا وحاجزا أمام حريته وخروجه ليبدأ حياته الجديدة ويواصل دراسته الجامعية ليصبح يوما ما طبيبا. هو نفس النداء الذي رفعه السجين (ع. أحمد) المحكوم عليه بعقوبة 15 سنة سجنا نافذا عن تهمة القتل العمدي نجح هو الآخر في البكالوريا وسجل في معهد الطب بباتنة ويرجو من رئيس الجمهورية الرأفة به ومنحه الفرصة ليبدأ حياته الجديدة ويحقق حلمه بأن يصبح طبيبا مشهورا. ------------------------------------------------------------------------ سجن... واكتفاء ذاتي في المنتجات الفلاحية ------------------------------------------------------------------------ مع نداء هذا السجين الأخير حضرنا جانبا من حصة خاصة بالفلاحة بالنظر إلى التعداد الكبير للأفراد داخل المؤسسة من مساجين وحراس، إذ يقارب العدد الإجمالي نحو 2000 فرد، فقد تلقوا دروسا في الإرشاد الفلاحي تحت إشراف مهندس فلاحي من مركز التكوين المهني المتخصص بخنشلة، مما مكنهم من تحويل مساحة 20 هكتارا إلى مزرعة نموذجية تضم بيوتا بلاستيكية، ومساحات تم حرثها مخصصة للزراعة الموسمية، وتنتج المزرعة التي طفنا بها الفلفل والثوم والسلطة وكذا الطماطم إلى جانب كميات كبيرة من مادة البطاطا التي حققوا الاكتفاء الذاتي فيها، ونظرا لكثرة المنتوج يجري التفكير في تدعيم مؤسسات الوقاية عبر التراب الولائي بهذه المادة ناهيك عن استغلال المنتجات الأخرى والتي ساهمت في خفض المصاريف باعتبارها منتجة محليا كالمخبزة المتواجدة داخل المؤسسة التي يعمل فيها عدد هائل من السجناء. ------------------------------------------------------------------------ .. إغراءات الزنزانة ------------------------------------------------------------------------ ومن خلال معاينتنا السريعة لأوضاع هؤلاء المساجين والمحيط الذي يعيشون فيه يتبين للزائر أن هؤلاء النزلاء بأحسن حال من حيث الرعاية الصحية الكاملة، حيث أن العديد ممن حاورناهم دخلوا بأمراض مزمنة ومستعصية ولقوا الرعاية الصحية الكاملة وتم شفاؤهم من أمراضهم التي كانوا يعانون منها بحكم توفر الرعاية الخاصة مع توفير أطباء مختصين ونفسانيين لهذا الغرض. ويرى بعض المساجين ممن كان لنا حديث معهم عن أسباب الهجرة أن الذين يفكرون في ''الحرقة'' مخطئون جدا لأنهم لم يعودوا يبصرون ولو رأوا ما نراه لما فكروا للحظة في تخطي البحار نحو مصير مجهول وقد ينتهي حتما إلى الموت، وأن الجزائر تتسع للجميع ولا تبخل على أبنائها إلا ما بخلوا به هم على أنفسهم على حد تعبير بعض السجناء نقول لهم ارجعوا عما أنتم مقدمون عليه، لأنه لا يوجد وطن أحلى وأجمل من الجزائر. على هذه الكلمات ودعنا هذا العالم الغريب وتمنينا لو قضينا فيه مدة أطول لنحتك فيه بهؤلاء الشباب مباشرة ونعيش جزءا من يومياتهم الطويلة لأخذ مشهد كامل وشامل وواسع نلمس من خلاله ونصور كل صغيرة وكبيرة من جميع المساجين الذين بلغوا عند تاريخ هذا الاستطلاع المتميز أزيد من ألفين وهو ما تمنيناه أن يحصل في الموسم القادم عندما تسجل المؤسسة رقمها القياسي في عدد الناجحين في البكالوريا وفي غيرها من المستويات حسب تقديرات نائب المدير العام الذي يستحق منا كل الشكر على مساعدته لنا ودعمه لإخراج هذا الاستطلاع.