سجناء نجباء لا تنقصهم من الحياة الكريمة سوى الحرية على بعد 2 كلم من بلدية بابار شبه الصحرواية جنوب عاصمة الولاية خنشلة نحو بوابة الصحراء الزيبان بسكرة يقع سجن بابار المركزي المصنف وطنيا كأكبر سجن على الإطلاق من حيث المساحة وطاقة الاستيعاب التي تتخطى عتبة3 آلاف سجين من مختلف جهات القطر 7 هكتارات منه مبنية و20 هكتار ساحات ومحيطات فلاحية. من دهاليز و زنازين مظلمة...الى مركب مفتوح للتعليم عرف هذا السجن الضخم في السنوات الأولى من تدشينه رسميا نهاية القرن الماضي محل انتقادات لاذعة واتهامات خطيرة وأحاديث شتى حول انتهاكات وتعذيب جعلت منه أسطورة من العذاب المقيم والجحيم الدائم الى درجة وصفه بغوانتانامو الجزائر وأوغريب وقندهار إلا انه لم يعد كذلك في السنوات الاخيرة وأصبح بعد ترقيته وتجهيزه وتطبيق التوجه الجديد للدولة في تهيئة شريحة نزلائه من المحكوم عليهم لفترات طويلة وصولا الى المؤبد وتحضيرهم للاندماج بصورة أفضل في المجتمع . وقد دلت على ذلك النتائج المسجلة لهذا الموسم الدراسي حيث تم إحصاء 14 ناجحا في شهادة البكالوريا كما تم تسجيل 31 سجينا ممن نالو الشهادة لهذا الموسم فضلا عن إحصاء 157 ناجحا في شهادة التعليم المتوسط و411 سجينا في مختلف التخصصات المهنية التي فتح لها 6 ورشات و 12 قسما دراسيا داخل مجمع إقامة السجناء.حيث استفاد بموجب ذلك 30 سجينا من الإفراج والعفو الكلي. سكان بابار وقصة الواقع الجديد...مع السجن ،السجناء والزوار و قبل الخوض في تجربة السجناء مع مختلف الشهادات التعليمية وجب علينا التطرق الى طبيعة سكان بلدية بابار سيما و انه بمجرد ان وطأت اقدامنا البلدية راودنا شعور بمقاسمة السكان جزء من يوميات النزلاء نظرا لانعكاس تواجد هذه المؤسسة العقابية بالمنطقة و فرضها نمط معيشي معين في ظل الانقلاب الكلي في ثقافة المعاملة مع فتح أبواب السجن وتدفق عشرات المئات من السجناء من كل جهات القطر وقوافل السيارات الامنية الخضراء والزرقاء ذهابا وإيابا في كل يوم ومئات أخرى من السيارات المرقمة بعدد ولايات الوطن تحمل زوارا من جميع المناطق حيث تضاعفت سيارات الأجرة وتحول العشرات من المواطنين في المدينة الى ممارسة النقل ورواج التجارة كما نما لدى المواطنين روح التضامن بعد أن واجهوا دفعات ليلية من المفرج عنهم حيث يضطرون إلى إيوائهم وفتح أبواب منازلهم ليلا لاستقبالهم وضمان أمنهم قبل أن يتوجهوا إلى بيوتهم وعائلاتهم عبر ولايات الوطن في اليوم الموالي. من الإعدام إلى المؤبد إلى الإفراج... المؤقت و الحرية ''النهار'' أول جريدة تقتحم سجن بابار العظيم و تتخطى أسواره وأبوابه الحديدية الضخمة المحصنة صورة شفافة واضحة المعالم بعد أن فتحت لنا الأبواب ومنحنا الفرصة النادرة في الجلوس إلى من كانوا قتلة وسفاحين ومجرمين من الدرجة الأولى بعد أن لقينا الترحيب والتعاون الكامل من إدارة السجن الممثلة في نائب المدير السيد مزور مصطفى و نحن نجتاز البوابة الرئيسية للسجن انتابنا احساس غاية في الغرابة باكتشافنا لمجتمع موازي للمعيشة الخارجية استفسرنا عن نتائج البكالوريا في طبعة 2008 فكانت سمة التحدي وكسر جدار الصمت أولى الملاحظات التي زودنا بها القائمين على السجن حول السجناء الحائزين على شهادة البكالوريا نلت ما عجز عن تحقيقه...شباب من خارج السجن أول من قابلنا السجين (غ عبد الكريم) 38 سنة من عين كرشة حكم عليه بالمؤبد بتهمة القتل العمدي تحصل للمرة الثانية على شهادة البكالوريا هذه السنة إضافة إلى تلك التي نالها سنة 2003 شعبة آداب وعلوم إنسانية بتقدير قريب من الجيد حيث تم تحويله برغبة منه من سجن بسكرة على سجن بابار في إطار التقرب العائلي يقول وقلبه مفعم بالأمل الممزوج بالأسى والحزن والندم على جريمة القتل التي اقترفها في ثورة غضب وخسر بها حريته وعائلته وزوجته وابنه ز أنا نادم كل الندم ولكني متمسك بالإرادة وعدم اليأس من الحياة على الرغم من الجرم الذي اقترفته وأزهقت به روح إنسان فقد ثابرت وصبرت وأنا راض بقدري وحققت ما لم يحققه شاب في سني خارج هذا السجن من النجاح في البكالوريا مرتين وأنا مصر على مواصلة مشواري لأعوض للمجتمع ما اقترفته ضده من أخطاء وأدعو كل الشباب إلى نبذ العنف والتخلي عن أسلوب الانتقام والإضرار بالوطنس وأبدى رغبته في أن يمنحه رئيس الجمهورية الفرصة بالإفراج المشروط ليلتحق الجامعة و يكمل مشواره الدراسي مصرا على تحقيق حلمه في نيل وإحراز شهادة دراسات عليا يثبت بها ما بدأه في 2003 من تحدي للظروف والقدر الذي دس به في قائمة سجناء بابار . أريد أن أصبح طبيبا أنقذ أرواحا...بعد ما كنت أزهقها السجين صاحب 4 نجاحات متتالية في شهادة البكالوريا المسمى (د عماد) صدر في حقه الحكم بالإعدام في جناية القتل العمدي استفاد من العفو بتقليص العقوبة إلى 20 سنة قضى منها 16 سنة كاملة يقول ''استطعت أن أتغلب على الجانب الأسود من حياتي وان أقضي نهائيا على الجانب الشرير من شخصيتي بفضل ملازمتي للكتب والمطالعة وإصراري على أن أعود إلى أحضان شعبي بروح ونفس جديدة'' حيث تمكن من الحصول على البكالوريا 4 مرات متتالية ويطمح ككل من التقيناهم داخل السجن في عفو خاص من رئيس الجمهورية لإكمال دراسته و التسجيل بمعهد الطب و هذا للتكفير على ما اقترفه من ذنوب و يصبح طبيبا ينقذ أرواحا بعد ما كان يزهقها. ومثله السجين (ح الطاهر) الذي نال شهادة البكالوريا ثلاث مرات واستفاد من الإفراج المشروط وتابع دراسته بامتياز حاليا في الجامعة نفس الشيء لزميله (ب مراد) حقق هو الآخر نجاحات متتالية في البكالوريا. 61 سنة من عمره يبدأ من الابتدائي وينال شهادة البكالوريا لفت انتباهنا شيخ في 61 من عمره كان ضمن الناجحين في شهادة البكالوريا لهذه السنة وأول ما اقتربنا منه و سألناه عن مشواره المتميز في بلوغه هذه الدرجة من النجاح أكد أنه عصامي ابتدأ من نقطة الصفر حيث استطاع أن ينتقل من الأمية والجهل بداية من المراحل الابتدائية ويعمل ويكد إلى غاية تحقيقه للنجاح في البكالوريا كما نقل عبر جريدة ''النهار'' صوته عاليا إلى كل مواطن ينعم بحريته خارج هذه الأسوار أن لا يفرط في هذه الحرية مهما كانت الظروف والمواقف والمفاجآت ومهما بلغ الظلم من أي ظرف كما يدعو كل الشباب أن لا يفرطوا في سنوات عمرهم هباء وأن يفعلوا قليلا مما أثبته بالإرادة و العزيمة حيث ويأمل إذا ما استفاد من عفو خاص أن يكمل دراسته الجامعية ويسجل سابقة في مقارعة الزمن. نجح في البكالوريا بامتياز ولا يفصله عن الحرية سوى مبلغ 40 مليون سنتيم وقد فصل السجين المتميز (ب مبروك) 37 سنة الذي حكم عليه بالسجن المؤبد في جناية القتل العمدي واستفاد بعد ذلك بتنزيل العقوبة إلى 20 سنة لم يبق منها سوى 40 شهرا يقول ''لقد تخطيت كل العقبات وقضيت كل هذه الفترة في السجن ولكن لم أستسلم واستطعت بفضل العزيمة وقوة الصبر والتحمل أن أنسى الماضي وأستعد دوما للمستقبل وقد تحصلت على شهادة البكالوريا مؤخرا وأريد أن أصبح طبيبا مرموقا وأوجه ندائي إلى جميع ذوي القلوب الرحيمة من اجل تخطي عقبة الإفراج المشروط والمتمثلة في 40 مليون سنتيم حيث أعاني من ظروف اجتماعية قاسية وصعبة ولا استطيع دفع هذا المبلغ الضخم والذي يقف عائقا أمامي للخروج إلى عالم الحرية وإكمال دراستي الجامعية''. وهو نفس النداء الذي رفعه السجين (ع أحمد) إلى رئيس الجمهورية ليمنحه الإفراج المشروط وقد نجح هو الآخر في شهادة البكالوريا وسجل في معهد الطب بمدينة باتنة. ومع هذا النداء الخير لهذا السجين ولغيره من السجناء المتميزين وحضورنا جانبا من حصة نموذجية لعملية المراجعة والمذاكرة والدراسة أمام أجهزة الإعلام الآلي من قبل شريحة السجناء ودعنا هذا العالم الغريب وتمنينا لو قضينا بينهم مدة أطول ليوم أو ليومين أو أكثر تحتك فيها بهؤلاء الشباب مباشرة ونعيش قسما من يومياتهم الطويلة لأخذ مشهد كامل وشامل وواسع ونلمس سر خلاله هذا الواقع الخفي لهذه الشريحة من المجتمع حيث بلغوا عند تاريخ هذا الاستطلاع المتميز أزيد من ألف سجين. و أخيرا وليس آخرا تيقنا أن المحكوم عليهم بالمؤبد يمكنهم أن يخوضوا تجارب أخرى مع الشهادات و التفوق العلمي من وراء القضبان فيمكن أن يشيب أصغر السجانين وأن يحال مدير المؤسسة العقابية بابار على التقاعد و يبقى مسلسل التحدي و تحصيل الشهادات مستمرا وهذا بفضل الشجاعة في مواجهة مصائب الزمن و الاستسلام لمكائد القدر. وهو ما تمنيناه أن يحصل في الموسم القادم عندما سجل هذه المؤسسة رقمها القياسي في عدد الناجحين في شهادة البكالوريا وفي غيرها من السنويات بحسب تقديرات وتوقعات نائب المدير العام الذي يستحق من كل الشكل لمساعدته ودعمه لنا لإخراج هذا الاستطلاع.