لا تزال الهوة في العلاقات بين تركيا و''إسرائيل'' تشهد اتساعًا غير مسبوق بعد الموقف الذي اتخذه رئيس الوزراء التركي، ''رجب طيب أردوجان''، بانسحابه من جلسة لمنتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا احتجاجًا على عدم السماح له بإكمال رده على مداخلة للرئيس الصهيوني، ''شيمون بيريز''، بشأن مبررات العدوان على غزة. وبالرغم من الضجة التي أثارها تصرف أردوجان وتنافس وسائل الإعلام الصهيونية في مهاجمة أنقرة ونسج الأكاذيب حولها والرد التركي عليها، فإن أيًا من الجانبين لم يتخذ تحركات ملموسة ضد الآخر حتى الآن. ونعرض فيما يلي تقريرًا إخباريًا لصحيفة ''الزمان'' التركية قدمت فيه نماذج لحملة الإعلام الصهيوني ضد تركيا، وإجابات عن السؤال الذي يتردد حاليًا بكثرة حول مدى الخسائر التي يمكن أن تلحق بكلٍ من أنقرة وتل أبيب من جراء صدع العلاقات. وجاء في التقرير: تواصل التقارير السلبية المتزايدة التي يصدرها الإعلام ''الإسرائيلي'' ضد تركيا من تأجيج النيران وتفاقم التوتر الراهن في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب فيما يبدو وأنه موسم مفتوح أعلنه المحللون والخبراء الإعلاميون ''الإسرائيليون'' ضد تركيا والمصالح التركية. وقال ''محمد سيف الدين إرول''، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جازي بأنقرة: إن أنقرة وتل أبيب يقومان بشن حرب نفسية منذ فترة. وأكد إرول على أن الإعلام ''الإسرائيلي'' طالما تبنى أيديولوجية حكومته في علاقاتها الخارجية؛ موضحًا أن المؤسسات الإعلامية ''الإسرائيلية'' يتم استخدامها من جانب حكومة ''إسرائيل'' كمفوض في حالة التوترات الواسعة. ولقد ذهبت التقارير بعيدًا إلى حد تلفيق رواية كاذبة عن معبد يهودي يقع في الشمال الغربي لتركيا أضرمت فيه النيران يوم الأحد. وأدحضت وكالة أنباء ''جيهان'' التركية الرواية التي ذكرتها صحيفة ''هاآرتس''- الصادرة باللغة الإنجليزية في ''إسرائيل''- معتمدة على مجموعة من المقابلات التي أجرتها مع زعماء الجالية اليهودية بمدينة بورصا التركية. وجاء في بيان صادر عن مكتب كبير الحاخامات، ''إسحاق حاليفا''، أنه لم يقع بالمدينة مثل هذا الحادث ولم يتعرض معبد يهودي لإضرام النار على يد مخربين كما ذكر مقال ''يوعاف ستيرن'' بصحيفة ''هاآرتس''. وأكد مراقبون أتراك أن مقال ''هاآرتس'' ليس إلا مثالاً واحدًا فقط من كثير ظهر بالصحافة ''الإسرائيلية'' مؤخرًا. وقد ظهر مثال آخر بصحيفة ''جيروزاليم بوست'' اليمينية المحافظة ذهب إلى أن أعداد اليهود الأتراك المهاجرين إلى ''إسرائيل'' من المنتظر أن يتضاعف هذا العام. وجاء في روايتها أن نحو 250 شخصًا من الجالية اليهودية التركية القوية والبالغ حجمها 25.000- مقارنة بنحو 125 العام الماضي- من المتوقع أن يهاجروا إلى ''إسرائيل'' هذا العام. وأشار المقال إلى أن العديد من اليهود الأتراك الراغبين في الهجرة كانوا من الطلاب أو من حديثي الزواج ممن يرغبون في الدراسة بالجامعات ''الإسرائيلية'' أو العيش في''إسرائيل''. العلاقات ''التركية- الإسرائيلية'' ونشرت ''جيروزاليم بوست'' مقالاً آخر يشير إلى أن ''إسرائيل'' ربما ترفض طلبات تركية لشراء أسلحة. وبحسب مصدر دفاعي رسمي اشترط السرية، قالت الصحيفة: إن الطلبات التركية التي تم تقديمها مؤخرًا لقسم منظمة مساعدة الدفاع والتصدير العسكري الخارجي التابعة لوزارة الدفاع (SIBAT) ستكون في حاجة إلى إعادة النظر بشأنها بناءً على التغيير في العلاقات السياسية بين القدسوأنقرة. وأوضح إرول أن ''إسرائيل'' هي التي يمكن أن تتعرض للخسارة في هذا التوتر نظرًا لكون أنقرة قد عددت مصادر مشترياتها الدفاعية منذ فترة ليست بالقصيرة. وقال: ''إن روسيا والصين وغيرهما من البلدان قد يكونون من يجلس على طاولة عطاءات وزارة الدفاع''. وقال أحد المحللين في تركيا: إن بلاده تبدو لديها أكثر من وسيلة ضغط ضد ''إسرائيل'' إذا ما تطرق الأمر للعقود العسكرية والدفاعية. على سبيل المثال، فإن تركيا قد تلجأ إلى إلغاء اتفاق يسمح لسلاح الجو ''الإسرائيلي'' بالتدريب والتحليق داخل المجال الجوي التركي. إلا أنه حتى الآن لم يتم اتخاذ أية إجراءات ملموسة ضد تل أبيب. وقد نقلت ''جيروزاليم بوست'' نفسها عن مسئول حكومي رفيع قوله: ''على الرغم من كل الأحاديث، لم يتم إلغاء أية مبادرات اقتصادية مشتركة بين الجانبين''. كما أضافت الصحيفة أن على وجه الخصوص، لا تزال الخطط ''الإسرائيلية- التركية'' لبنية تحتية مشتركة وممر للطاقة بين ميناء جيهان وميناء حيفا جارية. ووفقًا للصحيفة، فإن هناك على الأرجح شركتين ''إسرائيليتين'' سيلحق بهما الأذى جراء الانهيار في العلاقات وهما شركة ''الصناعات الجوية الإسرائيلية'' (IAI)، وشركة ''رافائيل للأنظمة الدفاعية المتقدمة''. ووقعت فروع لشركتي ''الصناعات الجوية الإسرائيلية'' و''أنظمة إيلبيت''، في ديسمبر، اتفاقًا بقيمة 140 مليون دولار لإمداد سلاح الجو التركي بحاويات التسديد أما شركة ''الصناعات العسكرية الإسرائيليةس (IMI) فقد أتمت مؤخرًا اتفاقًا قيمته 700 مليون دولار كانت قد وقعته منذ سنوات مع تركيا بهدف تحديث أسطولها المتقادم من دبابات M06 التابعة لسلسلة باتن. كما أن شركة ''الصناعات الجوية الإسرائيلية'' قد أمدت مؤخرًا تركيا بطائراتها المتقدمة طويلة المدى ''هيرون'' التي تعمل بدون طيار. ومع ذلك، فقد تأخرت ''إسرائيل'' في الوفاء بشروط العقود فيما يتعلق بتسليم الدبابات الحديثة وطائرات ''هيرون''. وقد كان هناك نقاش منذ فترة حول أن أنقرة في حاجة لإعادة النظر في هذه العقود وربما لإلغائها والشراء من مكان آخر. وأشار المقال كذلك إلى أن تركيا أيضًا يمكن أن تخسر صفقات تجارية مربحة مع ''إسرائيل'' تصل إلى ما يقرب من 4 مليار دولار سنويًا؛ يوجد 60% منها في صادرات تركيا إلى ''إسرائيل''. إلا أن هذا سلاح ذو حدين؛ حيث إنه يعني في نفس الوقت خسائر تقارب نحو 2 مليار دولار من الإيرادات التجارية بالنسبة ل ''إسرائيل''. وقالت ''جيروزاليم بوست'' إن تركيا ربما تفقد إيرادات السياحة العائدة من ''إسرائيل''. ومن المعروف تمامًا أن ''الإسرائيليين'' يُقلصون رحلاتهم الخارجية في أوقات الحرب وخاصة تلك الرحلات المتجهة إلى دول إسلامية حيث تكون فيها الاحتجاجات الواسعة ضد الاعتداءات ''الإسرائيلية'' أقوى من غيرها. ويلفت الخبراء الانتباه إلى أن ''إسرائيل'' لم تفقد فقط حملتها الدعائية بهجومها العسكري الأخير على غزة وتدفع ثمنًا باهظًا، بل إنها كذلك عرضت للخطر أمن وسلامة اليهود حول العالم بعد أن قدمت العذر للعناصر المتشددة التي على استعداد للاستفادة من المعاناة الإنسانية. وشدد الخبراء على أن الرأي العام ''الإسرائيلي'' ينبغي عليه أن يوجه اللوم لزعمائه ويحملهم مسئولية هذا الخطأ عن طريق تصعيد الانتقاد ضد صانعي السياسة الذين ألقوا بهم إلى ذلك الطريق الشائك. وقد حاول بعض المعلقين ''الإسرائيليين'' وضع تركيا في بؤرة الضوء والإشارة إلى أنها تتخذ جانب حركة حماس. الأمر الذي وصفه إرول بأنه حجة رخيصة تفتقر إلى الشفافية. وقد أدان مرارًا كل من رئيس الوزراء، ''رجب طيب أردوجان''، ووزير الخارجية ،''علي بابا جان''، هجمات نفذتها عناصر مسلحة من حماس ضد المدنيين ''الإسرائيليين''. وقال إرول: ''إن توقع موقف مغاير لذلك من القيادات التركية عندما يتعلق الأمر بالمدنيين على الجانب الآخر- أي الفلسطينيين- هو توقع خاطئ ببساطة، ويدل على غياب الأساس في المبدأ العالمي لقدسية حياة الإنسان''. وبالرغم من أن العالم شهد انتقادات للتصرفات ''الإسرائيلية'' من جانب عدد من المنظمات في ''إسرائيل'' وبالخارج، فإن الجاليات اليهودية، بما في ذلك تلك التي في تركيا، في حاجة إلى أن تصير أكثر جرأة في الحديث عن المأساة الإنسانية التي أودت بحياة أكثر من 1.300 فلسطيني، وخلفت نحو 5.400 مصاب. وظهور القلق من تصاعد مشاعر معاداة السامية حول العالم كان أمرًا يمكن فهمه ورؤيته كقضية شرعية. وقد أشار أردوجان خلال كلمة له أمام حشد من المؤيدين الأسبوع الماضي إلى أن معاداة السامية هي جريمة ضد الإنسانية. وفي الحادي والعشرين من يناير، بعثت خمس منظمات ''يهودية- أمريكية''- وهي اللجنة اليهودية الأمريكية، ورابطة مناهضة التشهير، ومنظمة بناي برث (أبناء العهد)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، والمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي- بخطاب إلى أردوجان أعربوا فيه عن ''قلقهم العميق من الموجة الحالية من مظاهر معاداة السامية في تركيا''. غير أن بعض المحللين الأتراك صرحوا لوسائل إعلام محلية أن الخطاب كان سيحمل وزنًا أكبر للشعب التركي إذا كان هناك ثمة خطاب مماثل من جانب نفس هذه المجموعة موجّه إلى رئيس الوزراء ''الإسرائيلي'' يعبر عن استيائهم من الخسائر المدنية التي تكبدها الشعب الفلسطيني. وارتبطت تركيا و''إسرائيل'' بعلاقات ودية منذ فترة طويلة، كما لم تُتخذ أية إجراءات ملموسة ضد ''إسرائيل'' حتى الآن. ويرفض أردوجان حتى الآن اللجوء لتطبيق عقوبات مثل إلغاء عقود الدفاع أو استدعاء السفير من ''إسرائيل''. وبناء على ذلك، فقد تعرض خلال مداولات بالبرلمان لهجوم حاد من قبل أحزاب المعارضة الذين اعتبروا أنه لم يفعل ما يكفي ، كما أن انتقاده ل ''إسرائيل'' قد وُصف بأنه محض ''هراء''. وإدراكًا من الزعماء ''الإسرائيليين'' بأن الوضع ربما يتغير، فإنهم أسرعوا إلى تخفيف اللهجة ومحاولة إصلاح الضرر الذي تسببت فيه مذبحة غزة. وكان رئيس الوزراء، ''إيهود أولمرت''، قد أصدر أوامر لوزراء حكومته بعدم التحدث عن تركيا بصورة حادة، كما أن معظم التعليقات التي ظهرت بالإعلام ''الإسرائيلي'' اعتمدت على تصريحات لمسئولين حكوميين لم يُشر إلى أسمائهم. ويسأل العديد من المحللين في الوقت الراهن سؤالاً واحدًا وهو: هل حقًا تركيا في حاجة إلى وجود ''إسرائيل'' بجانبها؟ وردًا على السؤال، يقول إرول: ''حسنًا، لا، ليس بقدر ما تحتاج ''إسرائيل'' إلى تركيا في منطقة عدائية رفض فيها البعض حتى الاعتراف بوجود ''إسرائيل'' وأقسم على استئصال اليهود من على وجه الأرض''. لقد كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف ب ''إسرائيل'' كحكومة شرعية وطالما ارتبطت معها بعلاقات ودية، وفي بعض الأوقات متوترة. وقد اعترفت بها في عام .1949 غير أن شن عدوان على غزة في الوقت الذي كانت تسعى فيه تركيا للتوصل إلى اتفاق سلام بين ''إسرائيل'' وسوريا لم يكن ببساطة مقبولاً لدى صانعي السياسة الخارجية التركية الذين كانوا منهمكين قبل هجوم غزة بأربعة أيام فقط في محاولة إزالة ما تبقى من معوقات.