قال لي صاحبي: هل تعتقد بأنه ورغم الجراح الغائرة في نفوسنا الآن... سوف ننزع من رؤوسنا وخواطرنا كل ماله صلة بالمصريين؟ لا نقرأ كتبهم ولا نسمع أغانيهم ولا نتبادل الأفكار معهم أو حتى المراسلات، وكل ذلك جراء ما خلفه حفنة من المرضى الذين كانوا على رأس الأخطبوط والذين راحوا يزرعون الفتنة بسبب عدوانيتهم المطلقة وحساباتهم الآنية خدمة لأقوياء الأسرة الحاكمة ... ثم أضاف وهو يضعني في موضع حرج هل يا ترى سنلغي من الآن بعض الأفكار التي حفظناها عن طه حسين والرافعي ومحمد عبده ولا نستمع إلى روائع أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب. والأكثر من ذلك عزم صاحبي هذا على موقف جريء حين قال: لو كان هؤلاء أحياء يرزقون وسئلوا في برامج قنواتهم عن الجزائر لقالوا كلاما ضد البلد والجزائريين لأن طبيعة المصري هو أنه ينافق دون حرج ويعطي الحق دوما للظاهري دون الباطني والعكس صحيح. والدليل أن كبارا عرفناهم وأحببناهم تفوهوا بكلام سيء إلى تاريخ الجزائر، وقالوا بأنهم مع مصر ظالمة أو مظلومة. تخيل يا صاحبي أن أم كلثوم وأحمد أمين وتوفيق الحكيم لو كانوا أحياء والله أعلم هنا ما الذي سيقولونه عنا لو سئلوا، هل سيصمتون أو يقولون قولة حق، مثلما ذهب إليه البعض كالإعلامي الأبرشي وصفوت حجازي وسفير مصر بالخرطوم والقائمة طويلة هنا. ثم أضاف صاحبي إليّ معلومة أدهشتني بقوله أن محمد عبد الوهاب النهر الخالد كما يسمى هو من قام بتلحين النشيد الوطني الرسمي لدولة إسرائيل المزعومة؟ يا للعجب - محمد عبد الوهاب؟ صاحب روائع أحب عيشة الفلاح. فأي ضمير كان يتحلى به هذا الرجل إن صحت المعلومة، وهل سبق الساسة المطربون في التطبيع؟ وإذ أنا أنهي دردشتي مع هذا الزميل كنت أتصفح مقالا صحفيا له أكثر من دلالة، وهو أن الأهرامات لم تبن بسواعد الفراعنة إنما فقط استحوذوا عليها وجعلوها مقابر لهم، والأصل في البناء هو قوم عاد وقد استدل الباحث بالآيات القرآنية وعدد من التجارب والاكتشافات الحديثة، وهو ما يفيد بأن الفراعنة مارسوا التزوير والتدليس منذ قرون خلت فكيف لا يورث هذا التقمص اللاشرعي جيلا عن جيل. وللتذكير فإن كلمة مصر تعني بالفرعونية المركز الرئيسي. قلت لصاحبي قبل أن يغادر صراحة لا أستطيع أن أمحوا من رأسي ما حفظته لعمالقة الفن والأدب في مصر، ولدي أصدقاء مصريين في قمة الوعي بقضايا الأمة ويكرهون نظامهم حد النخاع وسياسة بلدهم الخارجية وواعون بكل صغيرة وكبيرة بل ناقمون ناقدون لكل غرور واستعلاء، ولكن للأسف الكاميرات مقطبة الجبين تجاههم، والهجران نصيبهم. أما من هجروا بلاد النيل فقد نجحوا في التخلص من منهجية الطبائع المصرية السيئة بدءا من الطمع إلى التطبيع، وهي التصرفات التي فعلا أعيت من يداويها بل طغت وتكاثرت كالنمل الأحمر... وقد لقيت التشجيع والتطعيم من طرف الجارة المسماة إسرائيل ومن يراعيها ويسقيها بالمال والجاه والسلاح أمريكا وبريطانيا، وفرنسا. قال لي صاحبي الذي عاد للحديث معي إن المصريين يكرهون (عفوا) بل يحسدون الجزائر في ثورتها المجيدة والتي قال عنها أحد العلماء الإجلاء وهو مصري طبعا لو كانت هناك علامة بارزة وثمينة للعرب منتصف القرن العشرين فهي بلا شك الثورة الجزائرية. إن حساسية المشارقة المتمصرين نحو المغاربة ضاربة بجذورها منذ العشرينيات بل مع نهاية القرن التاسع عشر وليس فقط بعد 18 نوفمبر 2009 التي كانت كالقطرة التي أفاضت الكأس فقط، وجلنا يعرف كيف أن الأمير عبد القادر ركن في زاوية معزولة ورفض مشاركة ضيوف مصر الرقص وشرب الخمر في الحفل الذي حضره بمناسبة حفل إتمام أشغال قناة السويس، ثم مقولة شوقي أمير الشعراء ومن بعده طه حسين إلى غاية انتقام فريد الأطرش من عدم ذكر اسم الجزائر في أغنية بساط الريح.. جميل ومريح. والذي يهمنا هو أن علاقات عديدة تجمعنا بالمصريين إخوة وأشقاء ونسبا وإعجابا وكذا تأثرا، لكن الذي يحز في النفوس ويقززها أنهم صاروا لقمة سائغة لجميع مشاريع الصهينة وأعداء العرب والعروبة وأحفاد محمد (صلى الله عليه وسلم)، شعب الله المختار هؤلاء جعلوا مصر شمسا والجميع كواكب إذ راحوا ينفخون أفئدة المصريين ويقنعونهم بأنهم الكل والمركز.. لكن كما يقال دوام الحال من المحال، وذلك تسليما بنظرية -إن أنت لم تتقدم فأنت تتأخر- وفعلا تطورت وقفزت عدة أمم ومحافظات صغيرة إلى الأمام على مستوى الفكر والوعي الاجتماعي والسياسي والأدبي والاقتصادي والفني، كدبي والإمارات وقطر وسوريا وتونس وكذا الجزائر.. وبقيت مصر يمثلها العجزة والشيوخ والمصابون بالخرف والزهايمر وهم بالسدادات على رؤوسهم والأغلال السداسية في أرجلهم؟!، والدليل على ذلك التخدير المتواصل الذي نال من هذه الجمهورية والتي ما هي كذلك بل مملكة، حيث أهديت لها جائزة نوبل للأدب عن روايات تسيء للذات الإلهية وأخرى قبلها للسلام كرد جميل على إمضاء السادات على كامب ديفيد عام 79 ثم تم تشجيع السينما واستنساخ هوليود في الزمالك والإسكندرية، لأننا نعلم بأن قوة اليهود في السينما والإعلام والبنوك، زيادة إلى المنتجعات السياحية لأحفاد هرتزل بينما المصري الأصيل مازال يحن إلى صحن الفول المشرمل. شاعر وصحفي