الحلقة 02 The Algerian University: View Inside 1. الجامعة الجزائرية: الواقع و الآفاق تمهيد: لست من المتشائمين أو من أولئك الحاقدين الموتورين الذين ما فتئوا يقدحون في كل مشروع تشتم منه رائحة الوطنية والأصالة، فراحوا بكل وسائلهم ينعتون المنظومة التربوية الوطنية وفي كل مستوياتها، بأقبح الصفات وأخطر الاتهامات، فكان أهم هذه الادعاءات على فجاجتها وتعميمها، أن هذه المنظومة ''المريضة'' و''المنكوبة'' قد أفرزت ثقافة العنف واللاتسامح، وأنها أنتجت جيلا من المعوقين لغويا ودينيا، يدعو إلى الأصولية والإرهاب، إلى غير ذلك من الترهات والأراجيف التي لا تستند إلى أي منطق، ناهيك عن الموضوعية المستخلصة من البحوث العلمية الرصينة، بل هي في حقيقة الأمر، سموم اعتادت على بثها شرذمة متمرسة في قلب الحقائق، متمكنة ومتجذرة في بعض دواليب المؤسسات والهيئات النافذة، إنهم ببساطة دعاة الاندماج القدامى والجدد، الذين كانوا سببا في تأجيل استعادة الشعب الجزائري، سيادته وحريته وإطالة محنته، ولولا تصميم هذا الشعب على تجاوزهم ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 وإقدامه على بذل التضحيات الجسام وصبره ومعاناته التي مازالت آثارها ماثلة إلى اليوم، لاستمر ليل الجزائر، ولاستمر الاستعمار جاثما على رقابنا متحكما في أنفاسنا وأرزاقنا، حالنا في ذلك حال كثير من الشعوب الإفريقية التي مازالت إلى اليوم تعاني ويلات الاستعمار، وأهمها السيادة المنقوصة أو الشكلية. إن ذكرنا للمنظومة التربوية الوطنية، كوعاء تتشكل فيه كل القدرات العلمية والثقافية. يجرناحتما، إلى المؤسسة الجامعية كمرحلة أخيرة، يتم من خلالها وبمصطلح الاقتصادي، تحديد نوعية المنتوج وتصنيفه ثم إعداده للاستغلال العملي أو الاستثمار العلمي. ولا يتأتى هذا، إلا بعد تكوين أساسي تراعى فيه القدرات الذهنية، للفرد والمفاهيم الكبرى التي تتحكم في ثوابت المجتمع. تتضافر فيها جهود الخبير البيداغوجي والسيكولوجي والاجتماعي وغيرها من المقاييس الواجب توظيفها في عملية التوجيه. وقبلها، إعداد المناهج والمقررات العلمية وكل الشروط المادية والبشرية التي تضمن نجاحها نظريا ونجاعتها ميدانيا. فما هي هذه الشروط ؟ قبل أن نتطرق إلى شروط العملية التعليمية في مفهومها الواسع، يجدر بنا الحديث عن الوضع الراهن للجامعة الجزائرية، هذا الصرح الشامخ بكفاءاته العلمية والبيداغوجية والإدارية وأعداده الهائلة من الطلبة، المغمور بمشاكله الطفيلية، التي طغت في غياب التكفل الجاد والحقيقي، على الوظيفة الرئيسية للجامعة، باعتبارها قطبا حضاريا تستهدي به المؤسسات والهيئات في كل مشاريعها الآنية والمستقبلية. فتكون الجامعة بحق، النموذج والمرجع الذي يعود إليه المشرع السياسي والخبير الاقتصادي والمخترع الصناعي والمنظر الاجتماعي، وحتى المواطن العادي.. لكن، مع الأسف، فإن الجامعة الجزائرية، و لا نقول هذا تشاؤما أو جحودا أنها انحرفت عن قصد وسبق إصرار، عن أهدافها ومشاريعها. أو في أسوأ الأحوال، فقدت هويتها. بل، إنها في غمرة البحث عن الذات أو هذه الهوية المفقودة، تنازعتها في ذلك، اتجاهات ومشارب متصارعة ومتناقضة. بعضها محافظ ينحو منحى التقليد والمحاكاة، وآخر مستلب مبهور بنموذج أسياده التاريخيين؛ والبعض الآخر يبحث مخلصا، عن التفرد والخصوصية، النابعين من أعماق الوطنية وجذور الأصالة. فكان أن تفرقت بها السبل وتاهت مستغرقة زمنا طويلا، في معالجة راهنها وواقعها العلمي والاجتماعي. فتراها مستعملة أدوات السياسي المتحزب تارة، أو بيروقراطية الإداري النمطي، المناهض لكل تغيير أو إصلاح تارة أخرى. فاختلط عليها الأمر؛ فلا هي مؤسسة علمية ولا هي برلمان أو جمعية من جمعيات المجتمع المدني!!. لذلك، طفت وطغت المصالح الذاتية - الضيقة على المشروع العلمي- الحضاري. الذي ينبغي أن يستوعب كل الحساسيات والتوجهات والآراء المختلفة، في صراع متمدن، مسالم ورصين. تحترم فيه الكفاءات والقدرات الذهنية والعلمية كمقياس وحيد أوحد. لكن، ومع كل ما نعيشه ونلاحظه على مستوى جامعات الوطن من أفعال وردود أفعال للأسرة الجامعية، فإن الأمل لم ينقطع بعد. فهذا التململ دليل على دينامكية القطاع وحيويته وعلامة صحة تدفع به إلى بر الأمان، إن تجسد حقيقة، وتم توظيف هذه الحركية توظيفا راشدا، تنبذ فيها مظاهر الأنانية والتعصب الأعمى، وتسودها روح التضامن وتغليب المصلحة العامة. فإذا كانت معظم المطالب معروفة أو بتعبير أصح، تقليدية. كالسكن والأجور والعلاوات والتربصات بالنسبة للأساتذة والموظفين. وكذا، الإيواء والإطعام والنقل والمنحة بالنسبة للطلبة. فإن ما يلاحظ عليها عموما، أنها مطالب مشروعة ومؤسسة. لكن، وبغض النظر عن توقيتها وطرائق التعبير عنها كالإضراب المحدود أو الممدود والاعتصام وغلق الإدارات وتعليق الدروس وأعمال الشغب والتخريب أحيانا، فإن أساليب طرحها في كثير من الحالات، تتنافى مع أبسط أخلاقيات المهنة والصفة والوظيفة. يستوي في ذلك الأستاذ والطالب والموظف. ولهذه الأفعال نجد لدى الطرف المقابل، ردود أفعال تكون أحيانا، أكثر تجذرا وتطرفا. وهنا، نشعر بأن الجامعة قد فقدت فعلا، عاملا هاما بل وأساسيا، من عوامل وجودها ووظيفتها المتعددة الأبعاد والأقطاب. وبالتالي، نستنتج أنها قد فشلت فشلا ذريعا في إشاعة ثقافة الحوار والتفاوض السلميين المبنيين على مبدأ قبول الآخر، دون نفي أو إقصاء. هذه عينة بسيطة، يمكن تعميمها على باقي المجالات التي يفترض أن تكون الجامعة فيها مؤثرة لا متأثرة، فاعلة لا منفعلة. وهي كذلك، مؤشر ينبغي للجامعة أن تستثمره، فتجري مراجعة ذاتية، موسعة وعميقة. هدفها في ذلك، ليس إبراز غريزة التفوق كأشخاص أو قطاع، وإنما تصحيح اختلال كبير في ميزان القيم والمبادئ التي يجب أن يحتكم إليها الجميع. والجامعة في ذلك، تؤدي وظيفتها الطبيعية والأساسية. فالعملية التعليمية والتربوية لا تعرف خصوما مجسدين أو مشخصين، إنما تفترض خصما وحيدا هو الجهل في كل صوره وأطواره. ولذلك، فإن وسائلها المعتمدة والمعتادة، هي إفشاء العلم ونشره لا غير. فما هو حال جامعتنا في هذا المجال؟. إن نظرة متفحصة ومحايدة لواقع جامعاتنا على وجه التعميم، والتعميم هنا، تعميم جغرافي أكثر منه تعميم مؤسساتي. فالجامعة الجزائرية، وبرغم كونها مؤسسة عمومية، تخضع لنفس المنظومة القانونية المسيرة لها، فإنها تختلف اختلافا بينا، من حيث قدم نشأتها وحداثتها وموقعها الجغرافي ومستوى تأطيرها البيداغوجي والإداري والتخصصات الممنوحة بها. وكذا، معطيات أخرى، خارجية وداخلية؛ زادت في تعميق هوة التباين والاختلاف. فالعامل المشترك بينها جميعا، هو ذلك الإحساس العام لدى الأسرة الجامعية وحتى لدى المواطن العادي، بأن الجامعة لم تحتل بعد، المكانة العلمية والاجتماعية المرجوة منها. فإذا ما استعرضنا كل العوامل المؤثرة في الجامعة، استنتجنا وبكل مرارة، نقائص واختلالات ازدادت عسرا وتعقيدا بفعل تراكمات وممارسات ناتجة أساسا، عن غياب الحلول الآنية والجذرية، وطغيان سياسة الترقيع والتلفيق. وهذا، بتكريس سياسة رجل الإطفاء، الذي يستنجد به في آخر لحظة، وإذا ما حضر إلى موقع الحريق وجد أن النار قد أنهت مهمتها بنجاح وفعالية!!. فهل حال جامعتنا كحال العربة والحصان، من حيث تحديد موقع كل واحد منهما؟!. أم أن الأمر أخطر من ذلك، ولا ينبغي أن يطرح بهذه الإشكالية المستهلكة.. نعم، إن الأمر أخطر من ذلك، فحصان جامعتنا المنهك القوى، عاجز على جر العربة. ذلك، أن العربة هاته وهي تحمل أثقالا إضافية، شلت حركتها فلم تستطع انطلاقا. فهذا التباين في موازين القوى، هو الذي فرض حالة اللاحركة واللافعل. أي ببساطة، الجمود المنافي لتقاليد الجامعة وأعرافها. فواقعها الطبيعي وبمنهجية مدروسة ومحسوبة الأهداف والنتائج، هو ذلك الذي يعج بالنشاطات والفعاليات والتظاهرات المختلفة. فلا يكاد ينتهي نشاط حتى يبدأ آخر. وهكذا دواليك. أن جامعة أية جامعة، تنعدم فيها هذه الظاهرة، جامعة محكوم عليها بالزوال ولا يجوز أن تحمل اسم ''جامعة''. خاصة ونحن نعيش رضينا أم أبينا، تحديات عالمية متعددة الإشكال والأهداف، أهمها ظاهرة العولمة وما أفرزته وما ستفرزه من مفاهيم جديدة، كالجامعة الافتراضية (Université Virtuelle) المستخدمة لوسائل الاتصال المتطورة، التي جعلت من العالم قرية صغيرة. بل، بيتا منزوع السقف معلقا في الفضاء مشدودا إلى أعداد هائلة من المحطات الفضائية ومواقع (Internet/Intranet). فما هي الاختلالات والنقائص التي أفرزتها مسيرة الجامعة الجزائرية الطويلة نسبيا؟ وما هي الحلول الناجعة التي يجب تبنيها وتنفيذها لتصحيح هذه الاختلالات وتدارك هذه النقائص؟. ذلك، ما سنحاول معالجته في النقاط التالية والتي نخالها معبرة عن وجهة نظرنا المتواضعة، لما نراه من مشاكل- مع إسقاطات محلية معينة - مضمنين إياها وفي نفس الوقت، ما نعتقده من حلول فيها نقد ذاتي وتشخيص صريح للواقع واستشراف للمستقبل وتدارك للوقت. هذا الذي يكاد يفلت من أيدينا، نتيجة تسارع الأحداث وتعاقبها الطيفي والمكثف. .../... يتبع