The Algerian University: View Inside تمهيد: لست من المتشائمين أو من أولئك الحاقدين الموتورين الذين ما فتئوا يقدحون في كل مشروع تشتم منه رائحة الوطنية والأصالة، فراحوا بكل وسائلهم ينعتون المنظومة التربوية الوطنية وفي كل مستوياتها، بأقبح الصفات وأخطر الاتهامات، فكان أهم هذه الادعاءات على فجاجتها وتعميمها، أن هذه المنظومة ''المريضة'' و''المنكوبة'' قد أفرزت ثقافة العنف واللاتسامح، وأنها أنتجت جيلا من المعوقين لغويا ودينيا، يدعو إلى الأصولية والإرهاب، إلى غير ذلك من الترهات والأراجيف التي لا تستند إلى أي منطق. ناهيك عن الموضوعية المستخلصة من البحوث العلمية الرصينة، بل هي في حقيقة الأمر، سموم اعتادت على بثها شرذمة متمرسة في قلب الحقائق، متمكنة ومتجذرة في بعض دواليب المؤسسات والهيئات النافذة، إنهم ببساطة دعاة الاندماج القدامى والجدد، الذين كانوا سببا في تأجيل استعادة الشعب الجزائري، سيادته وحريته وإطالة محنته، ولولا تصميم هذا الشعب على تجاوزهم ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 وإقدامه على بذل التضحيات الجسام وصبره ومعاناته التي مازالت آثارها ماثلة إلى اليوم، لاستمر ليل الجزائر، ولاستمر الاستعمار جاثما على رقابنا متحكما في أنفاسنا وأرزاقنا، حالنا في ذلك حال كثير من الشعوب الإفريقية التي مازالت إلى اليوم تعاني ويلات الاستعمار، وأهمها السيادة المنقوصة أو الشكلية. 1 .1 تباطؤ عمليات الإصلاح إن السبب المباشر والرئيسي في نظرنا، مضافا إليه ما تم ذكره آنفا، الغياب الدوري والمتوسط المدى، لعمليات الإصلاح الشامل والموسع لمنظومة التعليم العالي.(إن وجدت). فمنذ العام ,1791 لم تعرف الجامعة إصلاحا اوتغييرا جذريا وشاملا، بحيث يتسنى للأسرة الجامعية بكل مكوناتها البشرية، أن تشارك في إعداد وإثراء مشروع ميثاق الجامعة الأساسي وملحقاته مثل ''قانون الأستاذ'' و ''قانون الطالب'' وكل النصوص المنظمة والمسيرة لها. وما تم قبل صدور ملف إصلاح التعليم العالي في جانفي 4002 كان عبارة عن تصحيحات وتعديلات جزئية لحالات خاصة وآنية، يطغى عليها طابع التشريع في مجال الوظيفة العمومية، أو تلك الإجراءات التي يتم اتخاذها في بداية كل سنة جامعية. وإذن، فهي تصحيحات وتعديلات برغم أهميتها، يغيب فيه العمل الاستشرافي والتنظير الفكري والفلسفي والبيداغوجي لمشروع الجامعة، الذي يعد بحق مشروع المجتمع: ماضيا وحاضرا ومستقبلا. تحدد فيه الأهداف والوسائل والامكانات والآجال والأولويات والنتائج، بدقة وموضوعية. ولعل الملف السالف الذكر، سيكون البداية السليمة لإصلاح شامل ومتكامل، غير أن ما ورد في بعض محاوره، يحتاج إلى تمحيص وتدقيق لبعض المفاهيم والإجراءات التي اهتمت بالجانب الهيكلي والتنظيمي للتعليم العالي المتمثل في إحداث نظام الشهادات الجامعية الثلاث LMD = Licence, Master, Doctorat أغفلت عدة عوامل لا تتم العملية التعليمية في شقيها البيداغوجي والإداري، إلا بتوفرها وتحديد ميكانيزمات تطبيقها والاستفادة منها ميدانيا. هذه العوامل التي سنتطرق إليها بشئ من التشخيص والتحليل، هي التي في اعتقادنا، ما يجب أن يدور حولها نقاش واسع ومستفيض، تتخذ بشأنها إجراءات وقرارات جريئة وعميقة، تضع حدا فاصلا لتلك الذهنيات والسلوكيات المتناقضة والمتعارضة بين الامكانات والقدرات والكفاءات والنتائج الهزيلة والأوضاع الكارثية والتبريرات المضحكة - المبكية. إنها في نظرنا، الأخاديد العميقة التي تشوه وجه المؤسسة الجامعية، وتفقده نصاعته وإشعاعه. 1,2 التسيير الإداري والبيداغوجي لقد دأبت الوزارة الوصية ومن يمثلها على المستوى المحلي، على تعيين مسيرين إداريين وبيداغوجيين، لا تتوفر في معظمهم، أدنى شروط التسيير. سواء من حيث التخصص العلمي أو الممارسة الميدانية. وبالتالي، توفر الخبرة المهنية اللازمة، لتسيير ومتابعة ملفات وقضايا إدارية - بيداغوجية، تتشابك فيها المسائل المالية والتشريعية وحتى القضايا النفسية والاجتماعية والسياسية. فالأستاذ الجيد ليس بالضرورة، مسيرا جيدا. ولهذا، فإن إخفاق هاته الفئة من المسيرين الذين تتحكم في بعضهم، ذهنية حرق المراحل وتصفية الحسابات(!! ) والتشكيك في كل شئ تم إنجازه. والعودة دائما، إلى النقطة الصفر، بدل مواصلة الإنجاز وإصلاح ما يمكن إصلاحه أثناء ذلك. فظاهرة التعيينات المتعاقبة وعدم الاستقرار التي يعرفها مسيرو المؤسسة الجامعية، هو نتيجة حتمية لتجربة أثبتت فشلها وعدم نجاعتها. فحالات التحويل القسري الإقالة والاستقالة (نادرة) ظاهرة سلبية، من حيث مصداقية وجدية قرار السلطات الوصية. وهي سلبية أيضا، بسبب استمرار حالات التأزم وتراكم المشاكل. بل، وتفاقمها. كما أنها تعتبر ضربة قاسية للقطاع وإطاراته. حيث جرت العادة الاستغناء عن الكثير من المسيرين الذين اثبتوا كثيرا من المهنية المتسمة بالجدية و الصرامة، في تعاملهم مع بعض الذهنيات والسلوكيات الطفيلية. وبدل أن نثمن ونعزز هذا التوجه فنوفر له الحماية والمصداقية. فإننا نلجأ إلى تطبيق نظام تأمين الدارة الكهربائية (Fonction de fusible). فنحكم على هؤلاء المسيرين وفي غياب أبسط الإجراءات الإدارية اللازمة، بالفشل والإخفاق. لتبقى دار لقمان على حالها. ذلك، أن الاختيار لم يتم و في أغلب الحالات، على مقاييس موضوعية تثمن الكفاءة والجدارة كعناصر أساسية، وشروط جوهرية للتقييم والتقويم. بل، إنه يستند في كثير من الأحيان، إلى تقديرات مزاجية أو نفعية، تراعى فيها شروط ذاتية تكون وبالا على من قبلها واطمأن إليها، بقدر ما هي كارثية على المؤسسة. هذا، وجدير بالذكر ظاهرة تسيير بعض المؤسسات الجامعية ذات الصلة بما يسمى بالمهن الحرة كالعمارة والتجارة والطب والحقوق. فأغلب مسيري هذه الكليات والمعاهد، يديرون أعمالا حرة في اختصاصهم. وبالتالي، فان تفرغهم لمهامهم الأساسية، صار نشاطا ثانويا. وهو عكس ما ترمي إليه التشريعات والقوانين المنظمة لما يعرف بالنشاطات الثانوية (Activités accessoires). من حيث تدعيم المؤسسة الجامعية بقدرات وكفاءات علمية تساعد على تقليص العجز المسجل في التخصصات والفروع السالفة الذكر. لقد كان هذا الإجراء ضرورة ملحة، أملتها ظروف موضوعية كانت تعرفها المؤسسة الجامعية منذ أكثر من عشرين سنة خلت. إلا أن حدة هذه الظروف قد تضاءلت بفعل الرصيد البشري من الأساتذة والمؤطرين الذين كونتهم الجامعة الجزائرية محليا وخارجيا. وهو ما يفرض مراجعة هذه الإشكالية، من حيث وجوب إسناد مناصب التسيير إلى الإطارات المتفرغة فعلا، للمهام الإدارية والبيداغوجية. هذه المهام على كثافتها وتنوعها، لا تترك وقتا إضافيا للاضطلاع بقضايا أخرى. وفي رأينا، فان وجود واستمرار هذه الازدواجية، قد أثر وسيؤثر عل السير العادي للمؤسسة الجامعية. وإذا ما أرادت السلطة الوصية التأكد من هذه الحقيقة، فعليها أن تجري سبرا في الموضوع. وفي إطار ضمان شروط النجاعة والشفافية في تسيير المؤسسة الجامعية. فإن ذلك سيتجلى في احترام وتطبيق القوانين المعالجة للملفات الكبرى، التي تؤثر تأثيرا مباشرا وعميقا في حياة الأسرة الجامعية ومحيطها، فان أساليب التسيير الحديث المنتهج لشروط الكفاءة والنجاعة، المبني على الجدوى والتنافسية، تعتمد أساسا، على عمل الفرق المتخصصة، المكونة من خبراء ومستشارين محترفين. وهو ما تفتقر إليه المؤسسة الجامعية، التي ما زالت تنجز مهامها بطرق تقليدية، تغيب فيها الجدية وروح الإبداع والمسؤولية. وعليه، فان إنشاء وترسيم منصب ''المستشار'' (حسب الاختصاص) ضرورة ملحة، ومطلب تفرضه مقتضيات المرحلة، التي يعيشها مجتمعنا، الذي يعرف تأخرا كبيرا في كثير من الميادين، برغم امتلاكه كل الوسائل اللازمة لإقلاع شامل ومتناغم في شتى المجالات. إن تفعيل ميكانيزمات المنصب السالف الذكر، بتحديد وظيفته بنص قانوني صريح وبشروط مخففة. وكذا، تضمينه طابع إلزامية وإجبارية إحداثه على مستوى كل مؤسسة جامعية مهما كان حجمها وطبيعة نشاطها، والرجوع إليه قبل تنفيذ أي قرار سواء على مستوى مجلس الإدارة أو مختلف لجان المراقبة، الداخلية منها والخارجية... إن هذا الإجراء سيعطي دفعا قويا للمؤسسة الجامعية، حيث يساهم في تخفيف الطابع البيروقراطي، الذي ما فتئ يشل حركتها ويعطل إن لم نقل، يجمد مشاريعها وبرامجها. وبالمناسبة، نشير إلى إحجام كثير من المؤسسات الجامعية باستثناء المصالح المركزية للوزارة الوصية، عن تطبيق المادة 72 من المرسوم .98 422 المؤرخ في 5 12 1989 المتضمن القانون الأساسي الخاص، المطبق على العمال المنتمين للأسلاك المشتركة للمؤسسات والإدارات العمومية. خاصة، الفقرة الثانية منه، والمتعلقة بتعيين المتصرفين المستشارين. هذا المنصب، الذي من شأنه تجنيب المسير، تلك الأخطاء المرتكبة في مجالات تطبيق النصوص التشريعية المتعلقة بالسيرة المهنية للموظف، أو برامج البناء والتجهيز من جهة، وإضفاء طابع المصداقية والجدية على الإجراءات المتخذة من طرف الإدارة، مع ربح للوقت والمال ( ظاهرة المنازعات الإدارية على مستوى المحاكم). وكذا، إضفاء الفعالية المرجوة في إنجاز مشاريع المؤسسة من جهة ثانية. كما يساهم في ترقية كثير من الإطارات التي تتوفر فيها الشروط المنصوص عليه قانونا. ولهذه الترقية المثمنة لتجربة وخبرة هاته الإطارات، انعكاسات إيجابية تحقق من خلالها، المؤسسة الجامعية نتائج باهرة. .../... يتبع