أكد الوجه التاريخي والسياسي عبد الحميد مهري عضو الحكومة الجزائرية المؤقتة أن هذه الأخيرة هي من هيأت المناخ لاندلاع مظاهرات 11 ديسمبر ,1960 حتى وان كانت شرارتها الأولى قد انطلقت عفويا، ونافيا أن تكون من صنع طرف واحد . وقال مهري خلال محاضرة له بمقر الجاحظية بالعاصمة حملت عنوان ''الحكومة المؤقتة ومظاهرات 11 ديسمبر ''1960 أن هذه الأحداث قد وقعت في ظرف تعالى الخلاف في فرنسا بين دعاة الجزائر فرنسية، والجزائر جزائرية الذي كان يقوده شارل ديغول لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالاستقلال الذي كان يسعى إليه الجزائريون ، إنما كان يرمي من وراء ذلك إلى عزل الحكومة المؤقتة، وهو ما جعل جبهة التحرير تتعامل مع هذا المخطط ب ''برودة دم'' كما قال مهري، نظرا لثقتها المطلقة في الشعب الجزائري، وكذا لان المبادرة الفرنسية التي طبلت لها وسائل إعلام بلادها ما هي إلا تمثيلية . ويرى مهري أن هذه المظاهرات لا يمكن القول عنها أنها انطلقت بشكل عفوي، حتى وإن لم يخطط لها من قبل جبهة التحرير، نظرا لأنها تدخل في إطار الإستراتيجية العامة للثورة التي كانت تدرج الكفاح الجماهيري ضمن الأسلحة التي تعتمد عليها مثل الدبلوماسية والحرب الإعلامية والاستعانة بالمنظمات الحقوقية، موضحا أيضا أن هذه الأحداث امتداد لمظاهرات 8 ماي ,1945 وهجوم الشمال القسنطيني، وباقي الأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك. وأضاف الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني أن الحكومة المؤقتة هي من هيأت المناخ لانطلاق هذه المظاهرات، مؤكدا أن الأحداث الأولى لم تكن استجابة مباشرة لأمر من القيادة الثورية، نظرا لأن الحكومة المؤقتة لم تكن تتدخل في العمل الميداني ،إنما الولايات والمناضلين على مستوى المناطق والمدن هم من كانوا يحثون على ذلك، وكذا لأن القيادة كان من الصعب عليها تسير كل ذلك في تلك الظروف، إلا أن جميع المبادرات التي كانت تأتي من الأحياء والمناطق كانت تصب في صلب مصلحة واحدة مرسومة من طرف الحكومة المؤقتة . وفي رده عن سؤال متعلق بشهادات ومذكرات من صنعوا الثورة، أوضح مهري انه لا يمكن تكذيب أي أحد، إلا انه يجب التأكيد على أن كل شخص يدلي بكلام ما فانه ينقل ما عاشه هو وليس ما عاشه الجميع ، لذلك وجب إسناد كتابة التاريخ للمؤرخين الذين يقومون بدراسة الإحداث وفق الظروف التي حدثت فيها، وليس كوقائع مستقلة. وبيّن مهري انه علينا أن لا ننسى أن من صنعوا الثورة بشر كغيرهم لهم مساوئ وحسنات، وهذا أمر طبيعي، لذلك فلا يهم تاريخ الأشخاص، إنما تاريخ الأمة والدولة، كما قال مهري الذي أضاف أن الاهتمام بإساءة فلان وعلان لا يساعد في فهم الثورة، بل يعمل على إعطاء الأجيال صورة مشوهة عن الثورة، مضيفا أن المؤرخ الحقيقي هو من ينظر إلى الثورة كنظام استطاع إقامة دولة حققت الاستقلال من خلال التركيز على الخطط العسكرية والإستراتيجية الإعلامية والدبلوماسية التي انتهجها من حققوا الاستقلال.