تناقلت وسائل الإعلام الجزائرية مسألة تجمهر محامين مصريين أمام مقر الاتحاد العربي للمحامين في مصر وحرق علم الجزائر، وشكلت هذه القضية نقطة خلاف حادة في لقاء أعضاء هذه الهيئة في دمشق، وتراشق المحامون الجزائريون والمصريون بالتهم، وتبادل الطرفان صراعا كبيرا أججه تعنت الجانب المصري وإنكاره التام للحادثة، ملتفا حول الحقيقة من جهة وكذا الحياد المشبوه الذي ميز بعض الحضور من محامين عرب من جهة أخرى وبغض النظر عن أسلوب الإقناع الذي اتبعه كل طرف من أجل إثبات وجهة نظره وأحقيته بطلب الاعتذار من الطرف المقابل، فإنه من المنطقي التسليم بخطأ الجانب المصري الذي كان يتوجب عليه إعطاء الحادثة متسعا من النقاش دون إنكارها أو تغييبها لأن في ذلك استخفافا بالتنظيم وبذكاء أعضائه، ولعل هذه الحادثة تستدعي التمعن في الجدوى من هذه التنظيمات التي أصبح من الضروري إعادة النظر فيها وفي ما تمثله بالنسبة للمواطن العربي. لقد نشأت فكرة التنظيمات والجمعيات والاتحادات استجابة لمطالب أعضاء المجتمع المدني وتكريسا للفعل الديمقراطي الذي أسسه الغرب وتعامل وفقه مع كل الشرائح المهنية في المجتمع، فعرفت الأممالغربية اتحادات الأطباء والمحامين والمهندسين وكان لهذه الهيئات فاعلية قصوى في حماية الحريات واستمرار الديمقراطية وتطور ممارستها ومثل ما استطاعت الدول العربية أن تستورد وتكدس مظاهر الحضارة ومجسماتها المادية، معتقدة أنها التحقت بالركب المتقدم فإنها اعتقدت أن استيراد فكرة الاتحادات والتنظيمات سيكون ديكورا جميلا يرافق هذا المشهد العبثي العام لان السلطة في العالم العربي التي لا تخدمها بأي حال فكرة حماية الديمقراطية انتبهت إلى أن هذه التنظيمات يمكن أن تساعد على استمرارها وهيمنتها ولذا كان من الضروري وجودها عبر ممثلين يحسنون المسايرة أو التملق أو الصمت في أحسن الأحوال. وإذا كانت هذه التنظيمات على مستوي نطاقها الجغرافي الوطني الضيق لا تسهم بأي شكل في تطوير الفكر الديمقراطي ولا تعطي حتى نموذجا جيدا للتداول على رئاستها. فلماذا إذاً يصر اتحاد المحامين الجزائريين أو اتحاد الأطباء أو المهندسين على الاستمرار في تكتل أو اتحاد عربي لا يوجد إلا على الورق، ولا يستمر إلا من خلال اشتراكات متعددة تمنح كلها لفريق يخدم مصلحة معينة في بلده ويستعمل لتسوية ملفات سياسية عالقة تصب كلها في تلوين توريث السلطة بالصبغة الديمقراطية؟ ليست مشكلة حرق العلم الجزائري من قبل محامين مصريين إلا نقطة انطلاق لطرح أسئلة عميقة بشأن ضرورة الاستمرار في التطبيل لاتحادات مهنية لم يعد لها مبرر وجود إطلاقا، لأنها لم تثبت أصلا أنها موجودة وعلى الأقل بالنسبة لأعضائها فلم تتناقل وسائل الإعلام العربية أبدا أن اتحاد المحامين العرب وقف في صف صحفي أو معارض أو مواطن افترسته سلطة ما في وطن عربي كله سلطة أو إعلان موقف صارم من الهجمة الغربية على العالم الإسلامي ومقدساته أو تنظيم دورة تكوينية لأعضائه حتى في سياسة التزلف والمسايرة من باب أضعف الإيمان؟ ذات التساؤلات تطرح بخصوص اتحاد الأطباء العرب والمهندسين والكتاب وحتى السباكين والحدادين العرب. هل من المفروض أن يتوجه رئيس الأطباء الجزائريين لعاصمة إيطاليا ليبين أن رئيس الأطباء العرب ''المصري'' حوّل أموال الاتحاد لوجهة مجهولة؟ هل من المنطقي أن يوجه رئيس الاتحاد المحامين الجزائريين رسالة لاتحاد المحامين العرب ورئيسه ''المصري'' لإدماج الجزائر في لجنة القانون الأساسي للهيئة؟ الحقيقة أن العقل والمنطق والذكاء وكل ما له علاقة بالآدمية يجعلنا ننتظر أن يوجه اتحاد المحامين الجزائريين رسالة واحدة للجانب المصري تحوى حيثيات دعوى قضائية ضد المحامين المصريين بتهمة إهانة علم - وهو رمز سيادي - لدولة مستقلة ذات سيادة، وحيثيات دعوى قضائية ضد منشط قناة ''أوربيت'' وضيفه بتهمة التحريض على القتل مع تقديم الحجة والبرهان ووضع القضاء المصري أمام مسؤولياته وفي الرسالة إشارة إلى الانسحاب النهائي من اتحاد المحامين العرب المصري والتنصل من كل أعبائه بما فيها الاشتراكات السنوية. وينتظر العقل والمنطق الجزائري رسالة واحدة من الأطباء الجزائريين للجانب المصري تمر عبر اتحاد المحامين الجزائريين تحوى حيثيات دعوى قضائية ضد الأطباء المصريين الذين لم يسعفوا ضحايا العنف المصري، وإن خطوة شجاعة وعقلانية من تنظيمات المهنيين والمحامين والأطباء والمهندسين الجزائريين تجاه الاتحاد العربي ستشجع الكثير من باقي تنظيمات الدول العربية في اتخاذ ذات المواقف ووضع حد لهذه الهياكل التي أصبحت مرتعا للعاطلين والمعاقين مهنيا وربما تكون هذه الخطوات فاتحة خير تمكن السلطات السياسية في كل بلد من اتخاذ موقف مماثل ومشرف من الجامعة العربية التي تعجز عن عقد اجتماع لكل أعضائها منذ إنشائها ولا يتعلق الأمر بردة فعل عاطفية عابرة بقد رما يشير إلى حقيقة واضحة هي نتاج قراءات متأنية في تاريخ وفعالية هذه الاتحادات العربية الملفوفة في الغلاف المصري. فهل يمكن أن يمد الله في أعمارنا ونقرأ هذه الرسائل من اتحادات جزائرية تستمد انتصاراتها من شعبها، وترفض التعفن في اتحاد عربي ميت بالسكتة المهنية؟