لم يصب الشعب الجزائري بالدهشة منذ الاستقلال إلى اليوم، مثلما أصيب به ثلاث مرات، الأولى متباعدة في الزمن عن الدهشتين الأخيرتين، دهشة أمام الجهر بالحقد والكراهية التي نطق بها المصريون، قادة ونخبة وعموما، بمناسبة ''القدر الرياضي'' الأخير، ودهشة ثالثة، جاءت بعد النصر المبين الذي افتكته الجزائر بجدارة من مصر، وهي دهشة الصرخة البكائية التي أطلقتها المجاهدة الكبيرة جميلة بوحيرد، بكل ما تحمله من رمزية وقوة في المخيال الثوري للشعب الجزائري والدولي، أما الدهشة الأولى فهي صدمة بداية التسعينيات، عندما كشّر ''الإرهاب'' عن أنيابه، داخل الجزائر. ماذا فعلت جميلة الجزائريين ؟ * يتساءل الجزائريون الآن، عن خلفية الرسالة التي وصلتهم من مجاهدتهم '' الرّمز ''، هل المشكلة اجتماعية لجميلة وهي التي تدرك أن غالبية الجزائريين، يعانون مشاكل اجتماعية ''بالجملة'' و''بالتجزئة''، لاعتبار مرحلة الإرهاب التي أهلكت الحرث والنّسل، قبل أن يأتي مشروع التعافي التدريجي ويبدأ تدارك الأخطاء والإعاقات القائمة في الطريق الجزائري؟ كما يسأل الجزائريون، هل المال هو السبب في ما أحدثته رسالة المجاهدة الكبيرة، ''من ضجة إعلامية''، حتى تتخلّص بوحيرد من عبء فواتير الدواء والأطباء، أم أن ''في الأمر إن ''، لا حول لجميلة على فك طلاسمها، خاصة وأن المجاهدة جميلة، لديها وعاء رمزي كبير عند الجزائريين، كما لديها ''الخزّان النضالي والتاريخي الذي لا ينضب'' في مشارق الأرض ومغاربها . هل كان حتميا على جميلة بوحيرد أن تتوجّه إلى الشعب الجزائري، تطلب مساعدته وهو في حالة استرخاء طبيعي، من المعارك الطويلة التي خاضها مع الإرهاب، ثم مع ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، ثم مع ''أعداء الجزائر الجدد'' الذين فضحتهم ''أكذوبة الأخوة والتاريخ المشترك'' وأقصد النظام القائم في مصر -، قلت وهو أي الشعب الجزائري - في لحظة سعادة افتقدها لسنوات طويلة، بعد الثمانينيات، وهي لحظة الانتصارات الرياضية على الصعيد القاري والعالمي؟ إنها مجرّد أسئلة يطرحها الجزائريون في يومياتهم. حقّا، ماذا فعلت جميلة بوحيرد، في حق شعبها، بهذه ''الخرجة ''، في ''هذا الظرف''، ''بهذه الطريقة''، وإن كان وضعها ووضع الكثير من الجزائريين،'' ليس علامة جزائرية ''، فأغلب شعوب العالم في أزمات ومكابدات ، ألم يكن من الحكمة الوطنية أن تحافظ جميلة على مشاعر فرحة 36 مليون جزائري بوطنه، وهو يخرج للعالم برايته الطاهرة خفّاقة، أم أن هناك خيوطا خفيّة ''خارجية'' أرادت طعن الجزائر مرّة أخرى، عن طريق توظيف ''تركيبة المرأة'' واستغلال ''بعض'' الاختلافات، في وجهات النظر بين الجزائريين، لتنال منهم جميعا، في أسعد أيامهم، بعد ''عشريات عجاف''؟. هل تم توظيف الجميلة للغدر بالجزائر؟ * لا أحب التسرّع في إطلاق الأحكام الإستعجالية، وإن كانت الملابسات أحيانا، تسمح بوضع فرضيات '' الشك ''للوصول إلى اليقين، ومن هنا سوف لن أنقل رأيا شخصيا يخصني، بقدر ما سأنقل علامات استفهام، يطرحها الشعب الجزائري، باعتباره المعني بكل ''نهضة'' أو بكل ''نكسة''، كحال كل الشعوب، وسأعرض لتفاعلاته وردود فعله مع ''رسالة جميلة بوحيرد ''، حيث امتزج التعاطف مع مجاهدته الكبيرة، بالحذر والريبة والتساؤل الضمني والعلني في أكثر من موقف، من مثل ''هل نداء الحق لجميلة أريد به باطل ضد الجزائر؟'' وهل يصل الحقد بالأطراف المعادية للجزائر والتي أعلنت طعنها الصريح في شرف شهداء وعروبة الجزائر، عندما أطلقت سمومها من داخل مصر، في حرب تبنّاها النظام المصري الحاكم، إلى الحد الذي يؤكّد مقولة '' ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة''، فيتأكّد مع حركة الزمن أن الشعب الجزائري ودولته، كان دائما مستهدفا من ''الخارج المشترك''، ما جعل الشعب الجزائري اليوم، يحمّل مصر تصديرها ''نظريات الإرهاب'' إلى داخل الجزائر، من خلال بعثات التعليم المصرية وبعض أئمة جامع الأزهر، خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، الذين خرجوا في الآونة الأخيرة بتصريح إعلامي واضح '' يكفّر كافة الشعب الجزائري المسلم ''، ما جعل الجزائريين - الذين احتاروا طيلة سنوات الدم والدمار في الإجابة على من يقف وراء الإرهاب في بلادهم -يتأكدون أن ثقافة التكفير جاءت إليهم من بلاد النيل، على خلفية أن هذه البلاد ، التي كانت مهبط الأنبياء والرسل ، تتحوّل إلى بلاد تحكمها إسرائيل وثقافة الأقليات الدينية النافذة في بلاط الحكم ، منذ معاهدة ''فضيحة كامب دافيد'' إلى اليوم ، حيث لا تتوانى مصر في إضعاف قوة كل نظام عربي مناهض وتلطيخ سمعة كل بلد عربي مسلم، عن طريق زرع الفتنة والدسائس الداخلية . وهذه ليست تخمينات شخصية، بقدر ما هي من إدراكات الشعب الجزائري الذي يتمسك برمزية البطلة الثورية جميلة بوحيرد ويدرك أن مشكلتها لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام ''مشكلة جمع أموال''، كون هبّة واحدة، ستغرق صندوقها بالمال، لكن، السؤال الذي يطرحه الجزائريون البسطاء، من يقف حائلا بين جميلة وبلادها، في عهد الرئيس بوتفليقة، الذي أقنعها بالأضواء، وهي التي التزمت الصمت منذ الاستقلال الوطني، وهل من مصلحة ''للعدو الافتراضي'' في تلطيخ سمعة الجزائر بإحدى ''جميلاتها العفيفات'' ، أم نقول ما يقول المثل الثوري الجزائري الخالد : '' هاااااااااوووووو عليكم''.