صدق الشعب التونسي هو الذي جعلنا أقرب إليهم تقاضيا وفهما.. وهو الذي جعل وبتعبير آخر الأرواح تستجيب إلى بعضها البعض، فالفرد التونسي دائما يقابلك على أنك أخ وعليه مسؤولية تجاهك بل في كثير من المرات ينقص من قيمته ويخفضها كي يرضيك أولا، وهذا ليس ضعفا منه بل احتراما ووقارا أوجدتهما عوامل تاريخية ضاربة في العمق. وقد تأكد ذلك من خلال المؤازرة المعنوية والقوية التي وقفها أغلبية التونسيين في تأهلنا إلى جنوب افريقيا. ومما زاد من تأكيد هذه المشاعر الأخوية هو قيامي مؤخرا إلى زيارة سريعة إلى هذا البلد وذلك بطلب أحد الأدباء الأصدقاء ولم تكن الزيارة الأخيرة فقط هي من أكدت لي أن التونسيين يحبون الجزائر شعبا وتاريخا، بل أتذكر وقد ترسخ في ذهني ذلك لزيارتي لهذا البلد الشقيق مع بداية التسعينات ثم في منتصفها وكذا مع بداية الألفية الجديدة. وأكيد بأن الجزائريين عامة لم ولن توجد عندهم عقدة صوب التونسيين ولا حتى مع الشعب المغربي ولا الموريتاني وحتى السودانيين، لأن العامل المشترك هو وعي الأفراد بحقيقة الروابط والقواسم المشتركة في شتى الميادين دون السياسية طبعا لأن شعار كل واحد (السياسة لأهلها). في شوارع بنزرت أو سوسة وحتى جربة يجتمع لديك كل العالم، وتشعر بأن جديده موزع ومنتشر في جميع هذه البقع التاريخية الطاهرة، الأمن موجود المناظر الخلابة لا تنتهي حتى ولو مكثت عشر سنوات الابتسامة المتكررة موجودة بدءا من المثقف إلى الفلاح، النوايا الصادقة، الترحيب.. الكرم.. عرض الخدمات، كل هذا وأكثر موجود في تونس التي تغنى بها مئات الشعراء ولعل الكل يشهد ما قاله مفدي زكريا وقاله نزار قباني الشاعر السوري في قصيدته الشهيرة بداية الثمانينات، فما عسانا أن نقول نحن أكثر من هؤلاء، هل نكذبهم.. نظير ما شاهدوه وصادفوه.. لا أريد أن أتحدث هنا عن همي الخاص، حينما كنت أحادث وأتصل بالنخب المثقفة وأرى حجم الحضور القوي لكل ثقافات العالم في هذا البلد إلى درجة أنني عجزت أن أجري مقارنة بين واقعنا الثقافي في الجزائر وبين هذا البلد، وهذا موضوع آخر له مجاله الخاص، دون نسيان الإشارة إلى ما يعرض وما يقدم ومن جهة تأثيره على المتلقي وفاعليته فيه، فالمثقف التونسي يتفاعل بشكل كبير مع الجديد في النقد وعالم القصة القصيرة والرواية، وتعتبر القصة القصيرة في تونس من أقوى الفنون الأدبية حضورا ثم تليها الرواية خاصة الأسماء النسوية، ثالثا النقد ثم الموسيقى وعلى هذه الأرجوحة المريحة التي حملتني حتى لا أقول أسرت بي فوق بساط الريح لمدة أربعة أيام فقط تمنيت أن أقضي أكثر من السنة في هذه المدينة الحبيبة وسعيد جدا أن تشارك أفراحنا وتعرف قيمتنا الحقيقية ووزننا كجزائريين دون استعلاء واستخفاف، والدليل الآخر هو ما تقدمه قناة نسمة عنا من مؤازرة وتشجيع سأعود إلى تونس بحول الله ولا شيء سيجعلني أشك ولو للحظة بأنها ليست بلدي الثاني.