من كان يظن أن الرياضة وكرة القدم بالتحديد ستفعل فينا كل هذا ..؟ من كان يظن أن الكرة ستصبح بين عشية وضحاها صانعة لأفراحنا ومسببة لأقراحنا بل شاحذة لوطنيتنا.. مغذية لهويتنا وتضامننا.. في حالة النصر تلفنا الفرحة والانتشاء لا يستثنى منها أحد، لا الكبير ولا الصغير لا الرجل ولا المرأة لا المثقف ولا رجل الشارع .. نصرخ ونقفز فرحا.. ونبيت مغمورين بألذ أحاسيس الانتصار إذا فاز فريقنا الوطني.. أو نبيت في حال من الحسرة مملوئين بمشاعر المرارة والانكسار إذا ما أخفق فريقنا في تحقيق النصر والغلبة على الفريق الخصم .. بدورنا صرنا كرة تتناوبها المشاعر المتناقضة كل مباراة.. وهذا ليس بغريب ما دامت اللحظة رياضية بامتياز .. حتى أن كل ما في البلد غزته الرياضة .. الأحاديث رياضة .. الصحف رياضة .. الثقافة رياضة البرامج التلفزية والإذاعية والأغاني رياضة .. المحلات والألبسة رياضة .. اليقظة رياضة الأحلام رياضة .. الانترنيت .. الفايس بوك رياضة .. الحدث الرياضي الذي تعيشه الجزائر منذ ترشحها لكأس العالم أنتج ظواهر لم يكن لها وجود من قبل .. وفضلا عن الصحوة الوطنية والنضالية والفورة الحماسية التي انبثقت في مختلف شرائح المجتمع .. وفضلا عن روح التضامن والانتماء والحب الوطني الذي ظهر كم هو عال وعميق وأصيل لدى الشعب الجزائري برمته .. الكل طلق همومه اليومية .. الكل تلهى عن انشغالاته ونسي همومه وانجرف في عشق الكرة مبحرا في علومها وتاريخها وجغرافيتها وأبطالها .. الكل نصب نفسه أكبر محلل لهذه المباراة أو تلك ، وانهمك في دراسة وتشريح وتقييم هذا الفريق أو ذاك هذا اللاعب أوذاك .. وبما أن اللحظة الكروية هي الغالبة والطاغية هذه الأيام فأنت لن ترى امرأة إلا وجريدة رياضية في يدها .. أو في حقيبتها أو في قفتها .. لقد تفشت ظاهرة قراءة الجرائد لدى السيدات في البيوت والحافلات وأمكنة العمل .. ليت هذه الظاهرة العزيزة تدوم وليت هذا الشغف بالقراءة ينسحب على كامل المجالات وتعم ظاهرة القراءة لتشمل الكتب وليس الجرائد فحسب.. ليت هذا الحدث الكروي يكون سببا في إحداث صحوة مقروئية وتثقيفية مستديمة، وحتى إن لم نفز بأي كأس نكون قد فزنا بحب المطالعة وخرجنا من دائرة الانغلاق والجهل وهذا طبعا أفيد في رأيي من أي مباراة وأي فوز كروي.. ومع ذلك فالفضل كله طبعا للكرة.