أدخل الانقلاب الذي قاده مجموعة من العسكر في النيجر منطقة الساحل الإفريقي في دوامة جديدة من التوتر هي في غنى عنها، والتي قد تشكل عقبة إضافية في مسار إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، والتي ستظل مفتقرة لذلك ما لم تستقر سياسيا حسب ما أكده في وقت سابق الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل. وبدأت الحلقة الجديدة من غياب الاستقرار في النيجر عندما اقتحم الخميس الماضي عسكريون القصر الرئاسي واقتادوا الرئيس ممادو تانجا وأعضاء مجلس وزارته إلى وجهة مجهولة بعد معركة بالسلاح، تسببت في مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وجرح آخرين خلال تبادل لإطلاق النار، إلا أن البعض يرى أن هذا الوضع كان منتظرا منذ أن قام الرئيس المطاح به العام الماضي بتغيير الدستور بشكل يسمح له بالترشح لفترة ثالثة لرئاسة بلد يمتاز بهشاشة نظامه السياسي وضعف مؤسساته الرسمية. وعلى المستوى الميداني، سارع منفذو الانقلاب إلى تسمية نفسهم ب ''المجلس الأعلى لإعادة الديمقراطية'' وتعيين رئيس المجلس سالو ديجبوا رئيسا للبلاد، وهو الشخص غير المعروف في النيجر، إلا أن منصب قائد وحدة الدعم في نيامي الذي كان يشغله والذي يتوفر على أسلحة ثقيلة مثل المدرعات مكنته من أن يصبح الرجل الأول في البلاد بعد أن سخر عناصر الوحدة التي يديرها لتنفيذ خطة الانقلاب. ويبدو من خلال ما يتم ميدانيا أن الانقلابيين يحاولون على الأقل عدم تأليب الرأي الدولي ضدهم، من خلال استغلال قضية قيام تانجا بتغيير الدستور، حيث سارعوا إلى حل الدستور المعدل، وحل الحكومة أيضا، في حين أسندت مهمة تصريف شؤون البلاد مؤقتا إلى الوزراء العاملين في الوزارات والمحافظين إلى حين تشكيل حكومة جديدة، كما قام الانقلابيون بإغلاق الحدود وفرض حظر التجوال في البلاد، إلا أنهم استطاعوا أن يعيدوا الهدوء الحذر إلى البلاد، حيث فتحت أمس الجمعة الأسواق والبنوك والمدارس أبوابها كالعادة، وكأن حادثة الانقلاب وقعت في بلد آخر، مع تواجد دوريات لجنود مسلحين تسليحا خفيفا. ورغم هذا الهدوء الحذر، فإن الكثيرين يتخوفون من أن يتسبب هذا الانقلاب في مزيد من التوتر والاضطراب بمنطقة الساحل الإفريقي التي تعد النيجر من أكثر المناطق توترا فيها، بالإضافة إلى مالي وموريتانيا، نظرا لانعكاسات هذا الوضع على الجانب الأمني، خاصة وأن الجيش النيجيري غير قادر على بسط سيطرته على كامل مناطق البلاد، الأمر الذي سيساهم في رفع نشاط تجار المخدرات والمهربين، إضافة إلى الجماعات الإرهابية التي قد تستغل هذه الحالة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، وهو الوضع الذي دفع بوزارة الخارجية الفرنسية إلى تحذير رعاياها بشدة لتفادي الذهاب إلى النيجر، بسب ما أسمته أن ''الوضع هناك إلى حد ما في حالة فوضى''، كما دعت جاليتها المقيمة بالنيجر والمقدرة بحوالي 1500 نسمة إلى الحد من الخروج من منازلهم. وتشاطر أوروبا ككل في خوفها باريس، بالنظر إلى وجود نحو 500 رعية أوروبية في العاصمة نيامي فقط، وتتخوف من استغلال التنظيم الإرهابي الذي يسمي نفسه ب'' تنظيم قاعدة المغرب'' للقيام بعمليات إرهابية شبيهة باختطافه عام 2008 لأربع رعايا أوروبيين على الحدود مع مالي، وكذا لرعيتين كنديين وسائقهما. ويظل انعدام الاستقرار السياسي في منطقة الساحل السبب الرئيس في غياب الأمن عن دول مالي والنيجر وموريتانيا، هذه الأخيرة التي استطاعت الصيف الماضي أن تعيد النظام الجمهوري إلى البلاد بعد انتخاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز، والذي لا يزال غير كاف، بالنظر لاختطاف خمس رعايا أوروبيين بنواقشط منذ وصوله إلى الحكم. وفي هذا الشأن، سبق للوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربة والإفريقية عبد القادر مساهل أن قال إن القضاء على ظاهرة الإرهاب والهجرة غير الشرعية بمنطقة الساحل الإفريقي مرهون بعودة الاستقرار السياسي إلى دول المنطقة، مشيرا أن حالة الاستقرار الذي تعرفه كلا من موريتانيا ومالي والنيجر يعد السبب الأساسي في بقاء أزمة اللاأمن بالمنطقة، الأمر الذي ساعد على أن تصبح هذه الدول مكانا لنشاط الجماعات الإرهابية ولانتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية.