'' هذه الأعمدة ستظل محجوزة للمؤنث طوال هذا الشهر.. إنه حكم مارس'' ز.د كررت كتابة المؤلف نفسه ثلاث مرات بثلاثة عناوين مختلفة ''سد ضد المحيط'' ''العاشق'' و''عاشق الصين الشمالية'' لا لتأثير الموضوع وسيطرته عليها بل لولعها بعراك اللغة وهوسها بتغيير أشكال الكتابة وتقنيات الحكي.. استنتج النقاد والمأخوذون بغرابة الكاتبة مارغريت دوراس أن مؤلفاتها في الغالب كانت انتقامية، وردا خاصا وغاضبا على أمها التي باعت ابنتها للعاشق.. ليس من أجل نفع لها ولكن من أجل ابنها الذي كان مدمن مخدرات.. فظاظة أمها وتسلطها جعلاها تمضي حياتها في محاولة كسب رضاها عنها وحبها لها.. وجعلا حياتها وكتاباتها مليئة بالغرابة والجاذبية التي أبهرت النقاد والكتاب مثل لور أدلر حد إقدامها على كتابة سيرة هذه الروائية وهي لا تزال على قيد الحياة.. دوراس تحب أن تصور نفسها على أنها مقاومة كبيرة، وقد كان لها مواقف مؤيدة ومناصرة للثورة التحريرية الجزائرية وأبدت عداءها ورفضها القاطع للاستعمار الفرنسي في الجزائر .. تصادمت هذه الشخصية التي يصفها معاصروها بالنابغة لذكائها وموهبتها وبساطتها مع الكثيرين، مؤلفين وناشرين ومخرجين وسياسيين وأصدقاء منهم تورين حتى أنها طردت من صفوف الحزب الشيوعي سنة 1950 واتهمت بأنها امرأة تعيش مع رجلين.. وهي المعروفة بمقولتها الشهيرة : ''ما الإخلاص إلا للحب'' صدرت أول رواية لدوراس سنة 1943 بعنوان ''الصفيقون'' عندما كانت تعيش مع زوجها روبير أنتلم وتقيم حفلات صاخبة تدعو إليها كبار الشخصيات الثقافية والسياسية والفنية مثل بلانشو وإدجار موران وجاك فرانسيس وغيرهم .. تناقضها وغموضها صنعا منها شخصية مثيرة للجدل والدهشة بعد أن أيدت الاستعمار كقوة ومكسب لم تحتمل ما كانت تفعله وتقترفه فرنسا ضد الجزائريين، فانقلبت على آرائها وقناعاتها ، وصدمت الجميع بدفاعها الشرس عن استقلال الجزائر، بل وراحت حد المشاركة في حرب التحرير بإخفاء أسلحة المجاهدين في بيتها وتقديمها الدعم المادي والمعنوي لهم.. ومع اعترافها بأنها امرأة مفعمة بالتناقض في حياتها العاطفية والسياسية إلا أنه لا أحد بإمكانه إنكار حسها الإنساني والنضالي اتجاه القضايا المصيرية للشعوب، إضافة إلى سخائها المفرط وكرمها الذي يصل حد التبذير مع أصدقائها والمحتاجين، ومقابل ذلك لا أحد استطاع أن يفهم ولا هي أيضا لماذا كانت تسرق السكر من المقاهي والحانات .. إنه حكم الغرابة التي أملت سلوكات جعلتها محل حيرة وإعجاب كل من عرفها وجعلها تبدع 80 كتابا طوال حياتها.