روائية نيجرية شابة قال عنها النقاد إنها ولدت ناضجة.. نالت جائزة ''أورانج '' البريطانية عن روايتها ''نصف شمس صفراء'' تدور أحداثها قبل وأثناء الحرب الأهلية لنيجيريا أي بين عامي 1967 و1970 وشهدت مذابح وجرائم ارتكبتها قبائل الهاوسا ضد قبائل الإيبو الذين كانوا يدافعون عن استقلالهم ودولتهم بيافرا التي اختاروا لها علما في قلبه نصف شمس صفراء.. لكن الروائية استطاعت أن تنقذ القارئ من الغرق في قتامة ورعب تلك الأجواء الدموية، واستعارت لسان طفل صغير''آجور'' يعمل خادما لدى أستاذ رياضيات نيجيري مثقف لتسرد ما حدث في تلك الفترة.. يراقب الطفل ما يجري حوله، ويلتقط كلام سيده أودينيبو، وسيدته أولانا وينصت إلى أحاديثهما مع الأصدقاء وشيئا فشيئا ينمو وعيه ويفهم حقيقة ما يحدث حوله من مجازر واعتداءات .. تتطور أحداث القصة ويتطور معها فهم الصبي لتلك الأزمة والفترة الدموية التي كابدها بلده وشعبه من أجل أن أن ينعم بالحرية والكرامة .. تململ آجور بين أحداث الرواية وتقلب بين أحلام وحكايا سيده وسيدته أولانا التي زارها ذات ليلة حلمٌ جميل. لم تتذكر عما كان، لكنها تذكر أنه كان سعيدا، حتى أنها صحت مدفئةً نفسها بفكرة أنه لا يزال في وسعها أن تحلم أحلاما سعيدة. تمنت لو لم يكن أودينيجو قد ذهب إلى العمل حتى تحكي له عن ذلك وتتبع ابتسامته المتسامحة وهو ينصت إليها، تلك الابتسامة التي تقول إنه ليس في حاجة لأن يوافقها حتى يصدّقها. لكنها لم تر تلك الابتسامة مذ ماتت أمه، مذ حاول أن يذهب إلى آبا وعاد قابضا على الظلال، مذ بدأ يغادر إلى العمل مبكرا جدا ويتوقف عند بار تنزانيا في طريق عودته إلى البيت. لو أنه فقط لم يحاول أن يعبر الطرق المحتلة، لما كان الآن مكتئبا جدا ومنسحبا؛ لم يكن حزنه ليدفن بالفشل. ما كان عليها أن تتركه يذهب. لكن تصميمه كان حاسما جدا، كأنما كان يشعر أن لا حق لها في أن توقفه. كلماته ''لا بد أن أدفن ما تركه الهمجيون'' حفرت أخدودا بينهما حتى أنها لم تعرف كيف تعبره. قبل أن يركب السيارة ويبتعد، كانت قد أخبرته: ''أحدهم لا بد قد دفنها''. في ما بعد، وفيما تجلس في الشرفة تنتظره، اشمأزت من نفسها لأنها لم تجد كلمات أفضل. ''أحدهم لا بد قد دفنها''. بدت كلمات شديدة الابتذال. ما قصدته هو التأكيد أن ابن خاله آنيكوينا قد دفنها. رسالة آنيكوينا، التي أرسلت مع الجندي، كانت مقتضبة: آبا قد احتلت ثم تسلل عائدا ليحاول أن يأخذ بعض الأغراض ليجد الماما راقدة ميتة برصاصة بندقية ملقاة جوار حائط التجمع السكني. لم يقل شيئا أكثر، لكن أولانا افترضت أنه حفر قبرا. لم يكن ليتركها ملقاة هناك، حتى تتحلل. لم تعد أولانا تتذكر كم ساعةً ظلت تنتظر عودة أودينيجو، لكنها تذكر شعورها بالعماء، بغمامات البرد تنسحب فوق عينيها. كانت تقلق بين الحين والحين على بيبي وكاينين وآجوو أن يموتوا، تتلمس بغموض احتمالات الحزن المقبل، لكنها لم تقتنع بموت أودينيجو قطّ. البتة. كان هو الثابت في حياتها. حينما عاد، بعد منتصف الليل بكثير، بحذائه المغطّى بالوحل، عرفت أنه لن يعود كما كان ثانيةً. طلب من آجوو كأس ماء وأخبرها بصوت هادئ: ''ظلوا يسألونني أن أعود، لذلك أوقفت السيارة وخبأتها وبدأت أمشي. أخيرا، صوّب جندي بيافري بندقيته وقال إنه سيطلق النار ويحمي الهمج ليثيروا المتاعب إن لم أستدر وأعود''. ضمّته إليها وتنهدت. كانت راحتها ملطخةً بالحزن. ''أنا بخير يا نكيم،'' قال. لكنه لم يعد يذهب إلى هيئة الموجهين، لم يعد يرجع البيت بعينين مشرقتين، بل، اعتاد الذهاب إلى بار تنزانيا كل يوم ويعود بفم صموت. وحينما كان يتكلم، يحكي عن أوراق أبحاثه غير المطبوعة التي خلّفها في نسوكا، وكيف أنها كانت تكفي أن تجعله بروفسورا مهما، وحدها السماء تعلم ماذا فعل الهمج بها. كانت تريده أن يتكلم معها حقا، يساعدها أن تساعده ليخرج من أحزانه، لكن في كل مرة كانت تخبره، كان يقول: ''فات الأوان يا نكيم''. ولم تكن تدري ماذا يقصد. كانت تشعر بطبقات حزنه لن يعرف أبدا كيف ماتت الماما وسوف يكافح دائما الإساءات القديمة لكنها لم تستطع أن تشعر بالتواصل مع أحزانه. بعض الأحيان كانت تتساءل إن كان ذلك هو إخفاقها هي، أكثر من كونه إخفاقه هو، لو كانت بالفعل تعوزها القوة الواثقة التي تجبره على احتوائها في آلامه.