تعتبر السبحة أداة للتعبد، تاريخها ضارب في القدم ورغم اختلاف أسباب استعمالها من شعب لآخر فقد عرفت في الهند منذ عشرات القرون وأخذها المسلمون عنهم وطوروها لاستعمالها في التسبيح والتقرب من الله وذكره سبحانه وتعالى. أخذت السبحة طريقها إلى أيدي الجزائريين كغيرهم من المسلمين واحتلت مكانة مميزة نظرا لقيمتها الدينية وما تحمله من دلالات فلا يكاد يخلو بيت منها فهي الهدية التي لا يتنازل عن أخذها الناس ولا ينساها القادمون من البقاع المقدسة. وصار لها قيمة فنية بالاضافة إلى قيمتها الدينية اكتسبت السبحة قيمة فنية وجمالية عالية ساعدها في تنوع المواد الأولية ومهارة صانعيها الذين أبدعوا في تصميمها بدقة عالية ولا يكاد يخلو محل من محلات التحف الفنية والتقليدية من أنواع عديدة من السبحات، يقول ''رضوان'' بائع تحف بالعاصمة أن للسبحة مكانة مميزة في نفوس الجميع وغالبا ما يشتري الناس أكثر من نوع لأنهم يحتارون في الاختيار أما عن المواد الأولية التي تصنع منها السبحة فأكد رضوان أن هناك مواد عديدة تصلح لأن تصنع منها السبحة فقديما استعملت نوى التمر والزيوت وحبات اللوبياء والزجاج والعظام، وحديثا وصل الأمر إلى استعمال الذهب والفضة والماس ومختلف الأحجار الكريمة، وتختلف أسعارها حسب مادة صنعها فالأرخص ثمنا تباع ب 100 دج والأغلى قد تصل إلى عشرات الملايين. ويشترط أن تضم السبحة 99 حبة مع الشاهدين أو 33 حبة. وقد يزيد العدد لكن بشرط أن يحرص على العدد الفردي لأنه قانون ملزم يتعلق بوحدانية الله. وأضاف أن الناس يقبلون على اقتناء السبحة كهدية للوالدين أو الجدين أو حتى الأطفال. فكثيرا ما تبهرهم ألوانها وأكثر فترة تشهد فيها اقبال الناس على اقتناء السبحات هي المناسبات الدينية خاصة شهر رمضان الكريم، حيث يتسابق الناس إلى اكتساب الحسنات، ويعتبرون السبحة أداة جيدة لذكر الله والانشغال عن أمور الدنيا ومشاكلها والتفرغ للدين والتعبد. سبحات بأسماء الله الحسنى وأخرى للزينة أبدع صانعو السبحات في صنعها وأدخلوا عليها تعديلات كثيرة ساعدت على انتشارها أكثر، فمثلا هناك من السبحات ما تحمل أسماء الله الحسنى في كل حبة 3 أسماء جليلة تساعد المسلم على حفظها وتذكرها يوميا. وقد استحسن الناس هذه الفكرة واعتبروها لفتة مميزة تسهل على مقتنيها حفظ أسماء الله الحسنى. ويذكر ''توفيق'' صاحب طاولة لبيع التحف بساحة ''أودان'' بالعاصمة أن الإقبال على اقتنائها كبير جدا نظرا لجمالها وانخفاض سعرها الذي يقدر ب100 دج، رغم قيمتها الكبيرة وهي هدية مميزة خاصة مع اقتراب شهر رمضان الكريم. وأضاف توفيق أن إقبال المهاجرين على شراء تذكارات من الجزائر لم يستثن السبحة فقد أخذت حيزا هاما من مقتنيات المهاجرين. ولا يقتصر استعمال السبحة عند الجزائريين على التعبد فقط فقد تجدها معلقة كنوع من الزينة على سياراتهم وجدران بيوتهم، فبالاضافة إلى دلالاتها الدينية تحمل السبحة أيضا معاني أخرى فهي أداة للتفاؤل وإبعاد الشر في اعتقاد الكثيرين إذا كانت حباتها زرقاء فاتحة وإن كانت هذه الأمور مجرد بدع إلا أنها تلقى رواجا في المجتمع الجزائري نتيجة احتكاكه بالمجتمعات الأخرى التي شكلت السبحة عندها رموزا مختلفة على مر العصور استطاعت الحفاظ عليها. كما أن بعض العائلات تحتفظ بسبحات توارثوها أبا عن جد ويرجع عمرها إلى عقود طويلة. السبحة الإلكترونية تعبد من نوع آخر يبدو أن التكنولوجيا لم تستثن حتى أمور العبادات فقد اقتحمت عالم السبحات واستطاع الباحثون اختراع سبحة الكترونية تسهل على الذاكرين التمتع بذكر الله وحفظ مختلف الأدعية الأخرى في آن واحد، وتقوم السبحة بعد عدد التسبيحات ومراجعتها، كما تمنح صاحبها فرصة عدم الخطأ وتجنبه الشرود، فقد لقيت هذه السبحة استحسان الكثيرين كبارا وصغارا، نظرا لجاذبيتها وسهولة استعمالها وهناك نوع آخر من السبحات تشبه الساعة اليدوية يقوم المسبح بالضغط على زر فيها لمعرفة عدد التسبيحات التي وصل إليها. وقد وصلت هذه الأخيرة إلى الجزائر عن طريق الحجاج وزوار بيت الله الحرام. أما السبحة الالكترونية الأحدث فيمكن تحميلها بسهولة عن طريق مواقع الانترنت وبسرعة عالية، وقد بدأت تعرف طريقها إلى الجزائريين وإلى حواسيبهم، خصوصا مع اقتراب الشهر الكريم استطاعت السبحة أن تحافظ على تميزها ومكانتها وسط الإرث الاسلامي الكبير الذي تزخر به الأمة الإسلامية على امتداد رقعتها، كما أنها تمكنت أيضا من التموقع في عديد من الثقافات الأخرى كاليونانية والهندية وغيرها وكل التقدم الذي يعرفه العالم لم يزحزح مكانتها.