تغيرت عادات الأعراس ببلادنا وصارت السهولة واليسر هي المطلوبة من طرف أصحاب الأفراح، حيث يسعون اليوم بكل السبل والحيل للتخلص من أعباء تثقل كاهلهم وتحول دون استمتاعهم بأعراسهم، لذا تجد لسان حال ربات الأعراس بصفة خاصة يقول: ''يجب أن نستمتع بالعرس وألا نقضيه بين الأواني في المطبخ''، وهو ما وجد فيه الطباخون وأصحاب محلات الأكل الجاهز فرصة لا تعوض للتكسب خلال الصيف. بعد أن اختفت الطباخات من أغلب الأفراح الجزائرية، وانتقلت الولائم إلى قاعات الأفراح، أخذت أغلب ربات الأعراس إجازة من أعباء الطبخ وحتى التقديم، حيث صارت تحضر العرس مثلها مثل أي ضيفة من الحضور تشاركهم الفرحة والدردشة بعيدا عن ''الحلل والقدور''، أما الوجبات فهي لأصحاب القاعات أو المطاعم من المختصين في حفلات الزفاف، الذين يعدون كل الأطباق المطلوبة منهم بدءا من الكسكسي والمشوي إلى الأطباق التقليدية مثل الشوربة والبوراك والمثوم واللحم الحلو، التي يقترحها هؤلاء المختصون في الطبخ والمطلوبة من طرف زبائن ما فتئت طلباتهم تتزايد. وتأسف مهدي محضر الأطعمة الجاهزة وصاحب مطعم بسيدي يحيى بأحد أحياء العاصمة ''لقد اضطررنا إلى تغيير قائمة الطعام لعشرات المرات بأمر من زبونة من ولاية البليدة كانت تريد حفل زفاف فاخر لابنها''. وأضاف مهدي الذي يقترح مطعمه جلسات تذوق لزبائنه وهي طريقة جد تجارية لإرضاء رغباتهم ''إرضاء الزبون هو غايتنا''. ونظرا لرواجهم الكبير عندما يتعلق الأمر بتنشيط الحفلات العائلية سواء تعلق الأمر بحفلات الزفاف والختان أو حتى حفلات الفوز الدراسي، يكثر الطلب على من يطلق عليهم اسم ''فناني'' الطبخ قبل حلول فصل الصيف بكثير، إلى درجة أن عددا كبيرا منهم يعجزون عن احترام كل التزاماتهم وتلبية كل الطلبيات، ليجدوا أنفسهم مجبرين على عدم قبول طلبيات جديدة ابتداء من شهري أفريل وماي. لقد لاحظنا في المطاعم التي زرناها تدافع الزبائن على الأماكن وربما كانت أكثر الحالات ''يأسا'' هي حالة شاب حاول دون جدوى تقديم طلبية حلويات بحجة قوية -لكن غير مقنعة- أن عدد ضيوفه لا يتجاوز عدد أصابع اليد وأن طلبيته ستكون دون شك الأسهل تحضيرا. كما حاول إثارة الأحاسيس قائلا ''لقد وعدت ابنة أخي الحائزة على شهادة البكالوريا مؤخرا بأن هذه ستكون هديتي وأحرص على الوفاء بوعدي''. كان أول محضري الطعام الجاهز الذين استقروا بالجزائر أجانب، ويتعلق الأمر بشركة دولية كانت تمون قواعد الحياة التابعة للمؤسسات النفطية الأجنبية الناشطة في جنوب البلاد. ويعد أغلبية المهنيين الذين سجلوا حضورهم بعد ذلك في هذا المجال متقاعدين من هذه الشركة، وكان أول من فتح هذا النوع من المحلات بالعاصمة مواطن تونسي كانت قائمة أطعمته الغذائية تتضمن أكثر من 200 وصفة طعام مبتكرة وهو مايزال يكتسح هذا المجال. ومنذ سنة 2003 استثمر على الأقل حوالي عشرين متعاملا في هذا المجال ''تحضير الطعام الجاهز'' في العاصمة بينما يمكن توزيع نفس العدد بين ولايات البليدة وبومرداس، هذا فضلا عن أولئك الناشطين في كبريات المدن الجزائرية الأخرى. ''بعضهم يحمل شهادة دكتوراه'' هناك من المهنيين من دخل المهنة عن حب وهناك من اقتحمها بمحض الصدفة. وفي هذا الشأن أكد مهدي حامل لشهادة دكتوراه في المناجم، منحدر من عائلة كبيرة من التجار من منطقة القبائل، أنه اختار هذا النشاط بعدما أجرى ''دراسة للسوق'' لمدة طويلة. وأوضح التاجر الشاب الذي قام بأول تموين له سنة 2006 لفائدة مؤسسة عمومية مما سمح له بالتعريف بنفسه لدى العديد من المؤسسات في الجزائر العاصمة، في هذا الصدد: ''لم تكن لدي خبرة مسبقة في هذا المجال ولهذا أمضيت سنة كاملة في تعلم مبادئ المهنة بدعم من فريق من المحترفين الذين تلقوا تكوينا متخصصا في هذا الفرع''. أما كريستوف، محضر للطعام الجاهز، وهو فرنسي متخصص في منتوجات البحر كان يسير شركة مختصة في المنتوجات الصيدية في بلده، فاعترف أنه قرر الدخول في شراكة مع جزائريين اثنين لفتح محل لتحضير الطعام الجاهز وأطباق السمك لأن الأعمال في الضفة الأخرى للمتوسط لم تكن على ما يرام. أما أقدم المهنيين الذي يمارس نشاطه في الجزائر فهو تونسي رفع التحدي منذ 15 سنة خلت في ''استقطاب زبائن يجهلون كل شيء عن مهنة تحضير الأطباق الجاهزة''. وقد بدأ هذا المهني الحامل لشهادة في فن الطبخ من مدرسة مشهورة بباريس بمساعدة زوجته الجزائرية، نشاطه في محل صغير لبيع السندوتش بأعالي العاصمة. وبفضل نوعية أطباقه وطريقة تقديمها ذاع صيته تدريجيا في وسط الجمهور الواسع، على حد تعبير إحدى الموظفات التي كانت تعمل عنده، والتي أصبحت اليوم مسيرة لمحل لبيع الحلويات. ''بعض المواد تستورد من الخارج على غرار الكافيار والروكفور'' وعلى غرار المهن الأخرى فإن مهنة تحضير الطعام الجاهز لا تخلو من المخاطر والعراقيل. فهناك ندرة في بعض المواد الأولية وصعوبة نقل المنتوجات القابلة للتلف والأسعار التي يعتبرها بعض الزبائن مرتفعة جدا وكذا خطر التسمم. ونظرا لصعوبة التزود بالمواد على مستوى السوق المحلية، فإن بعض المحلات المتخصصة تلجأ إلى استيراد كميات صغيرة من المكونات التي تحتاجها لتحضير الوصفات، ويتعلق الأمر أساسا بمنتجات على غرار سمك السلمون والكفيار وجبن الروكفور وبعض التوابل التي تجلب من الخارج لتبرير ارتفاع أسعار المنتوجات الجاهزة. وأكد مهدي أن ''هذه المواد وإن كانت تستورد بطريقة غير تقليدية فإنه يتم توضبيها بشكل جيد لنقلها في ظروف جيدة''، مضيفا أن كل مساس بصحة زبائنه هو مساس قبل كل شيء بسمعته الخاصة. وتعد نظافة المكان والأطباق تحديا آخر. وفي هذا الشأن قال كريستوف: ''يجب توخي الحذر فيما يخص الصيانة ونظافة المنتوجات الغذائية السهلة التلف''، مؤكدا في هذا الشأن أن ''منظفتين تعملان بمحله بشكل دائم''. ويعد نجاح الوصفة تحديا آخر يجب رفعه. وأكد كريستوف في هذا السياق: ''إن عدم احترام المقادير المحددة قد يضيع جهد يوم بكامله''، مشيرا إلى أنه عانى الكثير قبل أن يجد فريقا جيدا من الطباخين. ويبدو أن الظرف الاقتصادي والاجتماعي يخدم فرع تحضير الطعام الجاهز الذي يشهد ازدهارا في الجزائر. فالعديد من المحلات تفتح أبوابها كل شهر، تعرف من خلال الملصقات الإشهارية على شاحنات التسليم التي تجوب العاصمة من الرغاية إلى زرالدة. وسواء أكان مجرد ظاهرة ظرفية أو تقليدا جديدا ما فتئ يرسخ في المجتمع الجزائري، فإن تحضير الطعام الجاهز نشاط لايزال يستقطب المزيد من الزبائن وإن كلف ذلك غاليا.