لم يعد هوس المواطن الجزائري بخصوص التحضير لشهر رمضان يقتصر على اقتناء مستلزمات الشهر من أواني وأدوات المطبخ ومواد غذائية ضرورية وغير ضروري لشهر الصيام، ليتعداه إلى هوس من نوع آخر نلحظه في تهافت المواطنين والنساء على الخصوص على اقتناء المؤلفات التي ترتبط بطبيعة الشهر والمقتصرة على نوعين من الكتب الدينية والسير النبوية من جهة وكتب الطعام وفنون الطبخ من جهة اخرى. وهذه الظاهرة تستلزم الوقوف عندها لما تحمله من جمع بين مفارقتين بارزتين: الطعام والطبخ الذي يعتبر من بين الاهتمامات المادية الأكثر غريزية واشباع لمتطلبات وشهوات جسدية بحتة والدين الذي يغذي الجانب الروحي، ويلبي رغبة المسلم في تقوية ايمانه وإرواء عطشه للتقرب من ربه وتطبيق تعاليم الاسلام الحنيف، ارتأت جريدة الحوار استطلاع الأمر على مستوى عدد من المكتبات في محاولة لاستقصاء حقيقة هذا التوجه الظرفي إلى هذا النوع من الاهتمام البطني والاهتمام الديني في نفس الان لتلاحظ استبشار أصحاب المكتبات بقدوم شهر رمضان الشهر الذي ترتفع فيه مبيعات الكتب المذكورة إلى اكثر من 50 بالمائة حسب ما افاد به اصحاب الخبرة في مجال تسويق الكتب. حيث أكد مسؤول المكتبة العالمية الكائن مقرها بساحة اودان بالعاصمة ان شهر رمضان الكريم حافز أساسي للقارئ الجزائري لاقتناء الكتب والتي أسماها أصحاب المكتبات بالكتب الموسمية والمتعلقة بطبيعة الشهر نفسه، وهي الكتب الدينية التي تشمل المصاحف وكتب التفاسير والسير النبوية إلى جانب الكتب المتعلقة بالموائد وأصناف الطعام التي يشتهيها الصائمون، مرجعا الأمر إلى وجود متسع من الوقت تتيحه مواقيت الشهر بالإضافة إلى الطبيعة الروحية التي تدفع الأشخاص الذين نطلق عليهم زبائن الشهر إلى اقتناء الكتب الدينية، ومن أكثر الكتب رواجا حسب ذات المسؤول المصاحف بمختلف أحجامها، بل هناك من يقتني عددا كبيرا منها قصد توزيعها على المساجد.وعن العناوين الدينية الأكثر طلبا في هذه الفترة نجد كتب السيرة النبوية لمصطفى السباعي وكتاب أسعد امرأة ولا تحزن لعائض القرني وكتاب كلام في القلب وأصح القلوب ل عمرو خالد، اضافة للمطويات والكتيبات الصغيرة الخاصة بالادعية والاحاديث الدينية، الا انه اكد ان نسبة مبيعات كتب الطبخ تفوق مبيعات الكتب الدينية بعشرين بالمائة تقريبا. فيما أفاد مسؤول التسويق بمكتبة الراشدي الواقعة بشارع ديدوش مراد ان كتب الطبخ تتصدر المبيعات في الفترة التي تسبق شهر رمضان خاصة كتاب ''30 وصفة'' للسيدة رزقي، وكتب الوصفات التقليدية وذلك بسبب ولع الجزائريين بالاكلات الشعبية الدسمة التي تزود الصائم بقدرة اكبر على الصيام، فيما أوضحت مسؤولة مكتبة الفن الجميل والمتخصصة ببيع المؤلفات المكتوبة باللغة الفرنسية ان المكتبة تتحضر في مثل هذه الفترة من السنة بتزويد رفوفها بعدد اكبر من الكتب الدينية وكتب الطبخ العالمية لانه الجناح الذي يسجل اكبر نسبة في الاقبال قبل شهر رمضان .على راس القائمة المصاحف وكتب التفسير وصحيح البخاري الشرح والمختصر وكتاب رياض الصالحين. وانطلاقا من هذه المعطيات وهذه الحقائق والارقام التي زودنا بها اشخاص مختصون في المجال وعلى دراية بسوق الكتاب باقتراب شهر رمضان لمسنا ذلك التهافة غير العادي للنساء على اركان وزوايا كتب الطبخ اكثر من إقبالهن على أي نوع اخر، لتدفع الكثير في سبيل اقتناء كتب الطبخ والتعرف على الجديد. ولعل سوق كتاب الطبخ كان وراء هذا الهوس النسوي بها حيث تنشط أسواق كتب الطبخ لانها تلبي شهوة الأكل وهي طريقة تواسي ربما الصائم وتنسيه جوع يومه. لذلك يجتهد مصمموها في ارفاق وصفاتها بصور لأشهى الأطباق واجمل الديكورات من الوان وصحون ومناديل واواني فخمة تسحر العين قبل البطن. وهي طريقة لجلب الزبونة. ونظرا للتهافت الواسع على كتب الطبخ في مثل هذه المناسبة يعمد حتى اصحاب الاكشاك الخاصة ببيع الجرائد إلى تخصيص رفوفهم وواجهاتهم لعرض كتب الطبخ التي يتفنن منتجوها في تزيين أغلفتها كي تجذب نظر وتبهر المشتري، مستغلين شغف المرأة بعالم الطبخ واهتمامها بالمطبخ الذي تبدع فيه أشهى الأكلات مبرزة قدراتها وابتكاراتها التي تعطيها قيمة اجتماعية خاصة بين أفراد عائلتها ونظيراتها بحكم أن رمضان هو فرصة يكثر فيها الحديث عن الأكل بل ويستمتع بذلك. ومع هذا الإقبال الكبير على شراء كتب الطبخ يبقى السؤال المطروح ما سر هذا السيل الكبير من عناوين كتب الطبخ التي غزت الأسواق الجزائرية رغم غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار مع العلم ان هذا النوع من المطبوعات والكتب والمجلدات في فن الطبخ تؤلف وتسوق وتباع بدن ادنى مقاييس أو مراقبة لنوعية الوصفات المقدمة وطبيعة التركيبات الغذائية ولا احد يعلم مدى نفعها او ضررها بالنسبة لصحة المستهلك فالوصفات التي تتضمنها تطبقها النساء بثقة عمياء دون شك في مدى تلاؤمها مع النظام الغذائي الذي من المفروض اتباعه خلال الشهر والذي من الواجب ان يحظى بحصة اكبر من الاهتمام. من جهة أخرى ومع انشغال المواطن الجزائري رجلا كان ام امراة بأمور المطبخ إلا اننا نجد العائلات الجزائرية متمسكة بالجانب الروحي للمناسبة واهتمام المواطنين بالكتب الدينية التي تاتي في المرتبة الثانية في ترتيب نسبة المبيعات ينم عن شوق الجزائري لتلك الأيام الإيمانية التي ترقى بروح المؤمن وجسده وهو عاكف على العبادة ليثبت صدق نيته في تجديد العهد مع ربه على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع ذنوب والسيئات.