انتقل إلى رحمة الله رائد الأدب الجزائري الروائي الكبير الطاهر وطار أول أمس عن عمر يناهز 74 سنة إثر مرض عضال ألزمه الفراش لمدة عامين. لفظ أبو الرواية الجزائرية أنفاسه الأخيرة وسط عائلته بمنزله الكائن بالجزائر العاصم،ة في ثاني أيام شهر رمضان، تاركا وراءه إرثا أدبيا ، حيث كتب وطّار عشرات المؤلفات بينها روايات ترجم بعضها إلى عشر لغات، ونال شهرة عربية وعالمية ك''الشمعة والدهاليز'' و''اللاّز'' و''الزلزال'' و''الحوّات والقصر'' و''رمانة'' و''تجربة في العشق'' و''عرس بغل'' و''العشق والموت في الزمن الحراشي'' و''الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي'' و''الشهداء يعودون هذا الأسبوع'' التي أخرجت مسرحية نالت نجاحا كبيرا. لقد ودع وطار الساحة الأدبية إلى الابد بعد ان قضى قرابة السنتين ممدا على فراش المرض حيث نقل خلالها الى إلى العاصمة الفرنسية باريس، بغية مواصلة العلاج وإجراء جملة من التحاليل الطبية، بعد ان أمر رئيس الجمهورية بنقله إلى الخارج والتكفل بكامل مصاريف علاجه، حيث سخرت له كل الإمكانيات ليكون علاجه على أعلى مستوى. ومع أن فترة العلاج بفرنسا قد أتت بثمارها حيث شهدت صحة صاحب ''اللاز'' نوعا من الاستقرار النسبي أعيد على إثرها إلى ارض الوطن الا ان المرض تمكن من جديد من جسد وطار بسبب السأم وتخليه عن تناول الادوية ، مما أدى الى تراجع حالته الصحية طريقة سريعة، وصلت حد مكوثه في الإنعاش لأيام بإحدى المصحات العمومية بالعاصمة. رغم هذا عاد وطار واسترجع وعيه جزئيا، وخضع منذ دخوله المصحة إلى علاج صارم، حيث منعت عنه الزيارات ، غير أن حالته الصحية الحرجة لم تسمح له حتى بالعودة إلى باريس لمواصلة العلاج. وعلى الرغم من تفاقم وضع مؤسس الجاحظية عمي الطاهر، الا انه بقى صامدا يقاوم المرض الى ان وفته المنية في ثاني ايام شهر الرحمة بين افراد عائلته بمنزله بالعاصمة. لنودع اليوم عمي الطاهر الذي مات شهيدا كما أراد، وهو الذي قال ''اتمنى ان أموت صادقا كالشهداء''، وها هو يموت في شهر الصيام، حيث تفتح أبواب الجنان. وقد تم تسليم جثمان الفقيد بعيادة بئر مراد رايس بوسط العاصمة الجزائر. ''قصيدة تذلل'' آخر قطرة تساقط من قلم وطار ''قصيدة تذلل'' هي آخر قطرة حبر تسقط من قلم الروائي الراحل وطار التي كتبها على فراش المرض بباريس ، قصيدة تناول فيها علاقة المثقف بالسلطة، واعتبر الطاهر وطار هذه العلاقة علاقة اتسمت بالتوتر وعدم الاستقرار في جزائر كان يريدها دوما ''بيضاء'' كما وصفها في كتاباته سنوات الخمسينيات والستينات، حيث أبان وطار عن قدرة تجريبية هائلة مزجت الأصالة بالواقع الاجتماعي، ناهيك عن جرأته في بناء الشخصيات والأحداث في معالجة قضايا محلية وبيئية بلغة متطورة تقارب في روحها العامة كلاسيكيات الرواية. وقد اعتبر علاقة المثقف بالسلطة احد هواجسه الكبيرة طيلة حياته فكرس لها خاتمة اعماله الادبية . هكذا جعل عمله خطاباً موجّهاً ضد الشعراء أنفسهم، وضد مَن يتصدّرون الساحة لا بشِعرهم بل بمناصبهم الجديدة التي يدافعون عنه بشراسة ولؤم .. عمل طالما وعد به القراء منذ سنة ,2007ولكن شيطان وادي عبقر لم يطلق سراح الكلمات إلا وصاحب ''اللاز'' ينتظر نتائج التحاليل الطبية بمستشفى باريس، فجاءت الرواية بمولد باريسي على عكس كل أعماله التي كان يعتكف فيها في جبل شنوه بتيبازة. في حديثه عن موضوع روايته الأخيرة ''قصيد في التذلل''، قال الطاهر وطار ''هو موضوع يشغلني منذ الخمسينيات وكتبت فيه تحديدا روايتي تجربة في العشق، التي كانت عن علاقة المثقف بالسلطة، وهي أيضا موضوع روايتي الأخيرة ، فبالنسبة لي وبقطع النظر عن حقيقة أن كل سلطة لا بد لها من مثقفين ومن ركيزة علاقة المثقف بالسلطة يجب أن تكون علاقة تجاوز من طرف الأول، فمن خصائص السلطة الثبات والبقاء، بينما الشاعر والكاتب والفنان، أو المبدع بصفة عامة، يتجاوز في كل لحظة نفسه ومحيطه وسلطته، ومن يقحم نفسه في خانة السلطة وداخل خضمها، يكون قد رهن حريته ويكون قد رهن قدرته على قول الحقيقة كاملة غير منقوصة، ومع الأسف الشديد في العالم العربي، هناك من المثقفين من يعتبر السلطة تشريفا، المتنبي سعى للسلطة، حسب ما تعلمنا به الرواية، لكن السلطة رفضته، وكأني بها وقد قالت له: أنت لا تستحق أن تذل وأن تهان، أما الأمراء فاستكثروها عليه، لأنه لو تمكن منها لظفر بالإمارتين، إمارة الإمارة وإمارة الشعر، وهم لا يملكون سوى إمارة واحدة، فلم يعطوه السلطة بالرغم من أنه سعى إليها، أما عندنا فالسلطة هي التي تجري وراءك وبهذا العمل ختم الروائي الطاهر وطار الراحل مسيرته الإبداعية الطويلة.