ما إن يبدأ العد التنازلي لإطلالة رمضان في بلاد شنقيط ''موريتانيا'' حتى تعم مشاعر البهجة والاحتفاء لدى هذا الشعب المسلم والبالغ تعداده حوالي 3 ملايين نسمة، ولأن الموريتانيين يطبعهم في غالبيتهم طابع الالتزام والتقيد بتعاليم الدين الإسلامي، فإن رمضان بالنسبة لهم هو فرصة نادرة وباب مفتوح للمبادرة إلى الطاعات وأعمال الخير، وتلعب أجهزة الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون دورا بارزا في إيصال صوت العلماء، تعليماً وتوجيهاً وإرشاداً خلال الشهر الكريم، ولا يخلو إحياء الموريتانيين لرمضان من طقوس تعكس تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم العريقة. المدرسة الرمضانية كما يحرص الصائمون على حضور الدروس اليومية التي تلقى في هذه المساجد والتي تبين للناس أحكام دينهم، ويجيب من خلالها الفقهاء على تساؤلات المستفتين حول مختلف الأحكام المتعلقة بالعبادات والنوازل المختلفة، وتمثل هذه الدروس امتدادا طبيعيا للدور التاريخي ل الجامعات الشنقيطية المتنقلة المعروفة ب''المحاظر'' والتي كان لها دور أساسي في نشر العلوم العربية والإسلامية في المنطقة. وتميزت إطلالة رمضان عام 1341 ه في موريتانيا بخطوات رسمية لاقت ارتياحا واسعا، فبعد أيام من إعلان الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن إنشاء إذاعة للقرآن الكريم بدأت بالفعل بثها مع مطلع الشهر الكريم، أعلن وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الموريتاني أحمد ولد النيني عن تبني الدولة لإنشاء مسجد جامع جديد سيكون الأكبر في موريتانيا ويتسع لخمسة عشر ألف مصل، إضافة إلى تبني الدولة لطباعة ''مصحف شنقيط'' برواية ورش عن نافع المنتشرة بمنطقة المغرب العربي. ثنائية ''الفقيه والطبيب'' أما في التلفزيون والإذاعة الرسميتين فتخصص ساعات طوال لبرامج مباشرة يستضاف فيها أبرز علماء البلد ويقدمون في كل حلقة درسا يتناول موضوعا فقهيا معيناً قبل أن يفتح المجال للاتصالات الهاتفية التي تطرح من خلالها استشارات شرعية مختلفة. ومن العادات الثابتة التي التزمتها وسائل الإعلام الموريتانية منذ ما يقارب عشرين سنة ما يعرف بثنائية ''الفقيه والطبيب'' حيث يحضر فقيه وطبيب في ''السهرات الرمضانية'' التي تبثها الإذاعة والتلفزيون، ويشكل تواجدهما معا عاملا مهماً لإيجاد حلول نهائية لعدد من الاستشكالات التي يطرحها الصائمون وبالأخص ما يتعلق منها بإمكانية صوم المريض بمرض كذا أو كذا، حيث يرفض الفقيه أن يعطي جوابا قاطعا قبل أن يبدي الطبيب رأيه حول تأثير الصوم على هذه الحالة المرضية أو تلك، ليخرج الفقيه بحكم نهائي. الدور المتميز الذي تلعبه الإذاعة والتلفزيون الموريتاني الرسميين أثناء رمضان يجعلهما محور اهتمام المستمع والمشاهد الموريتاني، فلا تمر من شارع أو تدخل محلا تجاريا إلا وانتهى إلى مسامعك صوت المذياع أو التلفزيون صادعاً بالقرآن الكريم أو المدائح النبوية أو محاضرات أحد العلماء البارزين.