اكتوى الجزائريون أكثر من غيرهم من شعوب المعمورة بنار الإرهاب خلال سنوات التسعينات لدرجة كان يخيل فيها بأن عجلة الحياة قد توقفت وأن نهاية الدنيا قد اقتربت، المشهد كان سوداويا للغاية بوجود آلاف الأرامل والثكلى وعشرات الآلاف من الأيتام. حين ذاك كانت الجزائر تتخبط في دوامة أرادت لها أطراف خارجية أن تستمر لأبعد حد دون أن تجد رفيقا أو صديقا يمد لها يد العون، بل بالعكس تم فرض حصار عليها من القريب قبل البعيد ومن الصديق قبل الغريم. إن المجازر المريعة والتجربة القاسية التي مرت بها الجزائر كانت بالأساس نتيجة لانتشار الأفكار المغلوطة والابتعاد عن الوسطية والاعتدال، بعيدا عن ما هو متعارف عليه سياسيا واجتماعيا ودينيا، بل الأمور تجاوزت الحد حين تحولت الأفكار المتطرفة إلى أفعال عنيفة وغير قانونية وغير أخلاقية بل غير مبررة دينيا، وترجمتها عمليا كان ترويع الآمنين وإحداث الفوضى في المجتمع وبث اللااستقرار مع فرض الرأي والقناعات والأفكار بالضغط والتهديد أو بقوة السلاح. وعلى هذا الأساس فإن التطرف يرتبط بالفكر والإرهاب، يرتبط بالفعل، بمعنى أن التطرف يبقى في دائرة الفكر، أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب، وعليه فالتطرف هو دائما مقدمة حتمية للإرهاب. ما ورد على لسان الوزير الأول في معرض عرضه بيان السياسة العامة للحكومة يثبت يقينا بأن الجزائر نجحت إلى حد كبير في تحديد مكمن الداء واستوعبت الدرس جيدا، حين قال إن الإرهاب هزم عسكريا غير أنه جدد في الوقت ذاته نداء الدولة للمتمسكين بنهج العنف، داعيا إياهم إلى الالتحاق بركب المصالحة، مؤكدا أن دور المساجد يقتصر على المهمة التوحيدية وأن استغلالها في ممارسات أو خطب غربية ودخيلة على مجتمعنا وديننا الحنيف ستواجه بحزم .. إن كلمات الوزير الأول فيها دعوة صريحة إلى الإقبال على الوسطية والاعتدال، واليسر واللين والسماحة وقبول الآخر، وهي في الأصل سمة من سمات هذا الدين ومبدأ من مبادئه الأساسية الثابتة وميزة من ميزات هذه الأمة، كما قال تعالى في محكم تنزيله: ''وكذلك جعلناكم أمة وسطا''. فالتطرف بمختلف أشكاله مرفوض وممقوت سواء كان فكريا أو سلوكيا وسواء كان من أفراد أو من جماعات، بل وهو ظاهرة مرضية تؤشر على وجود خلل ما في النفس الإنسانية أو في الظروف المحيطة بها، وعليه فتخفيض العمل على مثيرات التطرف والعنف إلى أدنى مستوى ممكن، من خلال التلفاز والصحف ودروس المساجد وغيرها، هو في خضم العلاج الشافي والوافي لاقتلاع جذور الإرهاب والتطرف، فالشباب بطبيعته يتمتع بطاقات هائلة ومتنوعة يمكن أن تكون طاقة بناءة إذا وجدت من يوجهها التوجيه الصحيح، ويمكن أن تكون طاقة هدامة تجرف الأخضر واليابس إذا لم تحض بالعناية والتوجيه..