روى الإمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ''ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولاً'' وفي رواية ثانية ''ذاق حلاوة الإيمان'' وورد في حديث آخر: ''ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان''. إذن فللإيمان حلاوة وطعم يتذوقه من كان أهلاً لذلك، وطعم الإيمان لا يتغير فهو حلو دائمًا، وإنما الذي يتغير هو حال من يتذوقونه، كالمريض الذي لا يستشعر عذوبة الماء الفرات، فليس العيب في الماء، ولكن العيب في الحالة المرضية التي حالت دون التذوق. فقال الحسن: لعاب النحل للباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم. وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج. فقال: ولم قال يقول: لا أؤدي شكره فقال: إن جارك جاهل وهل يؤدي شكر الماء البارد. وكان سفيان الثوري: يحمل في سفره الفالوذج. والحمل المشوي ويقول: إن الدابة إذا أحسن إليها عملت. وما حدث في الزهاد بعدهم من هذا الفن فأمور مسروقة من الرهبانية وأنا خائف من قوله تعالى: '' لا تُحَرِّمُو طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم ولاَ تَعْتَدُوا ''. ولا يحفظ عن أحد من السلف الأول من الصحابة من هذا الفن شيء إلا أن يكون ذلك لعارض. وسبب ما يروى عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه اشتهى شيئاً فآثر به فقيراً وأعتق جاريته رميثة وقال: إنها أحب الخلق إلي فهذا وأمثاله حسن لأنه إيثار بما هو أجود عند النفس من غيره وأكثر لها من سواه. فأما من دام على مخالفتها على الإطلاق فإنه يعمي قلبها ويبلد خواطرها ويشتت عزائمها فيؤذيها أكثر مما ينفعها. وقد قال إبراهيم بن أدهم: إن القلب إذا أكره عمي، وتحت مقالته سر لطيف وهو أن الله عز وجل قد وضع طبيعة الآدمي على معنى عجيب وهو أنها تختار الشيء من الشهوات مما يصلحها فتعلم باختيارها له صلاحه وصلاحها به. فالشهوة مريد ورائد ونعم الباعث هي على مصلحة البدن. غير أنها إذا أفرطت وقع الأذى، ومتى منعت ما تريد على الإطلاق مع الأمن من فساد العاقبة عاد ذلك بفساد أحوال النفس ووهن الجسم. واختلاف السقم الذي تتداعى به الجملة مثل أن يمنعها الماء عند اشتداد العطش، والغذاء عند الجوع والجماع عند قوة الشهوة، والنوم عند غلبته، حتى إن المغتم إذا لم يتروح بالشكوى قتله الكمد. فهذا أصل إذا فهمه هذا الزاهد علم أنه قد خالف طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. من حيث النقل وخالف الموضوع من حيث الحكمة.