السؤال بسم الله الرحمن الرحيم.. بارك الله في جهودكم، وأرجو لكم مزيد التوفيق، وأتمنى ردًا غير تقليدي. والسؤال هو: حديث الربانية، وهي هدف كل داعٍ فضلاً عن كل مسلم، لكن ذوق حلاوة الإيمان ليست مجرد موعظات، والمجاهدة بالفعل على الليل والقرآن وذوق حلاوة القرب من الله، وأمام هذا الطريق نفسٌ تجعل الصراع مع طول الأيام بعد أنّ كان مجاهدةً للإحسان إلى مجاهدةٍ للتوبة. أرجو أن يكون سؤالي واضحًا.. وأرجو الإفادة، مع إرشادي إلى كتبٍ روحيةٍ إيمانيةٍ غير الكتب المشهورة. يقول الأستاذ همام عبد المعبود: أخي الحبيب؛ يسر الله لك، وفتح لك أبواب رحمته ورضاه.. وبعد؛ بدايةً اسمح لي أن أفضي إليك بأمر، فعندما تسلمت رسالتك وقرأت ما بها، وجدتني أمام استشارةٍ من نوع خاص، ومستشيرٍ من نوعٍ خاص، ذلك أنك لم تترك لي بابًا أخرج منه، فأنت تريد ''ردًا غير تقليدي''، ولا تريد ''مجرد موعظات''، حتى عندما طلبت منا أن نرشح لك بعض الكتب الروحية والإيمانية، اشترطت أن تكون من ''غير الكتب المشهورة''. والحقيقة أنني حينما أُغلقت دوني أبواب الخروج جميعها ضحكت وقلت لنفسي: لن يجيب على استشارة الأخ ياسر إلا مستشارٌ غير تقليدي!! وقد ذكرتني كلمتك ''ذوق حلاوة الإيمان ليست مجرد موعظات'' بقصَّةٍ يضربها المتخصصون في مجال التربية الروحية، تقول القصة: أنه جيء بكوبين مملوئين بعسل النحل، وقُدِّما لرجلين، كان أولهما صحيحًا معافى، وكان ثانيهما مريضًا عليلا، وبعدما ذاق كلاهما طعم العسل، قيل لهما: ما طعم العسل؟ فرد الصحيح: حلو، وقال المريض: مر!!. فرغم أن طعم العسل حلو، غير أنَّ المريض السقيم وجده مرًّا غير مستساغ، وليس هذا لعيب في العسل، ولكن العيب فيه، إذ غلب عليه السقم، فغيَّر طعم الأشياء في حلقه، والحل أن يسعى لعلاج نفسه. وعليه أقول لك -أخي الحبيب- لا يشكّ أحدٌ في أنَّ للإيمان طعمٌ وله حلاوة، لكن ليس بوسع كل مسلمٍ أن يستشعرها، ولا أن يتذوقها؛ إنما يتذوقها من كان لذلك أهلاً، وانظر إلى بلاغة قول الحبيب صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار). فطعم الإيمان حلو دائمًا لا يتغيّر، وإنما الذي يتغيَّر هو حال من يتذوقه، فقد روى الإمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولاً)، فإن حلاوة الإيمان إذا خالطت بشاشة القلب تجعل صاحبه مع الله في كل وقت وحين، في حركاته وسكناته، في ليله ونهاره. غير أنَّ السير إلى الله يستلزم من السائر أن يكون ''مجاهدًا لنفسه''، وجهاد النفس يكون بإقامتها على مقتضى الشرع، ومخالفة هواها، قال تعالى: (ونفسٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها)، فأيّما مسلمٍ ساس نفسه وأسلس قيادها فقد نجا بها، فإن ترك لها الحبل على الغارب وسار خلفها واتبع خطاها فإنها حتما سترديه وتهلكه. وقد روي أنّ رجلاً سمع أحد المربين من كبار علماء السلف يصلِّي في الليل ويطيل القيام والركوع، ويبكي، فتعجب الرجل وانتظر حتى انتهى من صلاته، وطرق عليه الباب، وقال له: أتعبت نفسك يا أخي، فقال له: لا والله بل راحتها أبغي؛ فمن أرد راحتها في الآخرة فليجاهدها في الدنيا!! ومع إقرارنا بأنَّ النفس بطبيعتها متمردة، فإن على العبد المسلم أن يروضها، فقد نجحت هذه النفس ''الأمارة'' أن تحول الصراع داخل المسلم من جهادٍ للترقي في مدارج السالكين من مصافّ المؤمنين لمصافّ المحسنين، ومن الإيمان إلى الإحسان، حولته إلى صراعٍ للوصول إلى مجرَّد التوبة! وأذكر نفسي وإياك بما روي في الأثر: (النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه)، فمن ترك المعصية -أي معصية- مخافة الله واستحياءً منه سبحانه، فإن الله يكافئه بأن يبدله عن هذه المعاصي إيمانًا يذوق طعمه ويجد له حلاوةً في القلب. وحتى نكون قومًا عمليين، اسمح ليً أن أعرض عليك هذا البرنامج العملي، الذي قد يعينك على مواصلة الطريق، وأسأل الله أن يجعله سببًا في تذوقك لحلاوة الإيمان، وأن يخلص نيتي فيه، وأن يفتح قلبك له: 1 احرص على قيام الليل، واستعن عليه بقلة الطعام ونومة القيلولة. 2 احرص على قراءة القرآن في السحر أو بعد الفجر فإنه يرقق القلب. 3 تدبَّر ما تقرأ من القران، وعظّم قيمة الفهم والتدبر على القراءة. 4 أكثر من النوافل -من الصلاة والصيام- فإنها تكون سببًا في الحصول على محبة الله والقرب منه. 5- عُدِ المرضى، فإنه أحرى أن يرقّق قلبك ويذكرك بنعم الله عليك. 6 زر القبور فإنها تذكر بالموت والآخرة. 7 أكثر من صدقة السر، وحافظ عليها. 8 حافظ على الصلوات في المسجد، وأوصيك بصلاة الفجر فإنه لا يحضرها منافق. 9 اتخذ لنفسك صحبةً مؤمنة، فإنها خير عونٍ للمرء في دنياه. 10 حاسب نفسك أولاً بأوَّل، ولُمْها على التقصير في الطاعات، وعاتبها على الغفلة عن الله، وعاهدها بالرعاية والمحاسبة والمجاهدة لتستقيم. وختاما؛ أرشح لك بعض الكتب الروحية التي أتمنى أن تفيدك وتعينك: - ''الإيمان.. أركانه، حقيقته، نواقضه'' للدكتور محمد نعيم ياسين. - ''تربيتنا الروحية'' للشيخ سعيد حوى. - ''المستخلص في تزكية الأنفس'' للشيخ سعيد حوى. أسأل الله العظيم أن ينفع بك، وأن يجعلك من أحبائه وخلصائه، وأن يجعلني وإياك من المقربين إليه، وأن يبدلنا عن معاصينا إيمانا نجد حلاوته في قلوبنا.. آمين. وننتظر أن نسمع عنك أخبارًا طيبة.