ها قد أقبل فصل الصيف وأقبلت معه حرارته اللاهبة، وفي كل إطلالة لهذا الفصل تشهد الجزائر حركة غير عادية ورواجا ملحوظا على جميع المستويات وتتحول إلى قبلة لعدد كبير من الوافدين الذين يفضلون قضاء عطلتهم بمدنها الساحلية المتميزة بشواطئها الجميلة، فلا يكاد يحل الفصل حتى ترى الناس، يحزمون حقائبهم إلى مدينة أخرى، فتبدو الطريق إلى الشاطئ أقرب إلى موسم لهجرة مئات العائلات الجزائرية من مختلف الطبقات المتوسطة الدخل والكادحة والميسورة وأيضا المنعدمة الدخل، كالعاطلين والطلبة والتلاميذ الذين يفدون كضيوف على أقاربهم، ليتشكل امتداد بشري هائل هو أقرب لنزوح شبه جماعي يتكرر في هذه الفترة من كل سنة... ومع وصول هؤلاء المصطافين من داخل وخارج الوطن تبدأ وسائل إيواء في الانتشار كالفطر وأبرزها كراء المنازل والبيوت أو غرف بمنازل مسكونة والتي خطفت الزبائن من الفنادق والمنتجعات، نظرا لغلاء المبيت فيها، حيث يرى المصطاف التجهيزات المتعلقة بالبيوت والمنازل الوسيلة الأنسب ومستوى قدرته الشرائية. تشهد كافة المدن الساحلية وذات الشواطئ الجميلة في الجزائر على غرار بجاية، جيجل، مستغانم، وهران، عنابة.. في مثل هذه الفترة من كل سنة حركية كبرى استعدادا لموسم الصيف والاصطياف ... ويطغى على أجوائها ظاهرة تتكرر في كل صيف من كل سنة وهي ظاهرة كراء المنازل التي باتت كالبورصة حيث تمثل لسكان المدن الساحلة موسم كسب وشطارة، حيث تسعى الأسر على تجهيز البيوت أو الشقق المعدة للكراء بكل الضروريات التي توفر الراحة للزبائن لقضاء العطلة الصيفية، وحتى وضع إعلانات "شقق مؤثثة ومكيفة للكراء" في حين تقوم هذه العائلات إلى هجرة مساكنها التي تقيم بها قصد كرائها للمصطافين، والذهاب إلى الأهل والأقارب بحجة الاصطياف وحتى أن البعض منهم يقومون بتوزيع أنفسهم بين بيت هذا وذاك.. فيا ترى لما تلجأ هذه العائلات إلى السمسرة بشققهم؟ هل هي الحاجة؟ أم وجدت العائلات الجزائرية مهنة جديدة تسترزق منها؟ انطلاقا من هذه الأسئلة ارتأت الاتحاد التقرب من بعض الأشخاص لرصد آرائهم وانطباعاتهم حول الموضوع. .. هكذا "يتهنى الفرطاس من حك الراس " اعمر من تيزي وزو وبالضبط من أزفون الذي يقول أن تقريبا كل جيرانه يستعدون لمغادرة منازلهم بدء من الشهر الوالج وكرائها للمصطافين من داخل وخارج الوطن، فيما يذهب أصحاب المنزل إلى منازل آبائهم أو أهليهم، وذكر السيد اعمر أن جاره الذي يقابل منزله أفراد عائلته متكونة منه وزوجته وأربعة أولاد، وكي يقوم باستئجار منزله يقوم بتوزيع أفراد عائلته لكراء منزله حيث تذهب زوجته إلى بيت أهلها في العاصمة ويذهب هو عند والدته بوسط المدينة ويقود أكبر بناته إلى منزل خالها بسطيف والولد الذي يليها إلى منزل عمه ببومرداس فيما يقوم بتسجيل التوأمين في مخيم صيفي.. وهكذا "يتهنى الفرطاس من حك الراس ".. يكري شقته الفاخرة ويبيت هو وعائلته على السطح ! أما مسعود من بجاية فيقول أن له أخا يقطن منزلا جميلا يقع بشاطئ تيشي وبالرغم من أن حالته المادية جد ميسور إلا انه يقوم بتأجير بيته للمغتربين إلى درجة أن تحرم نفسه من مشاهدة التلفاز لتوفره للزبون من أجل إرضائه، حتى وان كان هذا الزبون يريد قضاء ليلة واحدة فقط، فيما يذهب هو وعائلته للسكن في سطح منزله ليوفر شقة جاهزة مجهزة، تدر عليه مدخولا ماديا يسد حبه للمال. حرفة لمن لا حرفة له وحول الظاهرة المنتشرة بين بعض العائلات التي تقطن المدن الساحلية يقول أولكريم شاهد صاحب وكالة عقارية أن معاناتهم لم تقتصر فقط على السماسرة الذين يزاحمونهم كوسطاء بين الزبون والوكيل العقاري ليلهف أموالا كبيرة من وراء بيعة واحدة على حد قوله ، بل حتى الزبون نفسه بات يعتمد على نفسه ليكري منزله وهو أمر بات معروفا ومنتشرا بين الأطفال والشباب والنساء الذين يتعاطون هذه الحرفة في كل صيف من كل سنة وهي حرفة لمن لا حرفة له. دار خالتي الحاجة فندق بمعايير خاصة خالتي العامرية أرملة ستينية من شرشال زوجت كل أبنائها، هي الأخرى جعلت من فيلتها المكونة من ثلاث طوابق إلى فندق بمواصفات خاصة، وذلك خفية عن أولادها، حيث قالت فتحية أكبر بناتها: بدأت الشكوك تساوني وإخوتي عندما كانت أمي ترفض بشكل مطلق أن تستقبل فيه أفراد من عائلتها للمبيت عندها، وكي لا نكتشف أنها كانت تؤجر فيلتها تبدأ في زيارة أولادها الست الواحد تلو الآخر وتتواصل مع الآخرين عبر الهاتف لتعلمنا عن مكان وجودها وهذا كي لا نذهب إلى منزلها ونكتشف ما تفعله.. ولكن في أحد الأيام غضب أكبر أبنائي من والده فترك المنزل وقصد منزل جدته وحينها اكتشف أن منزل جدته قد تحول إلى فندق تم استئجاره كشقق ومنازل مفروشة خاصة أنه متمركز على موقع استراتجي جد ملفت، ولم تجد من فرصة أحسن من فصل الصيف، وعندما واجهناها بالأمر خاصة وأنها لم تكن محتاجة للمال لأنها جد غنية قالت أن تستاء من المكوث في نفس المكان طيلة العام لذلك هي تكري منزلها بمساعدة مجموعة من السماسرة الذين يساعدونها على استقطاب وتصيد الوافدين على المدينة طلبا للراحة والاستجمام، والذين تختارهم بعناية فائقة خوفا على منزلها ونظافته... من الاستئجار السنوي إلى المصاهرة الأبدية ولعمي عبد القادر حكاية مع تأجير منزله حيث قال إنه يعيش مع بناته الأربع في فيلا بسيدي فرج وفي نفس المكان له شقة متكونة من ثلاثة غرف، وفي كل سنة ومنذ سبع سنوات يقوم بكراء فيلته لعائلة مغتربة بينما يذهب هو وبناته إلى الشقة وذلك حتى انتهاء موسم الاصطياف، ومع مرور الوقت أصبحت علاقته مع هؤلاء المستأجرين جد وطيدة حيث نسجت فيما بينهم علاقات صداقة من ثم بدأت تتحول إلى عائلية، وذلك بعدما طلبت الأسرة ابنته الصغرى للزواج، منذ أربع سنوات لأصغر أبنائهم، ومن ثم لحقت بها أخواتها المتبقيات لتتزوج الكبرى من الخال والوسطى من ابن العم والثالثة من صديق العائلة .. وهكذا تحولت العلاقة بين عائلتي المستقبلة والعائلة الوافدة إلى مصاهرة.. المسؤولين يعدونه دخل إضافي لسد نقائص الحياة وبالرغم من أن ظاهرة كراء المنازل وعدم مشروعيتها إلا أن هذا النشاط الظرفي تحول إلى مصدر رزق للكثير من العائلات وبالرغم من افتقاره إلى التنظيم القانوني الذي يحدد الشروط وقد رحب العديد من المسؤولين بأغلب الولايات بالفكرة من أجل الاستمتاع بصيف جميل وزيادة دخل إضافي لسد نقائص الحياة.