كشف عبد الحليم عباس، نجل المرحوم فرحات عباس، أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، عن آخر كتاب دوّنه والده بعنوان ''غدا سيطلع النهار'' سينزل إلى المكتبات، غدا، عن منشورات ''الجزائر كتاب نشر''. يحمل الكتاب الكثير من آراء الرجل في آخر أيامه، بخصوص الثورة والاستقلال. تشكل عودة الراحل فرحات عباس إلى واجهة النقاش، بعد نشر الكتاب الذي فضل المرحوم نشره بعد وفاته، فرصة لمراجعة أفكاره ومواقفه حول الثورة التحريرية ومعرفة مصيره بعد .1962 إذ قرر الابن عبد الحليم عباس، بعد 25 عاما من وفاة الوالد، تسليط الضوء على صفحات من آخر ما حملت ذاكرة المرحوم والده. دوّن الكتاب، حسب عبد الحليم عباس، خلال إقامة فرحات عباس تحت الإقامة الجبرية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، راجعه ونقحه في أيامه الأخيرة قبل وفاته في 25 ديسمبر .1985 وقد سبق لفرحات عباس أن أعلن في 1981 أنه بصدد كتابة نص جديد خلال إصدار الطبعة الثانية من كتاب ''الشاب الجزائري''. إلا أن المرض حال دون نشر العمل المنتظر صدوره قريبا، فقرر القائد الثوري أن يسلم المخطوط لنجله، مؤكدا عليه أن الكتاب يجب أن ينشر عندما ترسى أسس ''نظام ديمقراطي حقيقي'' في البلاد، وحينما تأخذ كلمة ''حرية'' كل أبعادها ومدلولها. يظهر فرحات عباس في الكتاب رجلا ثابتا في مواقفه وواثق من قناعاته، قارئ لمساره السياسي بتمعن ومراجع لكل خطوة، لهذا يقول بداية: ''أنا في شفق حياتي، وهذا الكتاب هو آخر مشهد من حياتي السياسية. هو وداع للجزائر، لأصدقائي المغاربة وكل من أحببتهم وخدمتهم طيلة مسيرتي. هو أيضا وداع لأصدقائي الفرنسيين بفرنساوالجزائر، وتحديدا أولئك الذين عاشوا إلى جانبنا إبان الحرب التحريرية القاسية، وعلى حساب حياتهم الخاصة في غالب الأحيان''. يعرفنا فرحات عباس عن نفسه فيقول إنه عاش نصف قرن تحت النظام الكولونيالي، وقاسى الضربات المتتالية، هو ورفاقه، وكتب: ''فأنا شخص لا ينتمي إلى الفروسية العربية ولا المرابطين ولا حتى إلى البرجوازية''، ليكشف بذلك عن بساطته وبساطة وسطه العائلي وكيف تغذى من قسوة الحياة ليتعلم معنى المواجهة. العنصرية الممارسة في الجزائر إبان الاستعمار لم تكن، في نظره، شبيهة بما فعل الإنجليز في جنوب إفريقيا: ''بل كانت أوحش بكثير'' على حد تعبيره. معتبرا أن عقدة الفرنسيين تجاه الجزائريين الإصرار على التعلم والرقي ليصبح الجزائري ندا للفرنسي: ''هذا المطلب جعل الفرنسيين حقودين وشريرين''. يتكلم فرحات عباس عن عائلته، معتبرا إياها نموذجا للعائلة الجزائرية التي واجهت ضغائن المستدمر، وكيف استطاع بصفته صيدلانيا أن يكسب ثقة أهله هناك فانتخبوه عنهم في المنطقة، مستشارا عاما ثم محليا ثم في المجلس الجزائري: ''حيثما حللت عبر كامل القطر وجدت الاستغلال نفسه للجزائري، اللاعدل، البؤس..''. في هذه المدة نسج المسؤول علاقة طيبة مع الناس رغم العناء، وبعد 20 عاما من الاستقلال رجع إلى نفس تلك المواقع، ليجد أن حبهم له لم يتغير، وجاء في الكتاب: ''واصلت زياراتي إلى تلك الأمكنة، لكنني اليوم لست سوى شيخ مريض، لكنهم يأتون لزيارتي''. وعن مرحلة الاستقلال كتب فرحات عباس يقول إن الكل سارع للفوز بالمناصب، ونسي الجميع القيم والمبادئ التي دفعت بالمجاهدين إلى الثورة. في تلك الآونة أوهم الجميع بأن جزائر الاستقلال هي دولة ''الديمقراطية الشعبية'' ليردف: ''عانينا ديكتاتوريتين أولا مع احمد بن بلة ثم بومدين. بن بلة قدم نفسه كنموذج مصغر لفيدال كاسترو، نظامه الشمولي، وحكمه الشخصي، وأيديلوجيته الشيوعية، أفقدت الجزائر معالمها وغرقت في الفوضى والقلق''. وعن بومدين كتب: '' كان له الوقت ليمزق ما تبقى من الجزائر المسلمة. حطم الزراعة بالثورة الزراعية''. كل الأشياء التي غذت حلم التغلب على فرنسا الاستعمارية لم تحقق بعد الاستقلال، حسب فرحات عباس: احترام حقوق الإنسان، الحريات الفردية، كرامة المواطن، عودة الفلاح إلى أرضه واحترام الملكية الشخصية. ألقى الرجل في كتابه نظرة بعيدة إلى جزائر الألفين وتساءل قائلا: ''ماذا يخبئ لنا العام 2000؟ إلى أين تتجه حضارتنا؟''. ليجيب: ''أمل واحد يحركني هو رؤية أجيال الغد تأكل من عمل يدها. تحيط بها الرفاهية والسلم''.