ما حدث بيننا فتنة مدبرة وأصوات متوترة يجب تجاوزها أراد الفنان المصري الشاب خالد أبو النجا من خلال مشاركته في المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران، مدّ جسر صداقة بين الشعبين، وقال في حواره مع ''الخبر'' إن لقاءه بجمهوره يعزز خطوته نحو الجزائر، وأنه لا يبالي بما قد يقال عنه في مصر، لأنه ''لا يمثل سوى نفسه'' في هذه التظاهرة. كيف كان رد فعلك حين بلغتك دعوة المشاركة في المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران؟ l أنت لا تتصور فرحتي مع كل فريق الفيلم بدعوتنا للمشاركة في مهرجان وهران. كنا ننوي إحضار كل الفرق الموسيقية التي شاركت في فليم ''ميكروفون''، وإقامة حفل غنائي في نهاية العرض كما فعلناه في كل المهرجانات الأخرى، لولا الوقت المتأخر الذي وصلتنا فيه الدعوة. وقد فضلت المجيء إلى الجزائر وإلغاء مواعيد هامة كانت مبرمجة منذ مدة من أجل بحث فرص توزيع فيلم ''ميكروفون'' في أوروبا، لأن عرض فليمي في هذه الوضعية الصعبة وغير العادية بين البلدين كان يهمني كثيرا لمعرفة مدى تجاوب الجمهور مع العمل دون رياء ونفاق. فأنا حريص على الحضور في المهرجانات، لأنني أؤمن بأن الفنان يكبر من خلال آراء جماهير مختلف البلدان، وأعتقد أن هذا ما يجعل مني فنانا صادقا.
تفاعل الجمهور الجزائري بتصفيقاته قبل وبعد انتهاء العرض، وقد أبكى مواطنتك الناقدة السينمائية في القاعة، هل يفاجئك ذلك وأنت تحمل مسؤولية كبيرة بحضورك إلى الجزائر بعد كل ما وقع بين البلدين؟ l (بعد لحظة صمت) ما حدث ظلم في حق الشعبين المصري والجزائري، ولا يمكن أن يستمر. أبواق الفتنة الساعية لبيع جرائدها كانت وراء ما حدث. وأنا أثق في الفنون لإعادة ربط العلاقة بين البلدين ومدّ جسور صداقة. وأنا هنا في وهران لا أمثل إلا نفسي، لكنني أحمل رسالة حب واحترام. ولا أرى فيما حدث إلا فتنة مدبرة وأصواتا متوترة لفترة قصيرة في ملعب كرة القدم، فلنتركها في حدود الملعب. فيلم ''ميكروفون'' هو صرخة ضد كل ما هو رسمي ونمطي ومعتاد. هل تسعون للتأسيس لتيار سينمائي جديد؟ l فكرة الفيلم أصلا كانت عملا وثائقيا حول شباب يعيشون تحت الأرض، ويحاولون التعبير عن أحاسيسهم بموسيقى ونمط حياة جديدين ومشاكل اجتماعية. سأكشف لك سرا، وهو أن تصوير الفيلم في الإسكندرية، تزامن مع اندلاع مظاهرات حاشدة للتنديد بمقتل شاب من طرف البوليس المصري، وهو ما اشتهر ب''شهيد الطوارئ''. فقررنا مع فريق التصوير إدراج المظاهرات ضمن الفيلم لإضفاء واقعية أكثر على العمل. ثم لا يمكننا أن نقف متفرجين على ما وقع، فمشهد البوليس وهو يضرب الشاب هي تجسيد لهذه الواقعة المؤلمة، وموقف صريح ضد حالة الطوارئ المفروضة علينا منذ اغتيال أنور السادات. وأعتقد أن الإشارات السياسية التي يحملها الفيلم ليست جديدة، لأنها موجودة في الجرائد والفضائيات. الملصقة الإشهارية للمرشح للانتخابات تحمل صورة والد أحد المشاركين في الفيلم، وحتى الاسم غير موجود. خالد أبو النجا هو أحد روّاد السينما المستقلة في مصر. ما هي أبعاد هذا التيار في مصر، وهل بإمكانه منافسة السينما التجارية؟ l السينما المستقلة هي سينما بعيدة عن السائد والتجاري، دون أن تكون ضد السينما التجارية، فأنا أشتغل فيها ومعظم الفنانين كذلك، لأنها صناعة كبيرة يقتات منها العديد من الفنانين. كل المشاركين في ''ميكروفون'' ناس عاديون وغير محترفين، كتبوا قصصهم بأنفسهم، ماعدا أنا ومنى شلبي، كوننا شكلنا الإسمنت الذي يربط البناء الدرامي للفيلم. وقصة خالد هي قصتي الحقيقية بعد رجوعي من الخارج بعد خمس سنوات، حيث تغيرت عليّ أشياء كثيرة، فوجدت بنات متحجبات بكثرة والقاهرة اختنقت. وهذا الوضع ممكن أن يحدث لمن يترك وهران لفترة ويعود بنظرة جديدة. وأنا متأكد أنه لو أُتيحت الفرصة لفيلم ''ميكروفون'' لعرضه في دور مصرية، سيحدث تحول تاريخي للسينما في مصر. وهو تحد كبير، لأن فليمي السابق ''1 ''0 لم ينزل إلا في دورين للعرض، رغم النجاح الباهر الذي حققه في كل المهرجانات الدولية. فكرة الفيلم التوثيقي بدأت مع فيلم ''هيليوبوليس'' الذي أسس للغة سينمائية صادقة حديثة على الجمهور العربي، تسعى للخروج عن المألوف وكسر القواعد، وهي في بعض الأحيان أفلام صعبة المشاهدة. هل بإمكان هذا التيار المسمى السينما المستقلة أن يتخذ شكلا منظما، على غرار هيئة ''أكتورز ستوديو'' لمواجهة سطوة الشركات السينمائية الكبرى في هوليوود؟ l هذا الإطار موجود حاليا. لقد أسست مع بعض زملائي الفنانين ما يسمى ''تيم كايرو'' أو ''فريق القاهرة''، ممن يؤمنون بالسينما المستقلة، كمنى شلبي ومحمد حفظي وأحمد عبد الله، ليقينهم بأن هذا النوع الجديد بإمكانه ردم الفجوة الموجودة بين السينما المصرية والعالم، بعد أن أصبحت السينما المصرية متقوقعة على نفسها وتدور في حلقة مغلقة ولا تقدم شيئا للعالم، تماما مثل الأفلام الهندية التي لا يتعدى مجال عرضها جغرافية البلد. وأنا على يقين بأن السينما المستقلة حاملة لجواز سفر للهجرة لبقية بقاع العالم، والتحدث بلغة المشاعر الإنسانية، وإعطاء نظرة متجددة بالتعبير عن هموم الشباب البسيط الذي يطالب بحقوق بسيطة يحس بها. وفي كل مهرجانات السينما في العالم، استطاع هذا النوع من الأفلام فرض نفسه وإجبار المنظمين على إدراجهم ضمن قائمة الأفلام.
هل هناك مشاريع مع مخرجين جزائريين أو مغاربة، وماذا سيكون ردك لو اقترح عليك دور في فيلم جزائري؟ l ليس لدي أي مانع. وقد كانت لي اتصالات مع مخرجين تونسيين، مثل منصف ذويب ورضا الباهر، لكنها لم تثمر لأسباب خارجة عن نطاقنا. أما فيما يخص الجزائر، فأنا معجب بالمخرج إلياس سالم منذ مشاهدتي لرائعته ''مسخرة''، والتقينا بمناسبة مهرجان في مصر، لكن كونه عضوا في لجنة التحكيم ومشاركتي في المهرجان بعمل، حال دون تجسيد اللقاء. وتبادلنا رسائل إلكترونية مرارا، وأرجو أن تكون لي الفرصة لاحقا لملاقاته.