من أجل امتصاص غضب الشارع، قررت الحكومة صرف 300 مليون أورو، أي أكثر من 3 آلاف مليار سنتيم، من الخزينة العمومية، لدعم استيراد السكر والزيت. هذه الأموال تصب كلها في جيب تجار يتعامل معظمهم في السوق السوداء، بدون فواتير، ولا حسابات بنكية، ولا يدفعون الضرائب أصلا. تمكنت الحكومة من إسكات الألم، بحقنة مهدئة. لكن أسعار السكر والزيت والقمح لا يمكن أن تسكنها حقنات الحكومة إلى ما لا نهاية، لأنها تجري في أسواق المال العالمية والبورصات. وليس بالإمكان أيضا أن تلجأ الحكومة في كل مرة إلى الخزينة العمومية لصرف الأموال، للمتهربين من الضرائب، والمحتكرين وأباطرة السوق السوداء. فكأننا نأخذ من مال دافعي الضرائب، من العمال الأجراء والمتقاعدين، ونملأ جيوب المستوردين، والمضاربين. هذا ما قامت به الحكومة لتسكين ألم الغاضبين على غلاء المعيشة. هل ستتحمّل الخزينة العمومية هزات أخرى، إذا عاودت أسعار السكر والزيت الارتفاع، وعاد الغاضبون إلى الشارع؟ لا يمكن أن يعيش شعب على الحاويات، وأن توزع مقدرات الأمة المالية على المستوردين، الذين يتهربون، في أغلبهم، من الضرائب، ويكدسون الثروات خارج النظام المصرفي. كان أولى بهذه الأموال أن تصرف في تطوير الإنتاج المحلي، وخلق الثروات الوطنية المنتجة للغذاء. وكان أولى بها أيضا أن توظف في خلق مناصب الشغل، للتخفيف على العائلات، ورفع قدراتها الشرائية لتتحمّل تذبذب الأسعار في الأسواق العالمية. فالأموال التي تدفعها الحكومة من الخزينة العمومية على أنها دعم للأسعار، وللقدرة الشرائية، إنما هي في الواقع تشجيعٌ للاحتكار والتهرب الضريبي، وتنشيط للسوق السوداء. وسوف يجد المحتكرون والمضاربون ألف طريقة وطريقة لرفع الأسعار، لابتزاز الحكومة مجددا، والاستفادة من امتيازات إضافية على حساب الأجراء والمتقاعدين والبطالين، الذين يدفعون الضرائب للخزينة العمومية.