لا يختلف الوضع في الجزائر، هذه الأيام، عما تعيشه الدول العربية التي ثارت أو تثور شعوبها ضد الدكتاتورية، مثل تونس، مصر، اليمن، البحرين وليبيا، حيث أن مصالح آلاف المواطنين تعطلت بسبب الشلل المفروض على الإدارات العمومية من طرف المواطنين، والمؤسسات الاقتصادية من طرف عمالها. ولقد تعطلت، نهار أمس، أيضا، حركة المرور كليا على مستوى ''مشروع القرن'' في منطقة جنين مسكين، التابعة لولاية معسكر، وهذا بعد أن حررت مصالح الدرك والأمن مدخل مركب الإسمنت ومشتقاته، الذي يسيّره فرنسيون يشتغلون عند شركة مصرية، وهو المدخل الذي احتله المحتجون منذ الجمعة الماضي، ليتنقلوا إلى الطريق السيار شرق غرب ويشلوا حركة المرور من وإلى ولايتي سيدي بلعباس وتلمسان، وهو الشلل الذي أثر على حركة السيارات والشاحنات في كامل منطقة غرب البلاد. وهو نفس ما عاشه قبلها مركب الحجار في الأيام الماضية، عندما منع المحتجون ''الإدارة الأجنبية'' للمركب من دخوله، وهو نفس المشهد الذي تكرر نهار أمس، عندما منع عمال شركة الوقاية العمومية ''2 س س''، التابعة لمجموعة سوناطراك، إطارات فرع نشاطات المصب من الخروج من مكتبهم، بعد أن احتلوا المدخل الرئيسي ل''العمارة الزرقاء'' الواقعة في حي جمال بمدينة وهران، ليطالبوا بحقوقهم الاجتماعية والمهنية، في حين تصطف سيارات مئات الأساتذة أمام الجامعات ومعاهد التعليم العالي في مختلف أنحاء الوطن والتي يمنع طلبتها الدخول إليها. ولا يمكن إحصاء عدد البلديات المشلولة عبر كامل التراب الوطني، وحتى ولاية عين تموشنت، المعروفة بهدوء سكانها، التحقت هي الأخرى بركب الاحتجاج، حيث امتد إلى بلديات سيدي بن عدة وتامزوغة وحمّام بوحجر. أما في وهران، مستغانم، سعيدة وغيرها من الولايات فإن مواطنين تجرأوا وتقاسموا فيها السكنات الاجتماعية الجاهزة للتوزيع. كما استولى آخرون على عشرات الهكتارات وقسموها إلى قطع، وتنصب آخرون كوكلاء عقاريين يتاجرون في هذه الأراضي، وتكتفي مصالح الأمن والدرك الوطنيين بمراقبة الوضع، متحاشية الاحتكاك بالمحتجين لكي لا ينفجر الوضع. كما توفر مداخل مختلف الولايات مشاهد ''سريالية'' يصطف أمامها منذ الساعات الأولى للصباح مئات المواطنين لإيداع ملفاتهم لطلب السكن أو العمل أو العلاج. وفي ذات الوقت تواجه الإدارات العمومية مشاكل في تسيير أمور الموطنين والمؤسسات بسبب الإضرابات، ففي ولاية وهران، توقف عمال الخزينة العمومية عن العمل منذ خمسة أيام، ورفعوا مطلبا واحدا، هو ''تغيير المدير الذي يعاملنا بطريقة لا إنسانية''. وهو الإضراب الذي أثر على التعاملات المالية للإدارة العمومية ذاتها. وامتدت الاحتجاجات إلى قطاعات ''كانت'' حساسة، ولم يكن أحد يتصور أن مستخدميها سيتوقفون عن العمل دون إشعار مسبق أو تحت لواء نقابتهم، مثل المحاكم، حيث تعيش محاكم الجمهورية هذه الأيام حالة اكتظاظ لا مثيل لها، بفعل تدفق آلاف المواطنين، سواء للمثول أمامها في القضايا التي تأجلت بسبب الإضراب، أو لاستخراج الشهادات والأحكام. ولقد جدولت مجموع المحاكم، التي يشتكي قضاتها من كثرة الملفات، جلستين في جلسة واحدة لتدارك التأخر، في مشاهد لا يمكن تصويرها، ولا يمكن فيها ''أن يقيم القاضي العدل'' وهو يعالج 300 إلى 400 ملف في جلسة ماراطونية واحدة.