إنّ الإنسان في هذه الحياة قد تنتابه المخاوف وتعتريه الصّعاب، فلا تطيب له الحياة ولا يسعد بها إلاّ إذا استمتع بسكينة النّفس وطمأنينة القلب، وسبيل ذلك أن يثق بالله ويُحسِن الظنَّ به ويتوكَّل عليه، لذا كان التوكُّل على الله هو شعار الأنبياء والمرسلين قال تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}. والتّوكُّل على الله هو الثِّقة بالله والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه والاستعانة به في كلّ شأن والإيمان بأنّ قضاءَهُ نافد، والتّوكّل على الله محلُّه القلب كما قال الإمام العارف بالله أبو القاسم القُشَيْري في رسالته ''وأمّا الحركة في الظاهر فلا تُنافي توكُّل القلب بعدما تحقَّق بأنّ التّقدير من فعل الله تعالى فإن تعَسَّر أمرٌ فبتقديره، وإن تيَسَّر أمر فبِتيسيرِه''، والتّوكُّل على الله ضروريٌّ للفرد والجماعات لا يستغني عنه العالم ولا العامل وكما جاء في الحديث القدسي الصحيح قوله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربِّه عزّ وجلّ أنّ الله جلّ جلاله يقول ''أنَا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه حين يذكُرني''، وعرَّفَه الإمام السّهل بقوله: ''التوكّل على الله هو الاسترسال مع الله على ما يُريد''، وقيل ''التوكّل هو هجر العلائق''، لذا أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالتوكّل فقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوت}، بل إنّ التوكّل على الله هو ثمرة من ثمرات الإيمان قال تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُون}، ومَن توكّل على الله كفاهُ الله أمرَ الدُّنيا والآخرة قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. والمسلمون في غزوة أُحُد لمّا حين هُدِّدوا بكثرة الأعداء قال تعالى: {الَّذْينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم}، وهو الّذي قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {فَتَوَكَّل عَلَى الْحَقِّ الْمُبِين}. ومَن توكّل على الله كفاه الله تعالى أمْرَ الدُّنيا والآخرة، فقد روى الترمذي والحاكم ووافقه على الصحّة الذهبي من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''لو أنّكم توكّلون على الله حقّ توكّله لرزقكُم كما تُرزَق الطيرُ تغدو خِماصًا وتروحُ بِطانًا''، وكما جاء في الحديث الّذي رواه البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال ''حسبُنا الله ونِعم الوكيل قالها إبراهيم حين أُلقيَ في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا له إنّ النّاس قد جمعوا لكُم فاخشوهم فزادهم إيمانًا''، لذا علّمنا المصطفى صلوات ربّي وسلامُه عليه عند الخروج من البيت أن يقول كما جاء في الحديث الّذي رواه أبو داود والترمذي من طريق أمّ المؤمنين السّيّدة أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من البيت قال ''بسم الله وتوكّلتُ عليك، اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أزِلَّ أو أُزَلّ أو أذِلُّ أو أُذَلُّ أو أظْلِم أو أُظْلَم أو أجهِلَ أو يُجهَلَ عليَّ'' ليكون قلب المؤمن متعلّقًا بخالقِه سبحانه وتعالى ومتوجّهًا إليه في كلّ أموره وأحواله.