وجدت الجزائر نفسها في قلب ''المستنقع الليبي''، بعد الاتهامات التي كالها المتحدث باسم المجلس الانتقالي الليبي الممثل للثوار للجزائر بالتواطؤ مع القذافي، وقبلها التزمت الجزائر الصمت خلال الثورة المصرية ونأت عن الأحداث، وجاء الصمت الجزائري تجاه الثورة في تونس مخيّبا للآمال. برغم حتمية الجغرافيا وثقل التاريخ الذي يفرض على الجزائر إعلان مواقف سياسية أكثر جرأة، واتخاذ خطوات عملية تكرس هذه المواقف، إلا أن الدبلوماسية الجزائرية فشلت هذه المرة، وكمرات كثيرة في مسايرة الأزمة في تونس ومصر وليبيا وملاحقة التطورات المتسارعة التي عرفتها المنطقة، وبات موقف الصمت المثير للاستغراب هو الغالب على المواقف الرسمية للجزائر، ما أدى إلى إزاحة الجزائر عن لعب أي دور محوري في المنطقة التي تستوعب الجزائر جغرافيا، في مقابل مواقف وتحركات إقليمية لدول هي أقل حجما وتأثيرا من الجزائر. فخلال الثورة في تونس ظلت وسائل الإعلام الجزائرية والدولية تنتظر إعلان الجزائر عن أي موقف أو اتخاذ أية خطوة، يمكن أن تعكس الحجم السياسي للجزائر. وأبدت أحزاب سياسية ومثقفون ودبلوماسيون جزائريون انزعاجهم من صمت الخارجية الجزائرية، وسوء تقديرها للموقف، وعجزها عن بلورة موقف يؤمّن لعلاقة مستقبلية مع تونس ما بعد الثورة، واستدعى الأمر أن يلتقط الصحفيون بأنفسهم موقف الحكومة عبر مواقف متناثرة من الوزراء في الحكومة. وفي الحالة المصرية لم تحفظ وزارة الخارجية الدرس، ولم تستوعب حجم التطورات والمتغيرات التي تعرفها المنطقة، وظل الصمت ودبلوماسية الظل والكواليس ''تحنط'' الوزارة والوزير مدلسي، ولم يصدر عن الجزائر على خلاف كل دول العالم أي موقف يمكن أن يدرج في تاريخ المواقف الدولية بشأن الثورة الشعبية في مصر، وظل الوزير مدلسي يردد العبارة الشهيرة أن ''الجزائر لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول''، حتى وإن كان الأمر مرتبطا ببعد إنساني يستوجب إدانة القمع وقتل المتظاهرين مهما كان الطرف المعني بذلك. وجاءت الثورة في ليبيا، ووقفت الجزائر على مرمى حجر من الأحداث، ولم يصدر أي بيان رسمي من وزارة الخارجية حتى هذه اللحظة يعبّر عن موقف الدولة الجزائرية بشأن التطورات الراهنة في ليبيا، بالرغم من التأثر المباشر للجزائر في حال انزلقت الأمور في ليبيا إلى منعطف الحرب الأهلية. وفضل وزير الخارجية مراد مدلسي أن يصدر مواقفه كإجابة عن أسئلة قنوات فرنسية وأجنبية هي ''فرانس ''24 و''القناة البرلمانية الفرنسية'' والتلفزيون المكسيكي. كما فضل وزير الداخلية دحو ولد قابلية ''فرانس ''24 لإعلان فتح الحدود أمام النازحين من ليبيا، ولم تفكر الحكومة الجزائرية في تخصيص حصة في التلفزيون الجزائري للوزير مدلسي لإعلان مواقف رسمية للدولة الجزائرية إزاء الأحداث في ليبيا والمنطقة. وقد دفع هذا الصمت الأممالمتحدة إلى استثناء الجزائر من بيان الإشادة بالجهود المصرية والتونسية في استقبال النازحين من ليبيا، برغم الجهود التي بذلتها الجزائر بدءا من فتح الحدود وإقامة مخيّم ب1200 سرير في مركز الدبداب الحدودي لاستقبال الهاربين من الجحيم الليبي. الدبلوماسية الجزائرية التي انتظرت ثلاثة أيام لإصدار بيان إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة في جانفي 2009، وانتظرت 10 ساعات في جوان 2010 لإصدار بيان إدانة خطف إسرائيل لباخرة أسطول الحرية الذي كان يتواجد بها رعايا وصحفيون جزائريون، هي ذاتها الدبلوماسية التي تتهرب من كل الأحداث الدولية وتلوذ بالصمت، وهو ما يسيء إلى الثقل السياسي والتاريخي للجزائر.