سمعت يوما أحد المتحدثين في إحدى القنوات يصف الجزائر بالبلد الفقير. استبد بي الغضب من جهل هذا الرجل. وصرت أتوعده بعظائم الأمور وبأني سأفضح جهله. اتصلت بالرجل ورجوته لقاء لتصحيح جملة من المعلومات والمعطيات عن الجزائر. وذلك ما تم. قبل أن أقابله تذكرت تلك الحكمة التي تقول: ''ليس الفقير فقير المال بل الفقير هو ذلك الذي لا يملك إلا المال!!'' ولم أتردد في إطلاق الحكمة في معرض حديثنا. فهم الرجل الرسالة، اعتذر كثيرا، لكن الغضب استبد به هو الآخر. وقال: أفهم غضبك ولكن لماذا تشتمني. قلت: لم أقصد شتمك أبدا. قال: ولكنك تلمح أننا بلد يفتقر لكل شيء ولا يملك شيئا آخر غير المال. قلت: يا سيدي، لا أتردد في القول إنه هذا حال كل عرب الريع النفطي. تريليونات الدولارات تجعل العرب رابع قوة في العالم قادرة على تصدير المال. ولكننا آخر شعوب الأرض من حيث مؤشرات التنمية. تعليمنا متخلف، حكامنا، في الغالب الأعم، محدودو الثقافة، نخبنا عاطلة معطلة، اقتصاداتنا تابعة فاسدة غير منتجة. ماذا صنعت لنا تريليونات الدولارات المرصودة في بنوك الغرب والشرق؟ لا شيء، إنها تنهب هنا وهناك.. وفقط. في الجزائر تفتخر السلطة بأن الاحتياطي من العملة الصعبة بلغ 150 أو 160 أو 170 أو حتى 200 مليار دولار، ربما أكثر وربما أقل. نحن لا نعرف كم هو الاحتياطي بالضبط، ولا نعرف بالخصوص كيف يستخدم، ويبدو أن البرلمان (!!) ونوابه لا يعرفون والأحزاب (!!) لا تعرف والنقابة (!!) لا تعرف، وعدد من الوزراء يؤكد عند سؤاله أنه لا يعرف بالتدقيق، فمن يعرف؟ هذا يعني أن البلاد ''غنية!!'' ولكن أليس الأهم هو أن الشفافية في إدارة ثروة الجزائريين غائبة، والأدهى والأمر أن السلطة لا ترى لها ضرورة!! ولا ترى أن الشفافية من بين أدوات حماية هذه الثروة وأن تحرير الجزائريين طريق تثمين هذه الثروة وتحويلها لتنمية. الانطباع قوي بأن السلطة ما زالت لا تملك من وسائل الإقناع غير عائدات النفط والأمن.. وتلك هي المشكلة الأكبر.. نعم الجزائر فقيرة؟!! com.mostafahemissi@hotmail