إذا ما تأكدت الأخبار التي تقول إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيقدم قريبا على حل البرلمان وإسقاط العديد من المؤسسات القائمة واستبدالها بأخرى انتقالية، والدعوة بموازاة ذلك لانتخابات رئاسية مسبقة لن يترشح لها هو بكل تأكيد وإلا فإنها ستفقد كل معنى لها أو أي مبرر لها... فإن الرجل سيدخل التاريخ، لأنه بخطوته هاته يكون قد أقدم على وضع حد للزيف الذي تتخبط فيه الجزائر منذ سنوات طويلة، ولأنه يتمتع بالشجاعة الكافية التي مكنته من الإقرار بأن مرحلة حكمه الممتدة منذ اثنتي عشرة سنة كانت سلبية وفاشلة ولا بد من وضع حد لها، وها هو يضع هذا الحد بنفسه، وفي ذلك قمة الشجاعة... إذا تأكد هذا فإن التاريخ سيغفر لبوتفليقة خطيئة تعديل الدستور الحالي من أجل الترشح لعهدة رئاسية ثالثة، وسيتحمّل وزر هذه الخطيئة بطانية السوء، خاصة الثلاثة المتربعون على قمم أحزاب التحالف الرئاسي. أما إذا تأكدت الأخبار التي تقول إن الرئيس سيقدم على الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي يتكفل بإعادة صياغة وبناء مؤسسات الدولة من جديد، وعلى أسس أخرى غير تلك التي كانت ولا زالت معتمدة لحد الآن، فإن بوتفليقة لن يدخل التاريخ بشكل عادي فقط، وإنما سيدخله من بابه الواسع، لأنه سيكون أول رئيس جزائري منذ الاستقلال أقر بأن الأسس التي بنيت عليها وسارت عليها الدولة الجزائرية منذ عام ألف وتسعمائة واثنين وستين كانت خاطئة، وبالتالي وجب ولابد من وضع حد لها، حتى يتحرر البلد ويسير باتجاه المستقبل سيرا عاديا وسليما وبالمستوى الذي يناسب حجم وكيان وإمكانيات الجزائر، وفي هذا منتهى الشجاعة ومنتهى سلامة البصر والبصيرة. أهمية هذه القرارات في حالة خروجها أو لنقل إخراجها من دائرة التخمين إلى دائرة التجسيد الفعلي، تكمن في أن السلطة الحاكمة انتبهت بالفعل إلى أن الوضع في البلد متأزم وينذر بأوخم العواقب في حالة الاستمرار على نهج العمى السياسي الذي يوحي الخطاب الرسمي لحد الآن بأن السلطة مصابة به... في حالة الإقدام على هذه الخطوات تكون السلطة قد انتبهت لنفسها، وتجاوزت خطاب رجلها التنفيذي الأول أويحيى في بيانه عن السياسة العامة للحكومة أمام مجلس الأمة، الذي كاد أن يقول فيه بأن الجزائر جنة من جنان الله، وليست دولة عربية حباها الله بخيرات لا حدود لها، وأوقعها مسؤولوها في فساد لا حدود له.